المنزل القوطي

09 اغسطس 2023
وليم غاديس يقف أمام بورتريه له لـ جوليان شنابل، 1987
+ الخط -

في ما يلي فصلٌ من رواية وليم غاديس (1922-1998) الثالثة، Carpenter’s Gothic، التي نُشرت عام 1985، ويمكن ترجمتها بـ"المنزل القوطي". ابتعد صاحب "الاعترافات" (تجاوزت 950 صفحةً) في هذه الرواية (مئتي صفحة فقط) عن الأعمال الطويلة، وكتبَ كتاباً أقصر من روايتيه السابقتين، ومن نوعٍ مختلف من حيث الشكل.

تجري أحداث "المنزل القوطي" على مدار شهر، في منزل قوطيٍّ فيكتوري ببلدة صغيرة في وادي نهر هدسون، وتُقدَّم بتقنيات سردية مختلفة عن موضوعاته السابقة مع بعض الإضافات، حيث يناقش مفهوم الاقتصاد الجديد، وظهور بعض الآلات التكنولوجية الحديثة، والمذهب الكاثوليكي، وغيرها.

نلاحظ في هذا الفصل أنَّ غاديس يبتر الحوار، ولا يُكمل الجمل ويتنقّل بين الموضوعات دون سابق إنذار، وجميع فصول الرواية مبنية على شكل مونولوغ. والجدير بالذكر أنّ أياً من أعمال غاديس لم تترجم إلى العربية.


ماذا؟ أوه...لا، هذه ليست إلّا شيئًا من الضوضاء القادمة من الشارع، إدي متى ستعود؟ أوه كنتُ أتمنّى هذا، لكن لا أعلم كيف، لقد استقررنا مؤخّرًا هنا، وبول مشغولٌ جدًّا مع كلّ هذا... لا، هذا منزل، أي أنّه منزلٌ قوطيٌّ جميل من الطراز الفيكتوري، يطلّ على نهر هدسون وعلى البرج، هناك برجٌ محاطٌ بالنوافذ في الركن حيث أكون أنا الآن، حيث يكون النهر والأشجار على مدّ النظر، حيث كلّ الأوراق... لا، ليس بعد، لقد استأجرنا المنزل، لسنا على دراية بشيء، أعني أنّنا لا نعرف أحدًا هنا، لكن سيروق لكَ أثاث المنزل عندما تراه، الكراسي من خشب الورد، هناك الدواليب وعلى الجدران هناك الستائر من الحرير والمخمل، والمصابيح الذهبية الّلامعة الأجمل على الإطلاق، وزهورٌ من الحرير.

إنّي أنتظر بفارغ الصبر كي تراه بنفسك، إنَّ هذا المنزل بمثابة متحف صغير. آه إدي، أليس كذلك؟ حقًا؟ هذا نوع من التدريب على العيش على ما أظن، أعني مع المرأة التي أتت اليوم، أعني مع المرأة التي أتت لتناول الغداء اليوم، نعم لقد تعرّفت إليها هنا اليوم، لقد عاشت سنين كثيرة في هايتي، وأتت لتناول الغداء معي، وكلّ ما تحدّثناه كان بالفرنسية، في الحقيقة لم أكن... لا، هناك الكثير من الأشخاص المثيرين للاهتمام هنا، لكن نحن لم نمكث هنا سوى منذ عهد قريب، لكنّك تعلم أنَّ بول سرعان ما سيعرف الجميع هنا، لقد كانَ مشغولًا مع الزبائن، لقد ذاع صيت إحدى الزبائن اليوم في الجريدة، وظنَّ بول، أن صيت الزبون الثاني...ماذا؟ لا، حقًا؟ لم يخبرني بهذا مُسبقًا، لكن ما الذي أخبركَ به والدك؟ آه إدي حقًا... نعم، حسنًا إنَّ بول أصله من مناطق الجنوب، أعني عندما يرغب في أن يكون من الجنوب، لكنّه لم يذهب بعد نحو لونج فيو، وتَعْلَم ماذا يشعر والدك حيال هذا الأمر، لا يمكنني تصوّر ماذا يعتقد حقا، لقد... انتظر مهلًا...

إدي، لا، كلُّ شيءٍ على ما يرام، هذا ليس ذنب بول، أحيانًا يستولي عليه الغضب، خصوصًا بعد وفاة أبي، لكنّه يحاول جاهدًا... لا، لا، هنا أفضل من نيويورك بكثير مع هذا الهواء النقي، وبفضل جاك هذا الرجل الطيّب، الذي أرسلني نحو ذلك الطبيب... من؟ أنتَ تقصد تلك الفتاة التي عرفناها في سانت تيم؟ يا له من مشهدٍ فظيعٍ، مع ذلك الشاب، مشهد الدراجة الناريّة، إنّه مشهدٌ فظيعٌ، لا، أنا أعرف هذا، قد قال أبي هذا دائمًا، إنَّ والد هذه الفتاة يُرشى بسهولةٍ من قبل مجلس الشيوخ، لكن عندما كنّا في واشنطن، كان أبي دائمًا... لا... أكان ضدّه؟

