"كابيتال كونترول" في لبنان: فضيحة تحمي المصارف و"تعرّي المودع"

صيغة جديدة لـ"الكابيتال كونترول" في لبنان: فضيحة تحمي المصارف و "تعرّي المودع"

02 ديسمبر 2021
درس اقتراح قانون معجل هدفه وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية (Getty)
+ الخط -

"سقطت" صيغة جديدة لقانون "الكابيتال كونترول" في لبنان، أثارت ضجة واسعة في الأوساط الاقتصادية لما تحمله من جريمة تشريعية وممرٍّ يؤمن حماية المصارف على حساب المودعين.

وحمل المسودة نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، خلال الجلسة المشتركة التي عقدتها لجنتا المال والموازنة والعدل والإدارة أمس الأربعاء، بذريعة تقديم التزامات لصندوق النقد الدولي بعد الأخذ بملاحظاته، الأمر الذي أحدث بلبلة في الجلسة وجملة اعتراضات، خصوصاً أنها لم تنل موافقة صندوق النقد.

وقال نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي، أمس إثر الجلسة: "الحكومة دخلت في مفاوضات مع صندوق النقد للنقاش بالملاحظات. كان هناك مشروع للاتفاق على الكابيتال كونترول أخذ بعين الاعتبار ملاحظات صندوق النقد بالقدر الممكن، وأتى الشامي ليعلن عدم استكمال النقاش أيضاً، لذلك كنا أمام أمر: هل سنذهب إلى دراسة اقتراح أو مشروع اقتراح أو مسودة اقتراح لم تقدم بشكل رسمي كورقة عمل؟ من الممكن أن تأتي ملاحظات من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي في هذا الشأن". 

وتقرر على هذا الأساس إعطاء مهلة أسبوع للمناقشة قبل أن يخرج رئيس البرلمان نبيه بري سريعاً بدعوة لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل إلى عقد جلسة مشتركة يوم الاثنين المقبل، لدرس اقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية.

يوضح عضو لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عقيص، لـ"العربي الجديد"، أن "الصيغة لم تسقط فجأة، بل حصل التباس في كيفية وضع اللجان النيابية المشتركة يدها على الموضوع، حيث إن هناك صيغة مقترحة من قبل لجنة المال وأخرى من لجنة الإدارة والعدل، وفيهما بعض الفروقات".

ويضيف: "عند الإحالة إلى اللجان المشتركة للبت بالموضوع حصل تمنٍّ من الحكومة بإرجاء البحث لوجود مفاوضات جدية مع صندوق النقد الدولي بخصوص الصيغة التي يراها الأنسب، وكان التأجيل على هذا الأساس، خصوصاً أن نائب رئيس الحكومة قال خلال الجلسة إنه قد يكون هناك إضافات أو تعليقات سيبديها صندوق النقد الدولي، فطُلِب إليه الحصول على كل الملاحظات قبل موعد الجلسة".

ويلفت عقيص إلى أن "النسخة فيها مواضيع وإضافات مختلفة عمّا أقر في اللجنتين، وستخضع للمناقشة الموسعة، سواء في اللجان المشتركة أو في الهيئة العامة عندما تطرح الصيغة النهائية، فالموضوع دقيق جداً، ويتعلق قبل كل شيء والأهم بالمودع وصغار المودعين"، مشيراً إلى أن "هناك استفهامات كثيرة نريد الحصول على استيضاحات فيها من الحكومة ووزارة المال وصندوق النقد، فنحن لا نريد أن نقرّ قانونا بدل أن يشكل خطوة في مسار إعادة النهوض الاقتصادي والمالي والمصرفي يكون عبارة عن طلقة في الهواء لا معنى له، ولا يخدم مصلحة المواطنين والمصلحة الوطنية العليا".

ويشدد: "تأخرنا جداً في إقرار قانون الكابيتال كونترول، فحكومة حسان دياب لم تبادر إلى تقديم الاقتراح، وكذلك لم ترسل حكومة الحريري قبل استقالتها عام 2019، وكلنا يعلم في كل التجارب الدولية أن فعالية القانون تتطلب إقراره بسرعة كي يمنع هروب الأموال بشكل كثيف من الدولة التي تتعرض لأزمة مالية ونقدية، وهو ما لم نفعله، الأمر الذي سمح للنافذين والسياسيين وأصحاب المصادر وأعضاء مجالس إدارة المصارف بتهريب أموالهم بشكل منظم وممنهج على حساب المواطنين والمودعين الذين يتعرضون منذ سنتين لهيركات "قضم" بودائعهم بأكثر من 80%، وبالتالي أقله إذا أردنا أن نقرّ القانون اليوم فيجب أن يضمن للمودعين ما تبقى لهم من ودائع، كما أن لا يشكل إعفاء للمصارف ممّا ارتكبته".

وشددت رابطة المودعين على أن "هذه فضيحة في تاريخ التعامل المصرفي العالمي، والقانون يتضمن تمييزا، واستنسابية، وإطلاقا ليد حاكم مصرف لبنان المدعى عليه في الداخل والخارج، ويد المصارف وجمعية المصارف تحت مظلة قانونية تنسف الدستور ومبادئ القوانين المرعية الإجراء وتكرس السطو والسرقة، وتعفي عن ما مضى وتنصب المجرمين قضاة في قضية العصر".

من جهتها، تحذر الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "Juriscale" الدكتورة سابين الكك، في حديثها مع "العربي الجديد"، من خطورة هذا القانون وتصفه بـ"الجريمة التشريعية".

وتقول الكك: "أمامنا وفق المسودة المسربة ليس فقط قانون كابيتال كونترول، بل تغييرا في مفهوم النظام المصرفي كاملاً".

وتشير إلى أنهم يقولون في التعريف إن "المصرف هو المؤسسة التي تقوم بعمليات تسليف أياً كان نوعها... بما في ذلك مصارف القطاع العام، وهي المصارف التي تمتلك الدولة أكثرية الأسهم التي تؤلف رأسمالها"، في حين أن قانون النقد والتسليف يعتبرها المصارف التي تتلقى الأموال من الجمهور، وبالتالي توظفها في قطاعات محددة ولآجال قصيرة، وهو ما تقوم عليه المصارف التجارية.

وتلفت إلى أن "هذا التعريف فيه خبث سياسي زبائني لبناني يجعل وكأن الأموال التي توظفها المصارف هي خاصة لها فليس هناك ما يسمى مصارف تسليف، ونرفض هذا التعبير. أما مؤسسات التسليف، فلها توصيف مختلف".

وتتوقف الكك كذلك عند نقطة "مصارف القطاع العام التي تمتلك الدولة أكثرية الأسهم التي تؤلف رأسمالها"، وتسأل: "هل أصبح في لبنان مصارف قطاع عام؟ وماذا تمتلك الدولة المدينة بمليارات الدولارات؟ وهل هي قادرة على تملك المصارف؟"، معتبرة أن "الهدف تحويل الديون التي تحملها المصارف من خلال سندات يوروبوند مع الودائع للدولة لتصبح خارج هذه العلاقة وتضع المودعين في وجه الدولة، وربما لتحويل الودائع إلى عملات لبنانية أو لسندات للدولة، والخوف الأكبر هنا على الودائع الاجتماعية أي الادخارية العائدة للصناديق الضامنة، والنقابية وغيرها، وتحميلها عبء سندات اليوروبوند كما حصل في اليونان".

وتشير إلى أن "هذه العبارة لوحدها تنسف كل الوضعية القانونية للمودع، وستتمسك المصارف أكثر بقولها للمودع أموالك ليست عندنا، فلتذهب وتطالب بها الدولة اللبنانية، وهي أصلاً العبارة التي يرددونها دوماً، وبالتالي هناك عملية ممنهجة لسحب كل الامتيازات القانونية من يد المودع".

من ناحية ثانية، تقول الكك إنه لا يمكن لقانون "استثنائي" أن يكون مرتبطاً بالانتظام العام الذي يفترض أن "يدوم"، كما أن "القانون يضع قيوداً على مفهوم الملكية وحرية التداول بالملكية، ويتعارض مع شرعة حقوق الإنسان، ودستورها الوطني، ولا يمكن اعتباره متعلقاً بالنظام العام، ويطغى على كل النصوص الأخرى".

وكذلك، تتوقف الكك عند "تطبيق القانون بمفعول رجعي"، هذه العبارة على حد قولها "كفيلة بنسف أي مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فهذا من شأنه أن يعري المواطن والمودع والمستثمر من أي حماية قانونية وقضائية، ومن أي صلاحية قضائية عن كل الفترة التي مضت، وبالتالي فإن كل من رفع دعوى أمام المحكمة لم يعد قادراً على تطبيق القانون الذي رفعت بظله، وهو ما ينطبق على الدعاوى في لبنان والخارج".

وتلفت الكك إلى أن "المسودة مقدمة تحت مسمى اقتراح قانون مع العلم أن الحكومة تقدم مشروع قانون أو ترفع مشروع قانون، وهذه تعمية كبيرة في محاولة لتمريره من دون حكومة مجتمعة".

المساهمون