أزمة مالية تضغط على أوكرانيا: الحصول على دعم غربي أو تقديم تنازلات

الأزمة المالية تضغط على أوكرانيا: الحصول على دعم غربي أو تقديم تنازلات لروسيا

18 فبراير 2024
انفجارات في كييف بعد هجوم صاروخي روسي (Getty)
+ الخط -

يبدو أن أوكرانيا في مفترق الطرق بين الحصول على المساعدات المالية الغربية ومواصلة الحرب، أو تقديم تنازلات لموسكو والوصول إلى تسوية سلمية، وسط التقاعس الغربي عن دعمها مالياً.

ولدى أوكرانيا اقتصاد صغير مقارنة بالاقتصاد الروسي، حيث يبلغ حجم اقتصاد أوكرانيا نحو 531 مليار دولار، بينما يبلغ حجم الاقتصاد الروسي نحو 1.71 ترليون دولار، حسب بيانات صندوق النقد الدولي في 2023. وبالتالي يرى محللون أن أوكرانيا ربما لن تستطيع الصمود لفترة طويلة دون تدفق المساعدات الغربية. 

ويرى تحليل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي على موقعه، أمس السبت، أن التهديد الاقتصادي الأكثر خطورة لأوكرانيا بالفعل على المدى القصير، هو خفض الدعم المالي من الشركاء الدوليين. وحسب التحليل، يغطي التمويل الخارجي حوالي نصف نفقات الميزانية. وعلى سبيل المثال، يقول التحليل إنه في الأشهر الـ11 الأولى من عام 2023، اجتذبت أوكرانيا 37.4 مليار دولار من التمويل الخارجي لتلبية الاحتياجات الاجتماعية لميزانية الدولة. ويقدر أن يكون حجم مساعدات المانحين في العام الماضي 2023، حوالي 42.3 مليار دولار.

ووضعت ميزانية أوكرانيا لعام 2024 على أساس أنها ستحصل على قروض خارجية بقيمة 41 مليار دولار، بما في ذلك 18 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي، و8.5 مليارات دولار، من الولايات المتحدة الأميركية، و5.4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. أما المبلغ المتبقي (9.1 مليارات دولار)، فقد خططت وزارة المالية لجذبه في شكل مساعدات من اليابان وكندا والنرويج وكوريا الجنوبية والبنك الدولي. وحسب مجلس العلاقات الخارجية، وافقت وزارة المالية الأوكرانية مبدئياً على استلام أقل من ثلث المبلغ المطلوب.

ويوضح التقرير أن المشاكل المتعلقة بتخصيص المساعدات المالية تعود إلى أسباب داخلية للشركاء أنفسهم. وقد تأخر تخصيص الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا مبلغ 50 مليار يورو لمدة أربع سنوات (33 مليار يورو في شكل قروض، و17 مليار يورو في شكل منح)، بسبب خلافات داخلية. وفي المقابل، لم تتمكن السلطات الأميركية، حتى الآن من تمرير مساعدات عسكرية ومالية من الكونغرس إلى أوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار (بما في ذلك 11.8 مليار دولار المخصصة للدعم المباشر للميزانية).  

وفي محاولة لتأمين السلطات الأوكرانية نفسها ضد السيناريو السلبي، وهو عدم الحصول على هذه المبالغ. قلصت وزارة المالية الحاجة إلى التمويل الخارجي لعام 2024 إلى 37.3 مليار دولار على حساب المصادر المحلية. ومع ذلك، فإن مشاكل تمويل نفقات الميزانية بسبب نقص المساعدات المالية قد تبدأ في وقت مبكر من شهر مارس/آذار، في حين تسمح الاحتياطيات والفرص الداخلية بالتغلب على "الفجوة النقدية" حتى نهاية فبراير/شباط الجاري.

وسط الظروف المالية الصعبة يلاحظ أن هنالك ميلاً لدى المواطنين للتسوية السلمية مع روسيا، خاصة أن هنالك احتمالاً بوصول الجمهوريين للحكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة بأميركا، وهم يعارضون بشدة تقديم مساعدات للحكومة الأوكرانية.

