الركود يهدد الاقتصاد الصيني... البنوك تخفض النمو وأسواق العالم قلقة

الركود يهدد الاقتصاد الصيني... البنوك الكبرى تخفض النمو المتوقع وأسواق العالم قلقة

18 اغسطس 2023
أطفال يلهون أمام مشروع طورته إيفرغراند (ناويل سيليس/فرانس برس)
+ الخط -

زادت الضغوط على الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والمهدد بالركود. ففي الوقت الذي زاد فيه عدد المؤسسات العالمية الكبرى المتوقعة حدوث تراجع ملحوظ في معدل نمو الاقتصاد الصيني ودخوله مرحلة الركود، وهو ما يؤثر سلبا على اقتصاد العالم، استيقظ الصينيون على صدمة بتخلف شركة "جونجرونغ إنترناشونال تراست" للائتمان غير المصرفي عن سداد مديونيات مستحقة عليها، مع زيادة المخاوف داخل قطاع العقارات.

ومع هذا التعثر استعاد الصينيون ذكريات تعثر عملاق العقارات، شركة إيفرغراند، والتي تتجاوز مديونياتها 300 مليار دولار وواجهت تعثرا في سداد بعض الأقساط المستحقة.
وفي أسواق المال العالمية تراجعت أسعار الأسهم في البورصات الكبرى، ومنها الأوروبية واليابانية، حيث تأثرت معنويات المستثمرين في آسيا بالمخاوف حيال تعثر التعافي الاقتصادي في الصين واحتمالات رفع أسعار الفائدة الأميركية.

تأثرت معنويات المستثمرين في آسيا بالمخاوف حيال تعثر التعافي الاقتصادي في الصين واحتمالات رفع أسعار الفائدة الأميركية

وفي المقابل، بلغت عائدات سندات الخزانة الأميركية القياسية لأجل 10 سنوات أعلى مستوياتها منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022 عند 4.3120 بالمئة، أمس الخميس، وسط توقعات بأن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول بعد سلسلة من البيانات أكدت قوة الاقتصاد الأميركي مقابل تباطؤ الاقتصاد الصيني.
وفي إشارة لافتة، دعا الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى التحلي بالصبر في خطاب نُشر في مجلة رسمية بالتزامن مع محاولة الحزب الشيوعي الحاكم التصدي للركود الاقتصادي المتفاقم، فيما تواجه الأسواق العالمية تحديات متصاعدة نتيجة التباطؤ الصيني. 

وتزايدت حدة الضغوط داخل الأسواق المالية الصينية أخيراً، بعد صدور عدد من المؤشرات الاقتصادية السلبية، وتجدد المخاوف بشأن القطاع العقاري، وظهور بوادر أزمة قطاع الائتمان غير المصرفي، بينما يطالب المستثمرون الحكومة بتطبيق مزيد من السياسات التوسعية.

وفي الوقت الذي تتفاقم فيه أزمات العقارات، انكمش القطاع الاستهلاكي الصيني خلال شهر يوليو/ تموز بالتزامن مع تراجع أسعار المنتجات الصناعية، وسط محاولات ثاني أكبر اقتصاد في العالم إنعاش الطلب، وفشل العديد من السياسات الحكومية في دعم الاقتصاد.

عالميا، قالت شركة "بيمكو" الأميركية العملاقة لإدارة الأصول، يوم الأربعاء، إن الضغوط الانكماشية التي يواجهها الاقتصاد الصيني قد تمتد إلى الأسواق العالمية، الأمر الذي يساعد البنوك المركزية للدول الغربية في خطط خفض معدلات التضخم، خاصة الدول المعتمدة على السلع الصينية.

وقالت المديرة الإدارية لدى "بيمكو" تيفاني ويلدنج، في مذكرة، إن تباطؤ الاقتصاد الصيني من شأنه خفض معدل التضخم في الداخل، وبالتالي تراجع معدلات التضخم في الأسواق المعتمدة على المنتجات الصينية.

انكماش الاقتصاد الصيني يمتد لأسواق الدول المتقدمة
وتابعت ويلدنج قائلة إن الانكماش المتواصل للاقتصاد الصيني قد تمتد آثاره لأسواق الدول المتقدمة، بسبب تراجع أسعار السلع الصينية في الخارج، وارتفاع نسب المخزونات إلى المبيعات، مؤكدة أن انتقال الآثار الانكماشية إلى الأسواق الاستهلاكية العالمية سيتسارع خلال الفترة المقبلة.
على مستوى توقعات معدلات نمو الصين في الشهور المقبلة انضم مصرف مورغان ستانلي الاستثماري العملاق إلى مجموعة من البنوك وشركات الوساطة الكبرى حول العالم في تخفيض توقعات نمو الاقتصاد الصيني لهذا العام بعد سلسلة من البيانات المخيبة للآمال ومخاوف بشأن قطاع العقارات المتعثر هناك.

