أسواق المال تستعد لخفض الفائدة بعد طول انتظار

07 ديسمبر 2023
أسواق المال تسعد دائماً بخفض الفائدة (رويترز)
+ الخط -

بعد العديد من الإنذارات الكاذبة، وبينما كان المحللون ينتظرون مزيداً من التراجع في أسعار الأسهم والسندات بسبب الفائدة المرتفعة، وجدت أسواق المال أخيراً ضالتها في طمأنات من المسؤولين والاقتصاديين، الذين رجح أغلبهم وصول دورة رفع الفائدة الأميركية والأوروبية الحالية إلى نهايتها.

ومع إعلان قراره بتثبيت أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية، في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، للاجتماع الثاني على التوالي، أرسل رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول، رسالة للأسواق، مفادها بأنه ربما كان قد انتهى أخيراً من الحملة الأكثر قوة من تشديد السياسة النقدية، في أكثر من أربعة عقود. وأعقب ذلك تدفق مستمر للبيانات التي أظهرت تباطؤ الاقتصاد الأميركي، وهدوء سوق العمل، ما أكد أنّ التضخم ينخفض بوتيرة أسرع من التوقعات السابقة.

أسواق المال تحرّكت سريعاً، ولم تنتظر ثبوت الرؤية، فكانت النتيجة ارتفاعاً حاداً في أسعار السندات، بتراجع العائد عليها في السوق الثانوية، في شهر نوفمبر، الأمر الذي منحها أكبر عوائد شهرية منذ منتصف الثمانينيات، وأمّن إنهاءها العام، على الأرجح، في المنطقة الخضراء.

وخلال الشهر نفسه، ارتفعت الأسهم أيضاً، وسط تكهنات بتوجه البنك الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة العام المقبل، وربما في وقت أقرب مما كانت عليه التوقعات حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي.

وعلى نحو متصل، زادت التوقعات بتحول البنك المركزي الأوروبي أيضاً نحو تيسير السياسة النقدية في القارة العجوز، حيث توقع "دويتشه بنك" تخفيضه الفائدة بواقع 150 نقطة أساس في 2024، وهو ما يزيد 50 نقطة أساس على توقعاته السابقة.

وتوقع البنك الألماني أن يخفض البنك المركزي الأوروبي الفائدة بنسبة 0.5% في اجتماعي إبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران 2024، ومن ثم بنسبة 0.25% في اجتماعي سبتمبر/ أيلول وديسمبر/ كانون الأول.

وشهدت أسواق المال عدة إنذارات كاذبة على مدى العامين الماضيين، حيث انتظر المستثمرون، الذين اعتادوا أسعار الفائدة القريبة من صفر لسنوات، تغيير بنك الاحتياط الفيدرالي مساره عدة مرات، أحصى "دويتشه بنك" ستة منهم، إلا أنه لم يفعل. لكن وكالة بلومبيرغ أشارت في تقرير حديث إلى أنه في جميع أنحاء وول ستريت، هناك ثقة متزايدة بأن التوقعات الأخيرة ستتحقق هذه المرة.

ويقول أنتوني ساجليمبيني، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة Ameriprise Financial، لـ"بلومبيرغ": "ترى السوق الآن مساراً واضحاً لخفض أسعار الفائدة في عام 2024، وبدأت أسعار الأسهم والسندات تعكس تلك الإمكانية لسياسة نقدية أسهل".

أسواق المال تشهد دعماً للمعنويات

وبحسب "بلومبيرغ"، فإنّ هناك دعماً قوياً للتحوّل في معنويات المستثمرين، مشيرة إلى تباطؤ مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي التابع لوزارة التجارة الأميركية، الذي يعد مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياط الفيدرالي، في أكتوبر/ تشرين الأول، وصولاً إلى وتيرة سنوية بلغت 3%، بعد أن بلغ ذروته عند 7.1% في العام الماضي، مقترباً من هدف البنك المركزي البالغ 2%.

