اقتحامات الأقصى في رمضان: فصل من معركة السيادة

اقتحامات الأقصى في رمضان: فصل من معركة السيادة

20 مايو 2020
+ الخط -
يرى المتابع لدقائق شؤون القدس والأقصى، تصاعد إجراءات الاحتلال التي تستهدف قدسية المسجد المبارك، ومحاولات نزع الحصرية الإسلامية عنه، فقد استطاع الاحتلال في السنوات الماضية تحويل الاقتحامات إلى ثابت دائم في رزنامة اعتداءاته، ومحطة أساسية في خريطة التهويد التي تغطي المدينة بعشرات الخطط والمشاريع المختلفة، فالاقتحامات هي الأداة التي تستخدمها سلطات الاحتلال لاستبدال المكون اليهودي بالمكون الإسلامي، عبر جعل الوجود اليهودي في جنبات المسجد أمرًا طبيعيًا، وهو ما سوف يتحول إلى تقرير للتقسيم المكاني فور وصول المشهد إلى هذه الحالة "الطبيعية" في التعاطي مع هذا الوجود الدخيل.

وفي سياق قراءة سلوك الاحتلال بما يخص اقتحامات المسجد الأقصى قبل مرحلة إغلاق المسجد بسبب "كورونا"، يعمل الاحتلال على تثبيت الاقتحامات بشكلٍ شبه يوميّ، ويحاول تثبيتها أطول مدة ممكنة من حيث امتداد الوقت في يوم الاقتحام الواحد، أو تثبيت الاقتحامات أكبر قدرٍ ممكنٍ من أيام السنة، وهو ما بدأ يتصاعد مع إصرار أذرع الاحتلال على اقتحام الأقصى في الأعياد والمناسبات الإسلامية.

وحول هدف الاحتلال من هذه الاقتحامات، يشير تقرير حال القدس السنوي عام 2019 الصادر عن مؤسسة القدس الدولية، إلى أن هذه الاقتحامات هي كسرٌ للعُرف السائد بعدم اقتحام الأقصى في الأعياد الإسلامية والعشر الأواخر من رمضان، ورسالته من هذه الاقتحامات أنه لا خطوط حمراء تمنع اقتحامات اليهود في مناسباتهم الدينية والوطنية حتى لو تزامنت مع مناسبات إسلامية، وأنّ الاحتلال ماضٍ في نسف الوضع القائم في الأقصى بإجراءات عملية بمعزل عن أي مواقف دولية أو إقليمية.


وفي العامين الماضيين صعدت أذرع الاحتلال استهدافها للأقصى خلال الأعياد الإسلامية، ومن أبرز هذه الاعتداءات:
- في 5/6/2018 وخلال شهر رمضان، اعتقلت قوات الاحتلال 15 مصليًا من أمام المصلى القبلي في المسجد الأقصى، بحجة تلاوة المصلين للقرآن الكريم بصوتٍ مرتفع خلال اقتحام المستوطنين باحات المسجد الأقصى، واعتدت على المصلين بالضرب والدفع.

- في 12/5/2019 منعت قوات الاحتلال عشرات المقدسيين من الاعتكاف في الأقصى، واقتحمت المسجد في ساعة متأخرة وأخرجت المصلين من داخله بالقوة، ما أدى إلى إصابة 12 مصليًا من كبار السن، وهددت قوات الاحتلال المعتكفين بالاعتقال والإبعاد عن المسجد في حال إصرارهم على الرباط في الأقصى. وقد تكررت هذه الاقتحامات في عددٍ من ليالي رمضان في ذلك العام، في محاولة من الاحتلال لتثبيت نفسه المتحكم الوحيد بالأقصى، وأنه يقرر من يبقى في المسجد ليلًا، إضافة إلى توفير اقتحامات هادئة في اليوم التالي للمستوطنين، لا يتصدى فيها المعتكفون للمقتحمين في ساعات الصباح الأولى.

- في 2/6/2019 وبالتزامن مع 28 رمضان، سمحت شرطة الاحتلال باقتحام الأقصى، وبلغ عدد المقتحمين نحو 1179 مستوطنًا في ذكرى احتلال كامل القدس، المعروفة إسرائيليًا بـ"يوم توحيد القدس"، بحماية مشددة من قوات الاحتلال، وتصدى المصلون في المسجد للمقتحمين بهتافات التكبير. واستبقت قوات الاحتلال هذه الاقتحامات بحملة اعتقالات واسعة في 1/6/2019 شملت 25 أسيرًا محررًا من القدس المحتلة، وقد وضعت "منظمات المعبد" هدفًا لها وهو اقتحام 10 آلاف مستوطن في هذا اليوم، وروجت له في وقتٍ مبكر منذ نهاية شهر نيسان/أبريل 2019، وطالبت المستوطنين بتجهيز لافتات بعناوين استفزازية من بينها "معًا لبناء المعبد - نطالب بزيادة السيطرة على القدس - بالآلاف قادمون في يوم القدس" وغيرها.

