محمد المرابط.. طيورٌ تغادر الصحراء إلى الحسيمة

26 نوفمبر 2022
محمد المرابط (تصوير: خوسيه رامون آلاركون)
+ الخط -

إذا كان الكاتب محمد المرابط قد غادر المغرب عام 2002، وهو لم يبلغ العشرين بعد، منتقلاً إلى مدريد التي ستصبح مدينةَ عيشه، فإن المغرب لن يغادر كتاباته، ومنها روايته الثانية، التي حازت نهاية العام الماضي "جائزة مالقة للرواية"، وصدرت هذا العام تحت عنوان "شتاء الحَساسين" (منشورات "غالاكسيا غوتنبرغ").

تتتبّع الرواية سيرة إبراهيم، بطلها، ولا سيّما في علاقة حبّه مع أولغا، أستاذة الفنون الإسبانية التي تأتي للتدريس في المغرب. مثل مؤلّف الرواية، يرى إبراهيم النور في مدينة الحسيمة، التي تعود إليها الحساسين في الربيع، قادمةً من الصحراء. الحسيمة هي فضاؤه وفضاء طفولته، وهي المكان الذي يعرف فيه الجميع ويعرفه الجميع. نرافقه في تفاصيل حياته اليومية، من البيت إلى المدرسة ومن المدرسة إلى البيت، حيث تعتني به أمُّه مع شقيقه الأكبر. كما نرافقه خلال سيره في شوارع المدينة، حيث يلتقي الجيران والصيّادين العائدين من رحلات صيدهم اليومية. هذا التكرار اليومي سيعرف انعطافةً مع انتقاله لدراسة الفنون في تطوان، حيث سيلتقي أولغا، التي غادرت مدريد بحثاً عن تجربة جديدة. سيكون هذا اللقاء بين المعلّمة والطالب أساسياً في حياة كلّ منهما.

يقول الشاعر والناقد الإسباني خوسيه ساريا إن "التوغُّل في أجواء 'شتاء الحساسين' يفتح الباب على العواطف والمفاجآت، وعلى الإبهار الذي يأتي به كاتبٌ يتعامل مع اللغة بإتقان غير عاديّ، ويسيطر على الأزمنة مثل حِرفيّ حقيقي. ما إنْ شرعت في قراءة هذه الرواية الثانية لمحمد المرابط حتى غمرتني بالفعل شمسُ الحسيمة وجوّها، بعدد كبير من الأنفاس والدرجات اللونية الدقيقة التي تسكن صفحاتها، وبالطريقة التي يتأمّل بها المرابط العالم، ويعيد تفسيره ويصفه.

لقاءٌ بين طالب فنون وأستاذته سيكون أساسياً في حياة كلّ منهما

إنّ البصمة التي منحها المرابط لهذه الرواية، بتلك الرشاقة في حركة البناء عبر غزارة وفيرة من الجمل القصيرة، تؤكّد أننا نتعامل مع محترف حقيقي قادر على رفع نَصّه إلى مستوى عمل لا يفنى"، ويضيف: "لقد دخل إبراهيم ومينة وموسى وأولغا وميمونة أو روسيو (شخوص الرواية) قلبي بالفعل، وهم يعيشون معي في مكان إقامتي، لأنّ المرابط تمكّن من تشكيل ملامحهم انطلاقاً من تعويذة كلمته السحرية".

وُلد محمد المرابط في الحسيمة عام 1983، وانتقل إلى مدريد في التاسعة عشرة من عمره، حيث درس العلوم السياسية. لغةُ المرابط الأمّ هي الريفية، وهي تنويع من الأمازيغية. لكنّه سيكتب أعماله بالإسبانية، التي صدرت بها روايته الأولى، "أرضٌ مهجورة" (منشورات "سيتارا")، عام 2018. وتحكي الرواية قصّة إسماعيل، وهو مترجمٌ يغادر مدريد نحو مسقط رأسه، الحسيمة، لحضور جنازة جدّته، وهناك يواجه من جديد أحلام طفولته، وبداياته، ويجد نفسه أمام أسئلة الهوية، واللغة، والعيش بين ثقافتين. وإلى جانب روايتيه هاتين، ينشر المرابط مقالات في المجلّات والملاحق الثقافية بالصحف الإسبانية.

الصورة
شتاء الحساسين ـ القسم الثقافي

وكانت لجنة تحكيم "جائزة مالقة للرواية" قد اختارت "شتاء الحساسين" من بين 287 عملاً شاركت في دورتها الخامسة عشرة (2021)، واصفةً الرواية بأنّها "تؤكّد الروابط بين العالم الغربي والعالم المغربي"، وبأنها "حكاية مبتكرة تمزج بين الأجناس الأدبية المختلفة، التي يصبح فيها المشهد مادّة سردية ذات مرونة كبيرة، مع نهاية ملتوية غير متوقعة". أمّا الكاتب سيرخيو ديل مولينو فقد وصف المرابط بأنه "يمثّل طليعة الأدب القادم".

تُمنح هذه الجائزة، التي تُشرف عليها بلدية مالقة الإسبانية وتبلغ قيمتها 18 ألف يورو، إلى رواية مكتوبة بالإسبانية وغير منشورة (كانت رواية المرابط، في نسختها المسوّدة، تحمل عنوان "بحر من صحراء"، قبل أن يجري تغييره إلى عنوانها الحالي).


* شاعر ومترجم من المغرب

المساهمون