وفيما اعتبر العديد من الاقتصاديين تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي أخيراً علامة على تزايد إرهاق الأميركيين بسبب ارتفاع الأسعار، جاء تباطؤ وتيرة نمو الوظائف والأجور خلال الأشهر الأخيرة، ليلقي بمزيد من مياه الإطفاء على نيران التضخم التي بقيت مشتعلة لما يقرب من العامين.

وقال نيل دوتا، مدير الأبحاث الاقتصادية في شركة "رينيسانس ماكرو ريسيرش"، لتلفزيون "بلومبيرغ": "هناك الكثير من الانكماش في المستقبل، فالبيانات تصطف، ونحن نسير الآن على طريق الانزلاق نحو خفض أسعار الفائدة، ربما بحلول شهر مارس/ آذار".

وتحولت أسواق المال نحو هذا الرأي، مدعومة بكلمات من بعض المسؤولين السابقين والحاليين بالبنك الفيدرالي، الذين أشاروا إلى أن البنك المركزي قد رفع أسعار الفائدة بما فيه الكفاية. وبدأ متداولو العقود الآجلة في التسعير على أساس احتمالات قوية بأن يبدأ بنك الاحتياط الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بحلول شهر مارس. وعلى خلفية هذا التوقع، ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 9% تقريبًا في نوفمبر، وحقق مؤشر ناسداك 100، المكتظ بأسهم النمو شديدة التأثر بتوقعات سعر الفائدة، مكاسب أكبر.

ومع ذلك، لا يزال هناك خطر يتمثل بأنّ أسواق المال قد استبقت نفسها مرة أخرى، حيث استمع المستثمرون لما اعتبره البعض تراجعاً لباول عن التوجه إلى خفض أسعار الفائدة مطلع الشهر الجاري، حين قال إن "من السابق لأوانه" التكهن بموعد بدء البنك الفيدرالي في التيسير النقدي، في إشارة إلى أنه ليس في عجلة من أمره لإعلان الانتصار على التضخم.

وفي الوقت الحالي، يراهن المستثمرون على أن العائدات قد بلغت ذروتها بالفعل، مع تراجع عائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات نحو 4%، بعد تجاوزها 5% لفترة قصيرة، خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول. وتقول "بلومبيرغ": "حتى لو سبّبت جولة من البيانات القوية تقليص الانخفاض الأخير، فإنّ كلا السيناريوهين اللذين تجري مناقشتهما في وول ستريت، وهما الهبوط الناعم، مع تباطؤ النمو والتضخم، أو الهبوط الحاد إلى الركود، يعتبران إيجابيين بالنسبة إلى السندات، لأن أياً منهما من المرجح أن يؤدي إلى تخفيضات في أسعار الفائدة.

وخلال الأيام التي مضت من آخر أشهر العام، بدا أن الأسواق تتوقع السيناريو الأكثر اعتدالاً، مع تسعير العقود الآجلة تخفيض البنك سعر الفائدة الرئيسي إلى حوالى 4% بحلول نهاية عام 2024، من نطاقه الحالي المستقر عند 5.25% إلى 5.5%. ومع ذلك، لن يؤدي هذا التخفيض، إن حدث، إلا إلى دفع سعر الفائدة إلى ما كان عليه في أواخر عام 2022. وبالنظر إلى تباطؤ التضخم، يرى المحللون أن ذلك سيكون بمثابة رفع البنك الفيدرالي قدمه عن الفرامل، لكنه لا يصل إلى مرحلة الضغط على دواسة الوقود.

ومع ذلك، يشكك بعض المستثمرين البارزين في تحقق ذلك، حيث يقول مدير صندوق التحوط، بيل أكمان، الذي أنهى رهانه على المكشوف ضد السندات عندما كانت السوق في أدنى مستوياتها، إن الاقتصاد سيكون معرضًا لخطر الانهيار إذا لم يبدأ بنك الاحتياط الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة قريبًا.

المساهمون