الجفاف ومشاكل الفلاحة تهدد الأمن الغذائي في المغرب

الجفاف ومشاكل الفلاحة تهدد الأمن الغذائي في المغرب

26 مايو 2023
يكابد المزارعون المغاربة الأمرّين لإنتاج محاصيل لا يزال دعم الدولة لها متواضعاً (Getty)
+ الخط -

يؤكد خبراء ومزارعون أن الأمن الغذائي في المغرب قد أصبح مهدداً بدرجة عالية بما يعود أساساً إلى سببين رئيسيين: الأول الجفاف الذي يضرب البلاد ويقحل الأراضي، والثاني المشاكل البنيوية التي يعانيها هذا القطاع الحيوي الذي لا يزال محركاً حيوياً لاقتصاد المملكة.

فحصّة القطاع الفلاحي في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 14%، ويعمل فيه أكثر من 40% من السكان، فيما تقدر المساحة المزروعة في المغرب بنحو 8.7 ملايين هكتار، وهي تشكل 25.12% من المساحة الإجمالية للبلد، علما أن المحاصيل الرئيسية هي الحبوب التي تشكل 55% من المساحة المزروعة، إضافة إلى الحمضيات والزيتون والأشجار المثمرة.

حصّة القطاع الفلاحي في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 14%، ويعمل فيه أكثر من 40% من السكان

غير أن القطاع يعتمد بشكل كبير على تساقط الأمطار، خاصة زراعة الحبوب التي لا تغطي احتياجات البلاد لتضطر إلى الاستيراد. ويحتاج المغرب إلى نحو 10 ملايين طن من الحبوب سنويا، وقد زاد استيراده 23.2% على أساس سنوي.

ويشهد المغرب أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاما، ويرى خبراء البيئة أن الجفاف أصبح متواترا، بعد أن كان يحدث مرة كل 5 سنوات. وكلف استيراد القمح اللين العام الماضي فقط أكثر من 25 مليار درهم (نحو 2.4 مليار دولار) أي بزيادة 81%، حسب إحصاءات مكتب الصرف المغربي. (الدولار = 10.2 دراهم).

وأشار تقرير صدر في الآونة الأخيرة عن وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني إلى أن تصنيف المغرب مرهون بضعف مؤشرات التنمية والحوكمة وارتفاع الدين العام، فضلا عن تقلب الناتج الزراعي. وأضاف أن الانتعاش الاقتصادي للمغرب يواجه عوامل غير مؤاتية، إذ تباطأ النمو الاقتصادي عام 2022 إلى 1.2% من 7.9% في 2021، وتراجع الإنتاج الزراعي 15% بسبب الجفاف الشديد.

وتوقعت الوكالة تعافي نمو الناتج المحلي في 2023 إلى 3% مدعوما بتحسن الإنتاج الزراعي، فيما لا يزال أداء القطاع نفسه يعتمد أساسا على الظروف المناخية.

تضخم لا سابق له في المغرب

هذا وتسبب ضعف الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار المواد الأولية المستخدمة في قطاع الفلاحة إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات لم يسبق لها مثيل في الأشهر القليلة الماضية. وبلغ التضخم في نهاية فبراير/شباط الماضي على سبيل المثال 10.1%، نتيجة زيادة أسعار المواد الغذائية بأكثر من 20%.

تباطأ النمو الاقتصادي عام 2022 إلى 1.2% من 7.9% في 2021، وتراجع الإنتاج الزراعي 15%

واتخذت الدولة إجراءات لكبح التضخم الذي طاول أسعار الخضر والفواكه التي يحقق فيها المغرب اكتفاء ذاتيا. ومن بين هذه الإجراءات إعفاء منتجات الأسمدة من الضرائب وإلغاء ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الفلاحية، لخفض النفقات على المزارعين والتقليل من صادرات بعض السلع، لضمان توفرها في السوق، كالطماطم التي ارتفع سعرها خلال شهر رمضان الماضي.

المزارع بوسلهام علو، المتخصص في زراعة البطاطس في ضواحي القنيطرة على بعد 40 كيلومترا شمال الرباط، يقول لـ"رويترز": "نواجه صعوبات جمة، الزيادة في سعر الأدوية المستعملة والأسمدة... المنتج أصبح مكلفا جدا ونضطر لرفع السعر كي لا نبيع بالخسارة".

وعن برامج الدعم الطارئة التي أعلنتها الحكومة لدعم الفلاحين، خاصة لمواجهة مشكلة الجفاف، يقول علو: "لم نحصل على أي دعم ولم أسمع عنه نهائيا"، مضيفا: "كنا نشتري الكيس من الأسمدة بأقل من 200 درهم (نحو 20 دولارا) الآن نشتريه بنحو 430 درهما".

كما قال إن "زراعة هكتار من البطاطس يتطلب من 20 إلى 30 ألف درهم من البذور، ناهيك عن التكاليف الأخرى من أدوية وغيرها".

أقر المغرب في وقت سابق برنامجا للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري للفترة بين 2020 و2027 باستثمارات تبلغ نحو 12 مليار دولار

وكان وزير الفلاحة محمد صديقي قد أعلن، الأسبوع الماضي، أن الحكومة "ستشرع في تنفيذ برنامج لدعم الفلاحين بغلاف مالي 10 مليارات درهم، ويشمل دعم الأعلاف المستوردة المخصصة للمواشي والدواجن، ودعم المواد الأولية الفلاحية المستوردة بغية خفض كلفة إنتاج مجموعة من الخضر والفواكه"، مؤكدا أن الحكومة ستخصص اعتمادات مالية لاستيراد القمح اللين "لضمان التزويد العادي للسوق إلى حدود ديسمبر/كانون الأول المقبل".