لطف منكَ أن تتصل، لكني أعلم أنّه مكلف للغاية

لقد كان ضد والد سِيتي، أوه... هل كنت تعرفه؟ ألّا يكون من ذوات البشرة الداكنة؟ أوه إدي... كان يجب أن لا تفعل هذا... لا بالطبع فأنا لن أخبر أحدًا بذلك، لكن ما إن يعرف والدك بهذا الأمر سيموت حتمًا... أوه إدي حقًا، أعلم بأن الأمر لم يكن هكذا... أين؟ هل كان مع سكويكيز؟ كنتُ أعتقد أنّها في جزر هواي مع رفيقها عازف جيتار البيس الذي التقته هناك... أوه هذا فظيع، أليس كذلك؟ لا إنّها فقط مسائِلُ ماديّة، لكنّها مسائل فظيعة، إنّها دائمًا تُؤمن بكل تلك... لا، لا يزال هنا، بيلي أقصد، لقد كان هنا الأسبوع الماضي، لقد مرَّ من هنا بشاحنة نقل، لكنّك تعلم هو وبول لا ينسجمان معًا...

لا ليس هذا فقط، هناك الأملاك، والدعاوى القضائية، الجمعيات، هناك دعوى بخصوص "جميعة أدلوف"، أتمنّى أن تنتهي بفارغ الصبر، لكن بيلي يشعر بالغضب تجاه الجميع، ورفيقته هذه التي تُدعى شيلا، المُفعمة بالخرزات على جسدها، ذات الشعر القصير، التي لا تعرف شيئًا، سوى البوذية والممنوعات، والأصدقاء. وفي الحقيقة كنت أظنّ أن البوذية تكبح الرغبات والشهوات وأنانية الإنسان وأناه لكني كنتُ مخطئًا، لم أرَ في حياتي مثل هذه العنجهية، إنّها تملك صديقًا بشعر طويلٍ، طوله نحو مترين وله رائحة نتنة كروث البقر، هو من أكرون، هذا موحشٌ، هذا أمرٌ حزينٌ جدًّا يا إدي.

كنت أظنّ أنّ البوذية تكبح الشهوات وأنانية الإنسان

إنَّ كل ما يتحدثونه يدور حول المال وهذا مؤسف للغاية، أعني حتّى والد هذه الفتاة التي تُدعى شيلا، كان يعمل في متجر لتنظيف الملابس في الجهة الشرقية، حيث يدفع لها إيجار المنزل الذي تتشاركه مع بيلي، كان يعتقد أنَّ بيلي غنيٌّ، ودائمًا ما كان يلوم بيلي في كلِّ شيء، عندما ذهبت إلى الهند.. حاول أن.. آه إدي أعتذر منكَ بشدة، لم أكن أريد أن أطُيل بهذا الأمر، لكنّي قد بدأت... أنا أعلمُ هذا... أنا أعلم لكن... إنّها لا تزال في ذات دار العجزة، التي وجدها جاك لها، لا أحد يذهب لرؤيتها أو زيارتها، ولن تتعرّف إلى أحدٍ إن قام أحدٌ بذلك، هي فقط تنام وتبقى في ديمومة من النُعاس، وأدولف يشكو من كثرة الفواتير، ولا أحد...إدي، حقًا، أنا بخير، أخبرتك بهذا، لا مزيد من الإشكاليات...

أنا فقط لا أكتب، أعني أنّها كانت ستكون رواية، لكنّي لم أكتب شيئًا منذ أن انتقلنا نحو هذا المنزل القوطي، لم أكتب كلمة واحدة، لم أنظر إليها مطلقًا، كنت مشغولةً جدًّا، مع مجموعة من الناس تعمل في مؤسّسة خيرية تُعنى بمرضى السرطان، أعني لقد بدأتُ دروس اللغة الإسبانية، لقد بدأتُ لتوي، وعندما اتصلت بي فقط... كنت أعود من... إدي لقد اشتقت لك حقًا، أتمنّى لو تأتي لزيارتي، هذا يومٌ جميلٌ، دافئٌ ولطيف بشكل ملفت رغم أننا في الخريف، وسرعان ما تصبح الأوراق صفراء، والأوراق الخضراء والصفراء تلمع تحت الضوء، وهناك ورقة واحدة حمراء هناك على النهر، هذه... آه ليتك أتمنى هذا يا إدي، هذا لطف منكَ أن تتصل، لكني أعلم أنّه مكلف للغاية، الأفضل أن... إدي؟... وداعاً.. 


* فصل من رواية "المنزل القوطي" (1985). ترجمة عن الإنكليزية: عمر أبو سمرة



بطاقة

William Gaddis روائي أميركي من مواليد نيويورك عام 1922. درس في "جامعة هارفارد" وعمل محرّراً في مجلة "ذا هارفارد لامبون"، ثم مدقّقاً في "ذا نيويوركر". يعدّ أحد أهمّ الروائيِّين الأميركيِّين الذين كتبوا رواية ما بعد الحداثة، حيث هجا الواقع والحُلم الأميركيَّين بعد الحرب العالمية الثانية. رحل عام 1998. من أعماله "الاعترافات" (1955)، و"جي آر" (1975)، و"المنزل القوطي" (1985).

المساهمون