وفي استطلاعات الرأي العام الجاري، تضاعف تقريباً عدد الأوكرانيين الذين أعربوا عن دعمهم لتقديم تنازلات إقليمية لإنهاء الحرب، حيث ارتفع من 10% في مايو/أيار 2023، قبل بدء الهجوم الأوكراني المضاد الكبير، إلى 19% في ديسمبر/كانون الأول بعد فشل الهجوم. وذلك حسب تقرير مجلس "العلاقات الخارجية" الأميركي مساء السبت، لكن التقرير يقول إن الغالبية العظمى من الأوكرانيين لا تزال ترغب في القتال حتى يتم تحرير جميع الأراضي الأوكرانية المحتلة من قبل القوات الروسية المقدرة بنحو 20% من إجمالي مساحة أوكرانيا. 

نقص الذخيرة

يقول مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في تقريره، إن فشل الولايات المتحدة في مساعدة حكومة كييف سيكون بمثابة كارثة تامة ليس لأوكرانيا فحسب، ولكن كذلك لأوروبا والولايات المتحدة. ويرى التقرير أن التأثيرات التي ستكون أكثر إلحاحاً في حال عدم حصول أوكرانيا على المساعدات، هي النقص الحاد في ذخيرة المدفعية، وهو ما أصبح واضحاً بالفعل على الجبهة، وفي ذخيرة الدفاع الجوي. وإذا لم يكن لدى القوات الأوكرانية أي ذخيرة لصد الهجمات الروسية، فمن الممكن أن يخترق الروس الخطوط الأوكرانية.

وبالفعل، أعلن مسؤول أوكراني، يوم السبت، أن القوات الأوكرانية ستنسحب من مدينة أفدييفكا في مقاطعة دونيتسك، وبالتالي منح القوات الروسية أكبر انتصار لها منذ سقوط باخموت في مايو/أيار 2022. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو خسارة كوبيانسك في مقاطعة خاركيف. لأن ذلك سيسمح للقوات الروسية بمحاصرة ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا مرة أخرى.

خسائر فادحة

يقول مجلس العلاقات الخارجية في تقريره، إنه رغم تسبب الحرب في خسائر فادحة في صفوف شعب أوكرانيا واقتصادها، فإن البلاد تواصل العمل بدرجة مدهشة من الحياة الطبيعية خارج مناطق الخطوط الأمامية. وأشار في زيارة ميدانية لأوكرانيا، إلى أن المدن الكبرى بما في ذلك أوديسا، ودنيبرو، وكييف، مزدحمة وصاخبة بالحركة على الرغم من الغارات الجوية الروسية  المنتظمة؛ وتعترض الدفاعات الجوية الأوكرانية معظم الطائرات بدون طيار والصواريخ الروسية. وحتى خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، لا تزال تعمل على الرغم من مواجهة قصف روسي عنيف لأنها تقع على بعد عشرين ميلاً فقط من الحدود الروسية. لقد اعتاد معظم الأوكرانيين على الحرب ويستمرون فيها بأفضل ما يستطيعون. ولكن على الرغم من التوترات، حققت أوكرانيا نجاحاً مفاجئاً ضد البحرية الروسية في البحر الأسود، حيث تمكنت من إعادة فتح البحر الأسود أمام صادرات الحبوب الأوكرانية.

نمو الاقتصاد الأوكراني

من جانبه، يقول معهد الدراسات الأوكراني، "جي أم كى" في كييف، أظهر الاقتصاد الأوكراني مرونة عالية جداً في مواجهة العوامل السلبية. وفي عام 2023، تعافى الاقتصاد الأوكراني بشكل أسرع من المتوقع، بعد اندلاع حرب واسعة النطاق، حيث استؤنف النمو الاقتصادي في أوكرانيا في الربع الثاني. ويقول التقرير تكيفت الأعمال الأوكرانية بسرعة نسبية مع الظروف المعقدة والمتغيرة، وأعادت تشكيل العمليات التجارية، كما أعادت تنظيم الطرق اللوجستية. وعلى الرغم من العديد من العوامل السلبية ودرجة عالية من عدم اليقين، يتوقع المحللون أن ينمو الاقتصاد الأوكراني بنسبة 3-5% في عام 2024، حسب تقرير المعهد.