نظرية العائلة في مقاهي رام الله

نظرية العائلة في مقاهي رام الله

13 ديسمبر 2016
+ الخط -



إحدى أهم النصائح التي قيلت لي في حياتي، وإحدى النصائح القليلة التي قبلتها، تقول إنك يجب أن تترك المقهى مع أول سؤال شخصي يسأله لك العاملون هناك.


إذا كانت المدينة تعطيك حرية أكثر، فلأنك لا تعرف الناس، ولأنك لست مضطرا لحسابات كثيرة مع أي فعل تفعله معهم. لكن مع كل شخص جديد تتعرف إليه، فإن جهاز رقابة جديداً يضاف إلى حياتك. لست متأكدا بصراحة، من معنى المدينة التي تجد في أي مكان تزوره داخلها، أشخاصا تعرفهم. 


المهم أن أسوأ ما في هذه النصيحة، أنك بحاجة دائمة إلى تجديد المقهى، وأنا إنسان كسول ولا أحب البحث، إضافة إلى أنني لا أتخيل حياتي من دون مقاه. جربت كل البدائل. قلت يجب أن أشتري نرجيلة، لكنني عندما فعلت، اكتشفت أنني فاشل في إعدادها. قلت سأطلب النرجيلة "ديلفري" بعد اليوم. لكنني توصلت إلى نتيجة حاسمة، مفادها بأن النرجيلة لا تُطلب، لكن يُذهب إليها فقط.


وأفضل ما في هذه النصيحة، أنها جعلتني خبيرا بالمقاهي، بسبب التنقل والتجريب الدائمين، وأنها ستمكنني من كتابة هذه التدوينة.


الناس في رام الله متصالحون مع حاجاتهم للمقاهي، ولو قسمنا عدد سكان المدينة على عدد المقاهي فيها (حسب بيانات وزارة السياحة)، فإن هناك مقهى لكل 300 شخص تقريبا.


وحدود المقاهي هنا واضحة أيضا. المقاهي التي يكون فيها سعر القهوة  خمسة شواكل (دولاراً ونصف)، والنرجيلة 10 شواكل (3 دولارات)، فإنها للذكور فقط، وإن زاد عن ذلك فستكون مختلطة. هناك أماكن لم يتغير فيها شيء، سوى أنها سمحت للإناث بالدخول، فتضاعف السعر تلقائيا.


هناك مقاه للعمال، ولموظفي "الإن جي أو"، وموظفي البنوك. هناك مقاه لمناديب الأجهزة الأمنية ولجواسيسهم، ومقاه لتجار الأراضي والغنم، ومقاه لليساريين.


مقاه تضع أغاني رديئة، وأخرى تضع طربا أصيلا، وعليك أن تحتمل تعريف صاحب المقهى للخانتين.  مرة انزعجت من أغنية لزياد الرحباني، فطلبت أغنية لصباح، فرفض صاحب المقهى بحجة أنهم لا يضعون إلا أغاني طربية. في رام الله، هناك مقاه تعتقد أن أغاني زياد الرحباني أغان طربية، وأن أغاني صباح ليست كذلك.


وهناك مقاه للعائلات، وهذه قصة لوحدها.  عند أصحاب المقاهي، هناك نظرية خاصة بالعائلة. صحيح أن مفهوم العائلة لاقى شغلا نظريا واسعا، من أوائل نظريات الفلسفة الكلاسيكية، إلى مدارس علم الاجتماع المعاصرة، وكذا الأنثروبولوجيا وعلم النفس، إلخ. لكن تعريف العائلة في مقاهي رام الله تجاوز كل هذه الحدود الكلاسيكية، وقفز عن كل  التعريفات التقليدية.


دخلت مرة إلى مقهى، فسألني النادل على الباب مباشرة، إن كنت أنتظر أحدا، فأجبته بالنفي. اعتذر عن قبول دخولي، لأن المقهى مخصص للعائلات. وبعد تجربة طويلة من الطرد والرفض، عرفت أن العائلة تعني هنا مجموعة من الذكور والإناث، وإن كانوا يلتقون للمرة الأولى. ذكر وأنثى، أو ذكران وأنثى، أو مليون ذكر وأنثى.


الشرط واضح، يجب أن تكون هناك أنثى واحدة على الأقل كي تصبح أية مجموعة عائلة. وحتى لو لم يكن هناك ذكور أصلا، فإن مجموعة إناث يمكن أن تكون عائلة. وطبعا، فإن إنثى واحدة أيضا حسب هذا المنطق، يمكن أن تكون عائلة ممتدة!

عندما طردت قبل فترة من أحد المقاهي، كتبت على الفيسبوك، أن مدنا لا تحترم الوحيدين لا تحترم العشاق، وكتبت عن الموقف. وقتها نشر مؤرخ وأستاذ جامعي تونسي ما كتبته، وقال إن ما يفعله المتطرفون في تونس يفعل نفسه المتطرفون.. في رام الله.

 

لم أرد عليه، لأنه لم يكن يعرف أن من يطردوننا من مقاهي العائلات في رام الله، ليبراليون جدا، ولله الحمد!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دلالات