- اقتحام أول أيام عيد الأضحى المبارك، في 11/8/2019، الذي تزامن مع ذكرى "خراب المعبديْن"، واقتحم الأقصى فيه نحو 1340 مستوطنًا، وشنت فيه قوات الاحتلال حملة تنكيل ضدّ المصلين.

وفي سياق تغيير الوضع القائم، وعلى الرغم من استمرار إغلاق المسجد الأقصى في إطار التدابير الصحية لمواجهة "كورونا"، أعلنت أذرع الاحتلال التهويديّة عن تحديد يوم 22 أيار/مايو 2020، الموافق لـ 29 رمضان، لاقتحام المسجد الأقصى، وتتزامن في هذا اليوم ذكرى "توحيد القدس" بالتقويم العبري، وهي المحطة التي حددتها أذرع الاحتلال لاقتحام المسجد بأعدادٍ كبيرة في العام الماضي.

وتعمل سلطات الاحتلال على صبغ الاقتحامات بصبغة المطالبة الشعبية من قبل المستوطنين و"منظمات المعبد"، إذ تتم هذه الاقتحامات بعد حملة مطالبة مكثفة من قبل المستوطنين، فمع بداية أيار/مايو بدأت هذه المنظمات بالاستعداد والترويج، وعملت على حشد أنصارها للمشاركة في هذا الاقتحام، ومع استمرار إغلاق المدينة بسبب "كورونا"، قامت "منظمات المعبد" بفتح باب التسجيل للراغبين باقتحام الأقصى في هذا اليوم، على أن تبلغهم برسائل نصية، بعد تلقي الرد الإيجابي من قبل سلطات الاحتلال، وبحسب مصادر صحفية سجل عشرات المستوطنين أسماءهم للمشاركة فيه.

ويتجلى لراصد التحركات التي تقودها "منظمات المعبد" إصرارها على تنفيذ الاقتحام، إذ قدم محامي هذه المنظمات المتطرف إيتمار بن جفير التماسًا إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، يطلب عبره من المحكمة فتح أبواب المسجد الأقصى لاقتحامه، وتضمن التماس هذه المنظمات، أن إغلاق الأقصى أمام اقتحامات المستوطنين تمييزٌ لهم، إذ يستطيع موظفو الأوقاف الدخول إلى المسجد وأداء الصلاة فيه، وأشار بن جفير، أن الاقتحام سيتم عبر مجموعات تضم كلٌ منها 10 مستوطنين.

ومع خطورة التحضير للاقتحام، وإمكانية قيام سلطات الاحتلال بمناورة كما جرى في اقتحام أول أيام الأضحى في 11/8/2019، كشف موقع "كيبا" العبري، وهو موقع يتابع شؤون الجماعات المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي وخاصة أخبار "منظمات المعبد"، أن المحكمة العليا استقبلت موضوع طلب المنظمات وتابعته مع سلطات الاحتلال، وأمرت حكومة الاحتلال بفتح أبواب الأقصى أمام اقتحامات المتطرفين، ولكن الأمر اللافت، توجيه المحكمة سؤالًا لحكومة الاحتلال حول وجود اتفاق بين السلطات الأردنية والإسرائيلية حول إغلاق المسجد الأقصى، وتتقاطع هذه المعطيات مع معلومات صحافية، كشفها موقع عربي 21، نقلًا عن مسؤول أردني رفيع المستوى، أشار إلى هذا الاتفاق، وأن سلطات الاحتلال "ملتزمة"، ولن تسمح باقتحام الأقصى خلال مدة الإغلاق.

ومع تصاعد الأصوات الداعية إلى إعادة فتح المسجد الأقصى، مع اتخاذ التدابير الصحية اللازمة مثلما تم اعتماده في الكثير من مساجد العالم، تكمن خلف هذا الاتفاق، وإصرار أذرع الاحتلال التهويدية على اقتحام المسجد، الكثير من الأسئلة، خاصة قيام الاحتلال منذ بداية الجائحة بمحاولة فرض واقع جديد على الأقصى، وعلى القدس بشكلٍ عام، ومحاولة الاحتلال الاستفادة مما يجري في المدينة المحتلة، لتمكين موقعه وسيطرته على العديد من مفاصلها الدينية والبشرية.

لذا، هل يعمل الاحتلال على تقويضٍ نهائيّ للوضع القائم (الستاتيكو)؟ وهل سيكون واقع المسجد مختلفًا بعد انحسار الوباء؟ وهل الاتفاق الأردني الإسرائيلي، سيؤسس لتفاهمات أخرى، يكون الأقصى جزءًا أساسيًا فيها؟.. وغير ذلك من الأسئلة التي لا تحتاج أجوبة معرفية أو سياسية أو تنظيريّة، بقدر حاجتها لجوابٍ واحد عاجل، هو حماية الأقصى بكل الطرق الممكنة.

31613475-73A0-4A3D-A2F9-9C1E898C5047
علي حسن إبراهيم

باحث في مؤسسة القدس الدولية. كاتب في عدد من المجلات والمواقع الالكتروية. عضو رابطة "أدباء الشام".