"أورتيغا".. أسئلة الفلسفة في معالَجة مسرحية

14 سبتمبر 2023
من العرض
+ الخط -

منذ ثلاث سنوات أَسّس المخرجان المسرحيّان، الإسباني إرنيستو كاباييرو والكولومبية كارينا غارناتيفا، مشروعاً أطلقا عليه اسم "المسرح الطارئ"، في محاولة منهما لإخضاع الفكر الفلسفي لقواعد التمثيل المسرحي، وإنشاء حوار بين المسرح والتخصُّصات الأُخرى؛ مثل الفلسفة والشعر والتاريخ والعلوم.

ضمن هذا المشروع، يُقدّم كاباييرو وغارناتيفا في "مسرح كيكي سان فرانسيسكو" بمدريد مسرحية جديدة بعنوان "أورتيغا"، والتي تتواصل عروضُها حتى الخامس عشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر المُقبل.

قد يعتقد المُتفرّج للوهلة الأُولى أنّ الأمر يتعلّق بجولة إرشادية أو تعليمية في حياة ومسيرة الفيلسوف والمفكّر الإسباني خوسيه أورتيغا إي غاسيت (1833 - 1955)؛ مؤلّف أحد أبرز الكتب المؤسِّسة في الفلسفة الأوروبية في القرن العشرين، "تمرُّد الجماهير" (1927)، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، فالمسرحية هي محاولة لتطبيق أفكاره الفلسفية على المعضلات الداخلية المتجسّدة في شخصيات اللحظة الراهنة.

تجربةٌ تُقيم حواراً بين المسرح والفلسفة والشعر والتاريخ والعلوم

سرعان ما سنتعرّف على بطلَي المسرحية خوانا وأوسكر؛ الزوجان اللذان يقرّران التخلّص من أعمال أورتيغا إي غاسيت الفلسفية الموجودة في رفوف مكتبتهما شبه الفارغة، لكنّهما في كلّ مرّة يشرعان فيها بالأمر يواجهان بعض العوائق ويضطرّان إلى العودة للمنزل لوضع الكتب مُجدَّداً على الرفوف. شيئاً فشيئاً، ستُظهر محاولاتهم المتكرّرة والفاشلة إلى العلن واحدةً من أبرز أفكار الفيلسوف الإسباني؛ وهي الإنسان وظروفه المحدّدة في العالم.

فمثلاً، حين تواعدت خوانا مع جارتها لتُعطيها كتب أورتيغا، ستضطرّ إلى إلغاء الموعد والذهاب إلى المستشفى. وهناك سيقول لها الأطباء إنّه يتعيّن عليهم استئصال مبيضها، وبذلك ستبقى فارغةً تماماً مثل رفوف المكتبة التي تحاول إفراغها.

واحدة من أفكار أورتيغا الفلسفية الأُخرى التي تُعالجها المسرحية، هي الطريقة التي نتواصل بها مع ماضينا، وكيف يُمكننا أو لا بناء علاقة مع أشياء الماضي، مع جذورنا، ونتطلّع من خلالها إلى المستقبل. 

تَبرز هذه الفكرة من خلال الحوارات الكثيرة والمكثّفة بين الزوجين، والتي سنتعرّف من خلالها على الأزمة الوجودية التي تمرّ بها خوانا، وتجعلها ترغب في التخلُّص من كلّ شيء غير مُفيد في حياتها، بما في ذلك كتب أورتيغا الفلسفية، والتي في لحظة محدَّدة فكّرت في رميها إلى القمامة. غير أنّ أوسكر، وبعد تفكير وتأمُّل، سيُعبّر عن خشيته من التخلّص من تلك الأشياء، لأنّه يعتقد أنّه قد يفقد معها جزءاً من ذاكرته وهويته، وأنّ الحياة التي بنياها معاً قد تضيع منهما.

هكذا بين أخذٍ ورد، سيعيش المتفرّجون سلسلة من المغامرات والأحداث، بعضها مجنون، وبعضها الآخر مليء بالفكاهة، والشعر، والتحليل النفسي، وأفكار أورتيغا الفلسفية - التي سيُردّدها الزوجان كثيراً في حواراتهما - والتي، في نهاية المطاف، وعلى سبيل المفارقة، ستُنقذ الكتب من القمامة. فهل هذا قدرٌ أم أنّه حكمة فلسفية؟ في المسرحية جوابٌ عن هذا السؤال.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون