26 يناير 2021
هل "تعرّت" مصر بثورة يناير؟
لا تزال ثورة 25 يناير 2011 تخيف نظام الانقلاب العسكرى الحاكم فى مصر، ويبدو ذلك جليا فى دأبه على شيطنتها و تحميلها مسؤولية ما وصلت إليه مصر من وضع بائس على كل المستويات..
حيث وصفها الرئيس السيسي وقائد الانقلاب العسكري بأنها كانت خداعا وتزييفا للوعي، وبالفوضى ومحاولة إسقاط الدولة، ومؤخرا شبهها بمن كشف ظهر مصر وعرّى كتفها. وذلك في محاولة فاشلة للإلقاء باللوم على ثورة يناير في أزمة سد النهضة الذي سيتسبب في فقر مائي وفي عواقب كارثية وشيكة على مصر.
ومع الأخذ في الاعتبار أن السيسى تنصل من مسئوليته المباشرة عن تلك الأزمة، وتناسى أنه هو من تنازل منفردا عن حق مصر التاريخى في مياه النيل، وأنه هو من وقع اتفاقية إعلان المبادئ التى شرعنت لبناء سد النهضة، فإن ذلك التشبيه غير الأخلاقى الذى استخدمه السيسي يحمل المعنى الحرفي لهتك عرض مصر.
ومن الجلي أن محاولة السيسي لتشويه ثورة يناير واتهامها بتعرية مصر قد باءت بالفشل، ولم تفلح في تضليل الرأي العام المستنير. بل أثارت حفيظة المصريين فراحوا يردون عليه بسرد أمجاد ثورة يناير، وبالتذكير بجرائم نظامه في حق نساء مصر، وبتدشين وسم "السيسى عرى مصر".
ولن ينسى التاريخ أن ثورة يناير قد شهدت اعتصام الملايين من المصريين بميدان التحرير لمدة 18 يوما متتالية دون رصد حالة تحرش واحدة. كما أن الراسخ في الضمير الجمعي للمصريين أن من هتك عرض مصر ونساءها هو حكم العسكر منذ تدشينه عام 1952.
ومع التسليم بأن انتهاكات نظام العسكر لحرمات المصريات قد تراوحت حدتها وفقا لظروف لكل حقبة زمنية، فإن الثابت يقينا أن نساء مصر قد تعرضن لانتهاكات غير مسبوقة منذ انقلاب 2013 بل ومنذ اندلاع ثورة يناير 2011. وذلك في الوقت الذي كان فيه السيسي مديرا للمخابرات الحربية ومسؤولا عن كل الأجهزة الأمنية في مصر.
ففي عام 2011 تعرضت العديد من المتظاهرات لاعتداءات وتحرشات جسدية عنيفة منها التحرش والضرب المبرح والسحل أمام مجلس الوزراء وفي ميداني محمد محمود والتحرير الذي شهد أيضا تجريد امرأة محجبة "ست البنات" من ملابسها وسحلها وركلها بالأقدام من قبل الجنود. كما تم إخضاع معتقلات قسرا لكشوف عذرية، الأمر الذى برره السيسى باعتباره إجراء روتينيا لحماية قوات الجيش من اتهامات محتملة بالاغتصاب.
وعلى عكس ثورة يناير التي لم تشهد حالة تحرش واحدة، فقد شهدت التظاهرات المؤيدة للانقلاب العسكرى في 30 يونيو 2013 والأربعة أيام التالية له العديد من حالات الاعتداء الجنسي على النساء وفقا لما وثقته منظمة "هيومان رايتس ووتش"..
ومنها على سبيل المثال 91 اعتداءً جنسياً وقعت في ميدان التحرير أثناء الاحتفال بعزل مرسي وتولى السيسي مقاليد الأمور فعليا. فضلا عن 524 واقعة اعتداء جنسي قامت بها قوات الأمن أثناء التظاهرات المناهضة للانقلاب. و317 حالة كشف حمل أخضعت لها الفتيات والنساء قسرا أثناء ترحيلهن إلى السجون ومقار الاحتجاز وفي داخلها. و30 جريمة اغتصاب ضد نساء المعارضة منذ 30 يونيو 2013 حتى نوفمبر 2014.
وفي عام 2018 أصدرت "بى بى سي" تقريرا مفصلا عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر متضمنا توثيقا لجرائم اختفاء قسري وتعذيب وحشي واغتصاب ارتكبتها أجهزة النظام الأمنية في حق نساء مصريات منهن "زبيدة إبراهيم" عام 2016. ولا تزال سلطات الانقلاب تعتقل المصريات وتنكل بهن ومنهن مؤخرا إسراء عبد الفتاح وماهينور المصري اللتان تم اعتقالهما منذ أيام قليلة.
وبالإضافة لكشوف العذرية واختبارات الحمل، تمارس سلطات الانقلاب العسكري أيضا التفتيش الذاتي والعبث بالأعضاء التناسلية للمعتقلات السياسيات وزائرات المعتقلين المناهضين للانقلاب. تلك الممارسات التي تهدف في المقام الأول للإيذاء الجسدي والنفسي وكسر الروح المعنوية لقمع أي معارضة محتملة من جانب هؤلاء النساء أو ذويهن، خاصة أنها تحدث تحت سمع وبصر رجال من سلطات حكم العسكر.
إن الثابت يقينا أن ثورة يناير 2011 المجيدة بريئة من جرم "كشف ظهر مصر وتعرية كتفها"، وأن من هتك عرض مصر ونساءها هو حكم العسكر وسلطات انقلاب 2013. سيذكر التاريخ أن العسكر هم من هتكوا عرض مصر وليست ثورة يناير.
إن الحرية التى أرست قواعدها في تونس الحرة لآتية إلى مصر لا محالة، و حين تهب رياحها على مصر فستكون قوية عاتية لتقتلع حكم العسكر من جذوره، وترسخ بدلا منه دولة مدنية ديمقراطية حرة تكفل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لكل مواطنيها. وتقتص للمصريات من كل مجرم ديوث هتك أعراضهن وأهدر كرامتهن. وتنهي إلى الأبد نظام حكم عسكري اغتصب مصر مرارا بأساليب متعددة.