الفن السوري.. وتد أخير في خيمة تنهار

الفن السوري.. وتد أخير في خيمة تنهار

03 ابريل 2014
في كل بيت لوحة
+ الخط -
قيامك في زمن الحرب والحصار، بإعطاء عمل فني لفلاح بدلاً من رغيف خبز، هوعملٌ مجنون للغاية؛ لكن في سورية زمن الحرب لا يبدو ثمّة شيء منطقي؛ وآخر خارج عن المنطق. كل شيء يحدث وكأن الحياة يومٌ واحدٌ مكثف، وعليك معايشة التجربة في كل شيء، الموت؛ والحب؛ والفرح؛ والفن. كل الأشياء تصادفك في يومٍ واحد و بلدٍ واحد، هنا سورية القيامة.

في مدينة "عفرين" الواقعة في أقصى الشمال الغربي لسورية؛ والتي تتعرض من جهة لحصارٍ خانق بين الحين والآخر من كتائب إسلامية؛ ومن جهة تركيا التي تنظر عبر فوهة بنادق حرس حدودها، بريبةٍ وحذر لرايات حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي"، المرفوعة فوق جبال وقرى هذه المدينة؛ تبدو المدينة حبة زيتون منسية خارج الحرب داخل الحياة.

المدينة الريفية "عفرين" تشهد ضمن الحرب حراكاً نشطاً للفن التشكيلي نتيجة نزوح عدد من التشكيليين إليها من المدن الكبرى. ومن أكثر التجارب الفريدة في طريقة تقديم العمل الفني، هو معرض الفنان شورشفان إبراهيم الذي حمل عنوان "في كل بيت لوحة".
فكرة المعرض ترتكز على إقامته في إحدى قرى عفرين، "برمجه"، وتوزيع عشرين عملا فنياً على بيوت القرية، لتعود ملكيتها في النهاية لصاحب البيت. يُدافع شورشفان عن الفكرة "بإنّها محاولة لإقحام اللوحة في كل بيت من المنطقة الريفية، ومنح الفلاح مثل المثقف، فرصة الاستمتاع بالفن".


يأخذ الفن هنا مهمة الدفاع عن قيم الحياة والجمال، في مواجهة قبح الحرب والمأساة. في ساحة القرية بدا المشهد مثيراً: فلاحون، أطفال صغار، نساء ريفيات بسيطات؛ يستقبلون اللوحات بحبٍّ ودهشة. بدا الأمر أشبه بمظاهرة؛ وحول غرائبية إهداء لوحة لفلاح بحاجة لرغيف خبز؛ وعن إمكانية تفهم الفلاح لفنه، يجيب شورشفان: "لن يفهمها لكنه سيحبها!". وربما يكون الفلاح المتمسك بالأرض، والرافض للنزوح والهرب من المدينة التي فرغت من الشباب، ربما يكون الأكثر ائتماناً على اللوحة والفن.

تنوعت الأعمال الموزعة على بيوت القرية، بين أعمال نحتية تطبيقية، ولوحات رسمت على قماش، وأخرى على الزجاج. يبرز في معظم أعمال شورشفان كائن الحلزون، في رمزية لتقوقع دفاعي، ضد الحرب وضد القبح. يفسر الفنان اختياره لهذه المفردة الفنية باهتمامه بالكائنات البطيئة، بطئ الحرب والمأساة السورية؛ ويُضفي عليها بعداً آخر: "النظر للحلزون من الخارج إلى الداخل، تعني اللامتناهي والتطور".

شورشفان إبراهيم من مواليد 1982، وهو خريج معهد الفنون التطبيقية قسم النحت في دمشق؛ شارك في عدد من ملتقيات النحت، مثل "ملتقى الملاجة"، و"مهرجان السنديان" و"ملتقى نحت وجرف صخري" في طرطوس، وله عدة عدة مشاركات في معارض وزارة الثقافة الجماعية منذ عام 2006.

منذ نزوحه مع عائلته من "دمشق" إلى "عفرين"، أقام معرضين فرديين في مقاهي المدينة ضمن محاولة لإدخال ثقافة اللوحة والفن التشكيلي إلى مدينة عفرين و نواحيها.

معرضُ "في كل بيت لوحة" شهد اهتماماً من قبل وسائل الإعلام، وهي تجربة مثيرة وفريدة، ومحاولة لإظهار أنَّ ليست كل المناطق الخارجة من يد النظام مناطقٌ سلفية ومعادية للحياة والفن، كما تُنقل الصورة للعالم. إنّها محاولة تعطي دفقاً للحياة، ودفقاً من التفاؤل، وتبيّن أنه ما زال في سوريا فنٌ وجنونٌ جميل؛ جنون الحياة، وجنون الأمل بزوال الحرب، ليغدو الفن أشبه بالوتد الأخير في الخيمة التي تنهار.

دلالات

المساهمون