وللتقليل من آثار الجفاف، أقر المغرب في وقت سابق برنامجا للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري للفترة بين 2020 و2027 باستثمارات تبلغ نحو 12 مليار دولار. كما يراهن على محطات تحلية مياه البحر، ويسعى لأن تكون لديه 20 محطة بحلول 2030.

دعوات للحد من الاعتماد على القطاع الزراعي المغربي

ويقول المحلل الاقتصادي المغربي بدر زاهر الأزرق، لـ"رويترز"، إن "الارتهان إلى القطاع الفلاحي هو ارتهان إلى اقتصاد هش نوعا ما ومرتبط بالسياقات الدولية والاضطرابات المناخية".

ووضع المغرب في 2008 برنامجا امتد حتى عام 2020، سمي بمخطط "المغرب الأخضر"، بهدف تطوير الإنتاج وجعل القطاع محركا أساسيا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد والحفاظ على الموارد الطبيعية.

الوزير الأول عزيز أخنوش، الذي كان وزيرا للفلاحة في فترة وضع المخطط، سبق أن قال مطلع هذا الشهر، أمام البرلمان، إن المخطط "ساهم في الاستغلال الكامل لإمكانية المغرب الفلاحية، ومضاعفة الناتج الداخلي الخام ليتجاوز سقف 127 مليار درهم في 2021، ومضاعفة الصادرات 3 مرات، مع تمكنه من خلق فرص عمل إضافية بنسبة تشغيل بلغت 75% في الوسط القروي".

جائحة كوفيد والجفاف والتقلبات المناخية جميعها أثرت بشكل مباشر على التوازن في قطاع الفلاحة

وأشار إلى "مخطط الجيل الأخضر" وهو استكمال للمخطط الأول ويمتد من 2021 إلى 2030. ومن أهدافه تطوير محاصيل لا تحتاج للكثير من مياه الري كأشجار الخروب واللوز والزيتون والصبار. لكنه قال إن جائحة كوفيد والجفاف والتقلبات المناخية جميعها أثرت بشكل مباشر على التوازن في قطاع الفلاحة، ما انعكس سلبا على سلسلة إنتاج اللحوم الحمراء والحليب.

واستورد المغرب، في الشهرين الماضيين، نحو 20 ألف رأس ماشية من البرازيل لسد النقص في اللحوم وخفض أسعارها في السوق المحلية. وهو ما دفع المغاربة إلى التساؤل عن أمنهم الغذائي، ورآه البعض مهددا، فيما ربط آخرون الأمر بالأوضاع العالمية والمحلية الصعبة.

الأمن الغذائي المغربي على المحك

وقد أثر ارتفاع الصادرات المغربية في الشهريين الماضيين من الخضر والفاكهة الأساسية إلى أوروبا وأفريقيا على موائد المغاربة، بعد زيادة أسعار تلك المنتجات في السوق بشكل حاد.

وفي السياق، قال رئيس "الفيدرالية المغربية لمنتجي ومصدري الخضر والفواكه" الحسين أضرضور إن "التصدير بتلك الكمية كان ظرفيا بسبب سوء الأحوال الجوية في أوروبا والطقس البارد، وهو ما أثر بشكل خاص على إنتاج الطماطم"، مشيرا أن السوق المغربية الآن تتسم "بالوفرة في الخضر والفواكه".

كما قال إن ظهور بعض "الأمراض في أهم الضيعات الفلاحية المغربية وتأثير الجفاف يرفعان كلفة الإنتاج، ما ينعكس بصفة عامة على الأسعار".

من ناحيته، دعا النائب البرلماني عبد الرحيم شهيد، من الفريق الاشتراكي المعارض، إلى حماية الإنتاج الزراعي وتطويره وإعادة النظر في السياسة الحالية، فيما يراهن المغرب على تحقيق معدل نمو في حدود 4% خلال 2023 مقابل توقعات عند 3% لصندوق النقد الدولي.

ورأى المحلل الاقتصادي بدر زاهر الأزرق أن مخطط المغرب الأخضر نجح في تحقيق أهداف وفشل في أخرى، آملا أن يستفيد مخطط الجيل الأخضر من سلبيات المخطط الأول. وقال لـ"رويترز": "إذا رجعنا إلى المعطيات التي وفرتها المندوبية السامية للتخطيط، هنالك ارتفاع في المساحات المزروعة وتنوع في خريطة المزروعات، وكذلك ارتفاع للقيمة المضافة الفلاحية نتيجة ارتفاع نسبة الصادرات".

وأضاف أن صادرات الخضر والفاكهة تجاوزت 80 مليار درهم، أي أكثر من 8 مليارات دولار. لكنه دعا إلى التوجه إلى الصناعات الغذائية والتحويلية بدلا من التركيز على التصدير الخام للإنتاج الزراعي، مردفا أن "الصناعة الغذائية تمكننا من تدبير الفائض وتخزينه لسنوات وتصديره بقيمة مرتفعة، وهذا قد يعود بفائدة أكبر على القطاع الفلاحي المغربي".

(رويترز)

المساهمون