فلسطين وغزّة... دونَ كللٍ أَو مَلل

فلسطين وغزّة... دونَ كللٍ أَو مَلل

17 فبراير 2024
+ الخط -

تسكن قلوبنا الحَيرة، عمّا نكتب، وماذا ندوِّن؟ يَكثُر ما يجولُ في خواطرنا، وتزداد حدّة الجرائم الصّهيونيّة بوصفها "نازيّة"، يومًا بعد يوم، والشهر تلو الآخر، لتتأثر رؤيتنا وأفكارنا، وتتخبّط بين الحين والآخر، كما نتخبّط أنفسنا؛ إثر الأحداث القاتلة المتواصلة دون كللٍ أو ملل، التي لا محلّ لوصفها بأنّها قاسية، أو حتى ما يُرادف هذا الوصف من سمات، نعيش لحظاتنا المتضاربة كما لم نعشها في أيِّ حرب مضت، فلا نستطيع القول بأنّنا لم نعايش هذه الأحداث في النّكبة، وليس لدينا سوى الجزم بأنّها شهور تعدّت شدّة النكبة، بما حملته من أحداث وجرائم في مجرياتها.

تلك الجرائم الصّهيونية التي يتبع مرتكبوها الفكر النّازي، ويسيرون على خطاه، يعيدون إنتاج الإيديولوجيا ومسلكيتها، ويقومون بتبنّي هذا النموذج العرقي المتطرّف وصهينته، ومن ثم تطبيقه وإِسقاطه على الفلسطينيّين، بوصفهم "عرباً مخرّبين"، على وجه العموم؛ حيث يصف الاحتلال أشكال المقاومة الفردانيّة التي غالبًا ما تكون ناتجة عن شرارة ما، بأنّها تخريب. كما يتم وصف الفلسطينيين على وجه الخصوص، بكونهم "إرهابيّين"، خاصة في قطاع غزّة؛ كونها مصدر المقاومة في الرّؤيا الوطنيّة للكلّ الفلسطيني. وفي كلتا الحالتين، يعمل الاحتلال على محو الهويّة الفلسطينيّة، ونزع  صفة الإنسانيّة عن الفلسطينيين، بتجريدهم من كافّة المقوّمات الحياتيّة الطبيعيّة، وحرمانهم من كلّ ما ينبغي أن يتصف بأنّه حقٌّ آدمي أو بشري، دون التّعبير بالفعل المبني للمجهول في هذه الأفعال الدنيئة التي لا يوجد ما يصفها، كما يعرض بإيجاز لدى البعض، عن قتل أو اغتيال سيدة ما وطفلها الرّضيع على سبيل المثال الحي، أو "تمّ إبادة شَعب ما" على سبيل المبالغة إن حقّ القول إنها كذلك، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار هنا، بأنّ مصطلحيْ "الحقوق"، و"الإنسانيّة"، باتا شيئين لا يستحقان أن يُؤخذ بهيئتهما ذات الأهميّة والجدّية المتعارف عليها، لا سيما في هذا الزَمن المستحدث، والقضايا "الترِيندية "(Trend)، التي تدّعي المطالبة والحفاظ على حقوق الإنسان، بوصفها حقوقًا، وبوصفه إنسانًا، بالتّركيز على بعض القضايا الثانويّة والّلوجستيّة دون غيرها، عبر اتّباع سياسة التأجيل والإلهاء، ذات المنحى التكنوقراطي.

ولكن من الجدير التّساؤل هنا حول أيّ حقوق نتحدّث، وطبيعة هذا الإنسان الذي نطالب بحقوقه، في ظّل تاريخ التّطور والتّحديث المتضارب كما أفكارنا، وأنسنَة "الأفراد"، وفردَنتهم مضمونًا، بالمَفهوم النيوليبرالي، التي تجعل من العقل البشري سارحًا فيما يرى من الكارثة المصوّرة في غزّة، التي تثير مدامع العين؛ إزاء استشراء الدّاء المغلّف بمواقف التعاطف والمعارضة، وكأنّها مشاهد من فيلم فانتازيا لا صلة لها بواقع العالم المستحدث.

يعمل الاحتلال على محو الهويّة الفلسطينيّة، ونزع صفة الإنسانيّة عن الفلسطينيين

تتكرّر الحيرة في نفوسنا وأذهاننا المتخبّطة المتضاربة أحيانًا، والمضلّلة أحيانًا أخرى، فتتعدّد الأحداث والقضايا الواجِب الحديث عنها ببالغ الأهميّة، ومُحاولة استبعاد كلّ ما هو من مشتقات "ندين، ونستنكر"، التي ترتبط في واقع الأمر بالفعل "يسطع"، دونَ إضافة حرف التّاء، والفعل "يستطع"، بإضافة الحرف، التي جاء في تفسيرها من قبل علماء الّلغة، بأنّ "كل زيادة في المبنى تعبّر عن زيادة في المعنى"، فمن الجانب الآخر في هذا التّفسير، قد يتشابه الفعل يسطع بما يتعلق بالموقف الذي يخف حمله باقتصاره على الإدانة والاستنكار، الذي يوحي بشيء من "ما باليد حيلة"، في حين أنّ القدرات الكامنة المضمرة، مرتبطة بالفعل يستطيع، إلا أنّ هناك ما حال ويحول دون إظهارها، ويحاول قدر الإمكان استبعاد هذا الخيار.

لكن، وعلى سبيل الختام الذي لا ينتهي إلى وقتٍ محدّد، سوى عند هذه المدونة، فإنّ الصّهيونيّة، أو النّازية، هذا المسمّى أو ذاك، تعبّر بجميع الأحوال عن وحشيّة الأفعال المنحرفة الجرميّة، من تنغيصٍ للمعيشة، وما يصاحبها من تنكيل، وتعذيب، وقهرٍ، وكسرٍ، مع عدم الاكتفاء بإفساد نكهة الحياة فقط، والعيث فسادًا فيها، إلى حين تحوّلها لحياةٍ عارية، وإنّما تنغيص رقود جثمان الشّهيد بسلامٍ في قبره، بعيدًا عن التغنّي المعتاد بالصّمود والنّضال لشعب الجبّارين، الذين دائمًا ما يتحلون بالصّبر والأمل، فالحقّ في الكلل والملل، والإفصاح عن حقيقة الانهيار اللحظي، والعتاب أيضًا كنوعٍ من أخذ قسط من الرّاحة، هو واجبٌ على كلّ من هم خارِج هذا الحيز تقبّله.

ردينة عطا
ردينة عطا
طالبة علم اجتماع، خرِّيجة حديثة في جامعة بيت لحم.