نحو البساطة

نحو البساطة

21 مارس 2022
جوان ميرو/ إسبانيا
+ الخط -

"نحو البساطة" عنوانُ كتاب للباحث الفرنسي إيمانويل كاتّان. عنوانٌ جميل عن فيلسوف جميل هو هيغل. لكنّه عنوانٌ مفاجئ: فمَن حاول قراءة "فينومينولوجيا الروح"، على سبيل المثال (وهو العمل الذي يتناوله كاتّان بشكل أساسيّ)، يعرف أن فلسفة هيغل ولغته تشبهان أيّ شيء إلّا البساطة.

رأيٌ قد لا يُعجِب الباحث الفرنسي. هو يعترف بصعوبة التمكّن من النصّ الهيغلي، لكنّه يقول إن وعورة النصّ من وعورة التجربة التي يصفها: تجربة الوعي في انتقاله من التبعثر والحيرة والمجرّد (في الفصول الأولى من الفينومينولوجيا) إلى أعتاب "المعرفة المطلقة" (في الفصل الثامن والأخير) التي هي يقينٌ محسوسٌ وبساطة. هكذا تصبح قراءة الكتاب، بحدّ ذاتها، اختباراً لهذه التجربة.

يمكن عقْد مقارنة بين "رحلة" الوعي في فينومينولوجيا هيغل وبين العديد من التجارب الشعرية. يبدأ الشاعر، في الحالة الأخيرة، مأخوذاً بقُدرة المجرّد، بفعل البلاغة والبيان والمحسّنات. ثمّ يكتشف، مع الوقت، أنه بدأ يكتب قصيدة لا تحتكم إلى هذه الألعاب. وأنه يفضّل هذه القصيدة الجديدة. يكتشف أن الشعر بات، بالنسبة إليه، في مكان مغاير لما كان يعتقده.

هذا، مثلاً، حال شاعر مثل سعدي يوسف. في ديوانه "نهايات الشمال الأفريقي" (1972) يمكن لنا أنْ نقرأ: "الموتُ في آذارَ، كان يدقّ أبوابَ المدينةْ/ وحشاً رصاصيّاً يمزِّقُ في مخالبه الرهينةْ". بينما نقرأ في سنواته الأخيرة: "مطرٌ فوق طنجةَ.../ هذا الصباحَ تكونُ النساء بـ"سوق المُصَلّى" بلا درهمٍ: كيف يجلسنَ تحت المطرْ/ يبِعنَ الخضارَ/ وأرغفةَ الخُبز/ والجبنةَ المنزليّة؟" ("قصائد هيرفيلد، التلّ"، 2013).

ما الذي جرى في تجربة سعدي يوسف بين هذين الزمنين؟ غالباً ما جرى أيضاً مع شعراء آخرين، مثل الفرنسي إيف بونفوا والسويسري فيليب جاكوتيه. بدأ الأوّل سريالياً، بنصوص مثل الزئبق لا يمكن إمساكها، وكان الثاني، على حدّ تعبيره في قصيدةٍ متأخّرة، "بالصور يغطّي عينيه".

كلاهما، مثل سعدي يوسف، غادرَ الألعاب اللغوية والبلاغية وكتب مطوّلاً ضدّها، أي ضدّ بداياته وفهمه السابق للشعر. وكلاهما عثر على الشعر في البساطة التي ليست سهولةً وتساهُلاً، بل انشغالٌ بالحضور ("اليقين المحسوس" عند هيغل) وإصغاءٌ إلى عمل الآن والهُنا. هذا ليس حُكماً أو نقداً. هو ملاحظةٌ لتوجُّهٍ تجتمع فيه الفلسفة، أحياناً، بالشِّعر.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون