"بارونات الاستيراد" يحكمون قبضتهم على أسواق الجزائر

"بارونات الاستيراد" يحكمون قبضتهم على أسواق الجزائر

23 اغسطس 2022
الغلاء يطاول معظم السلع الغذائية (Getty)
+ الخط -

أعادت القفزات التي مست أسعار العديد من المواد واسعة الاستهلاك المستوردة وندرة الكثير منها، بعث الجدل حول ما يُعرف في الجزائر بـ"حيتان الاستيراد" وتأثيرها على تجارة البلاد الخارجية وإدارة اقتصاد البلاد الرسمي منه وغير الرسمي.

ومنذ أكثر من عقد، عاشت الجزائر في السنوات أحداثاً أظهرت تحكم مستوردين كبار في مقاليد الأسواق في البلاد بداية من سوق الفواكه والقمح، البن، الحديد، والسيراميك، وحتى الأدوية التي دخلت هي الأخرى في المعادلة.

فقد شهدت أسعار مختلف السلع الغذائية المستوردة خلال الأيام الأخيرة زيادات كبيرة وصلت في بعض الأصناف إلى 30%، حيث تراوحت بالنسبة للزيوت بين 15% و25%، والزبدة بين 5% و12%، أما العجائن فسجلت زيادة تراوحت بين 20% و30%، كما سجلت أسعار البقوليات والفواكه زيادات كبيرة، ما أثار حفيظة المواطنين، ودفعت بجمعيات حماية المستهلكين إلى الإعلان عن حملات مقاطعة، فيما قال ناشطون في مجال حماية المستهلك وتجار إن من وصفوهم بـ"بارونات الحاويات" هم من يحددون أسعار السلع بغض النظر عن الوضع الحقيقي للعرض والطلب في الأسواق.

وقال رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك مصطفى زبدي لـ"العربي الجديد"، إن "ارتفاع الأسعار سببه المضاربة التي قام بها بارونات الاستيراد.. هؤلاء يملكون رخص الاستيراد حصرياً لبعض السلع، ولا أحد يحاسبهم في وزارة التجارة أو الجمارك، ولا أحد يطالبهم بجلب الفواتير لمعرفة حجم وأسعار الكميات المستوردة".

وفي نفس السياق، قال محرز شنينة، تاجر للمواد الغذائية في سوق الجملة بالضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية لـ"العربي الجديد"، إن "سعر القنطار الواحد (100 كيلوغرام) من البن نزل في الأسواق العالمية خلال النصف الأول من العام الجاري، إلا أن أسعارها ارتفعت في الجزائر بقرابة 25% في نفس الفترة، وهذا أبرز مثال على أن السوق يتحكم به من يمونه ويموله وليس العرض والطلب"، مضيفا: "نحن إلى يومنا هذا ندرك أن بارونات الاستيراد هم من يتحكمون في الأسعار وفي السوق".

حيلٌ لكسب الأموال الطائلة

حتى الخبز الذي يعد إحدى السلع الأساسية التي طاولها ظل "حيتان الاستيراد"، وفق تجار أشاروا إلى أنه بالرغم من تدخل الحكومة لضمان كميات كبيرة من القمح سنوياً من خلال إبرام صفقات شراء كبيرة مع فرنسا وكندا، إلا أن هذا السوق دخله "بارونات الاستيراد" من باب عجز الحكومة عن تأمين الطلب الداخلي، الذي لم يتوقف عن الارتفاع مع مرور السنوات وارتفاع عدد سكان الجزائر.

وحسب رئيس جمعية التجار والحرفيين الجزائريين طاهر بلنوار، فإن "عملية نصب ممنهجة تجري في الجزائر في ما يتعلق بعمليات استيراد القمح أو حتى جمع القمح من المزارعين لإعادة بيعه لدواوين القمح الحكومية، حيث يتم خلط القمح المحلي بالمستورد لتحقيق أكبر نسبة من الربح على حساب جيوب المواطنين".

وأضاف بلنوار لـ "العربي الجديد"، أن "بارونات القمح يستعملون حيلا أخرى لتحقيق الثراء على حساب الشعب؛ منها استيراد قمح مخالف للمواصفات أو من الدرجتين الثانية والثالثة وفوترته بأسعارٍ مُضخمة".

وطاولت هذه الممارسات التجارية قطاع الأدوية؛ إذ كثيرا ما عانت رفوف الصيدليات في السنوات الأخيرة من ندرة حادة في العديد من الأصناف، منها المتعلقة بالأمراض المزمنة مثل الأنسولين لمرضى السكري وأمراض الضغط، وهي الندرة التي شغلت الرأي العام وقادت وزراء الصحة إلى المساءلة البرلمانية، ودائما ما يربط المتتبعون للنظام الصحي في الجزائر هذه الندرة بـ "فزاعة" "بارونات الاستيراد"، خاصة أن الجزائر تستورد سنويا أكثر من 2.2 مليار دولار سنويا من الأدوية.

وفي السياق، قال الناطق باسم عمادة الصيادلة الجزائريين صلاح الدين وضاح، إن "استيراد الأدوية يتحكم فيه أشخاص يملكون سجلات تجارية رسمية ويملكون مخابر معتمدة، وكثيراً ما يلجؤون إلى نشر الإشاعات والمضاربة حتى يضربوا الصناعة الجزائرية في مجال المواد الصيدلانية".

وأضاف وضاح لـ"العربي الجديد"، أنه "كلما صنعت شركة "صيدال" (عمومية) دواء جديداً أو أي شركة جزائرية أخرى دواء محلياً، إلا وانتشرت إشاعات تروج لفشله وأعراضه الجانبية الخطيرة".

تغلغل في سوق العملات

ويرتكز بارونات الاستيراد على سوق يمثل بالنسبة لهم شريان الحياة، وهو سوق صرف العملة الموازي، الذي تُضخ عبر شريانه أموال غالبية العمليات التجارية الخارجية حسب المختصين، إذ يسيطر كبار المستوردين على هذا السوق الذي لا تكاد تخلو محافظات الجزائر الثماني والخمسون من شارعٍ يجري فيه بيع وشراء العملات الأجنبية.

ولا توجد أرقام رسمية حول حجم الأموال المتداولة في سوق صرف العملة الأجنبية السوداء أو "دوفيز"، كما يلقّبه الجزائريون، فيما تشير تقديرات خبراء مصرفيين إلى تداول حوالي 9 مليارات دولار في هذا السوق سنوياً.

يقول النائب في البرلمان الجزائري عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، سليمان سعداوي، لـ"العربي الجديد" إن "أسواق العملة السوداء هي دولة موازية تقارع الرسمية، ومن يسيّرها أناس أغنياء وذوو نفوذٍ يفضلون الاستثمار في سوق العملة الموازية بدلاً من بناء المصانع، حتى الوزراء أصبحوا يقصدونها".

في السياق، يشير أستاذ الاقتصاد النقدي في جامعة قسنطينة، لوناس محمد، لـ "العربي الجديد" إلى أن "الأسماء الكبيرة في مجال الاستيراد أقامت مسارا محكما يجري فيه إخراج العملة الصعبة بطرق ذكية".

وأضاف أن "بارونات الاستيراد كثيرا ما يلجؤون إلى رفع الأسعار في الأسواق الموازية من خلال سحب كتلٍ نقدية كبيرة وإخراجها عبر صفقات تجارية وتعاملات مالية مع صغار المستوردين".

زيادة الرسوم الجمركية 

ولمواجهة احتكار "مافيا الاستيراد" كما يسميهم رجال القانون في الجزائر قررت الحكومة تشديد القيود الإدارية على عمليات الاستيراد، والاعتماد على "نظام رخص الاستيراد" تُمنح وفق مناقصة وطنية مفتوحة للجميع مع مضاعفة الرسوم على المواد الثانوية وغير الأساسية إلى 400%.

لكن الخبير الاقتصادي جمال نور الدين يؤكد أن "قيمة الواردات تراجعت من حيث الحجم والقيمة، ولكن لم تتغير معادلة الأشخاص الواقفين وراء عمليات الاستيراد، والدليل حاويات الخردة والحجارة (صفقات استيراد وهمية) التي جرى حجزها أخيراً في ميناء الجزائر".

ويضيف نور الدين لـ "العربي الجديد" أن "بارونات الاستيراد لا يزالون يستحوذون على حصة الأسد في فاتورة الواردات، وأصبحوا أمراً واقعاً وباعتراف الحكومة".