انضم مصرف مورغان ستانلي الاستثماري إلى مجموعة من البنوك وشركات الوساطة الكبرى حول العالم في تخفيض توقعات نمو الاقتصاد الصيني

ووفق مذكرة أصدرها البنك الأميركي، الأربعاء، فإنه يتوقع حاليا نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين 4.7 بالمئة هذا العام انخفاضا من توقعه السابق أن يبلغ النمو 5 بالمئة، كما خفض توقعه لنمو الناتج الإجمالي المحلي لعام 2024 إلى 4.2 بالمئة من 4.5 بالمئة.
وقال خبراء اقتصاد في مذكرة مورغان ستانلي إن تخفيض توقعات النمو جاء بسبب عوامل منها التنبؤ بتباطؤ حاد في الإنفاق الرأسمالي ومشكلات قطاع العقارات، وهو ما ستكون له تبعات على الاستهلاك.

سبق خفض مورغان ستانلي مباشرة خفض آخر من العملاق الأميركي مصرف جي بي مورغان لتوقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين للعام الجاري إلى 4.8 بالمئة من 5 بالمئة، بينما خفض بنك باركليز البريطاني النسبة إلى 4.5 بالمئة، وهو ما يقل عن النمو المستهدف للاقتصاد من قبل الحكومة الصينية هذا العام والبالغ نحو 5 بالمئة.

وفي وقت سابق خفضت مؤسسة "أوكسفورد إيكونومكس" للبحوث الاقتصادية توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى أقل من 5.1% بنهاية العام الجاري، نتيجة تراجع معدلات التجارة، والطلب على القروض، وأزمة السوق العقاري، وارتفاع درجة المخاطرة.

ويعاني قطاع العقارات الصيني من نقص حاد في السيولة النقدية منذ نهاية 2021 عندما انهارت مجموعة إيفرغراند العقارية العملاقة وتسبب انهيارها في سلسلة من حالات العجز عن سداد الديون. كما انخفض الاستثمار العقاري في الصين 8.5 بالمئة في الأشهر السبعة الأولى عن الفترة ذاتها من العام السابق.
وأظهرت بيانات رسمية، الثلاثاء، أن مبيعات العقارات حسب المساحة تراجعت 6.5 بالمئة في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/ تموز مقارنة بالعام السابق، وسط طلب لا يزال ضعيفا وأزمة ديون متفاقمة. وتراجعت عمليات البناء الجديدة 24.5 بالمئة حتى يوليو على أساس سنوي.

وتفاقمت أزمة ديون العقارات في الصين وسط غياب الدعم السياسي القوي، وهو ما زاد من مشاكل التعافي الاقتصادي المتعثر.

وتأتي الأرقام المعلنة عقب صدور مجموعة بيانات قاتمة في الأسبوع الماضي بما في ذلك أرقام التجارة وأسعار المستهلكين المخيبة للآمال وانخفاض نمو الائتمان على نحو قياسي. وتزيد هذه البيانات الضعيفة الحاجة الملحة لمزيد من تدابير الدعم الحكومي.

تفاقمت أزمة ديون العقارات في الصين وسط غياب الدعم السياسي القوي، وهو ما زاد من مشاكل التعافي الاقتصادي المتعثر

وخفضت الصين على نحو غير متوقع أسعار الفائدة الرئيسية للمرة الثانية في ثلاثة أشهر، يوم الثلاثاء، فيما نما الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة في يوليو/ تموز دون التوقعات، وهو ما يشير إلى ضرورة تكثيف صانعي السياسة تدابير الدعم لتعزيز الانتعاش المتعثر.
وقال بنك الشعب الصيني إنه خفض سعر الفائدة على قروض قيمتها 401 مليار يوان (55.25 مليار دولار)، ضمن تسهيل إقراض متوسط الأجل مدته عام واحد لبعض المؤسسات المالية 15 نقطة أساس إلى 2.50 بالمئة من 2.65 سابقا.
وكان بنك الشعب الصيني قد خفض أسعار الفائدة في يونيو/ حزيران لدعم الاقتصاد، لكن البيانات تأتي ضعيفة بشكل متزايد منذ ذلك الحين.

السلطات الصينية قلقة
ويبدو أن تلك التوقعات الضعيفة للاقتصاد الصيني أثارت قلق صانع القرار في البلاد، فقد دعا الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى التحلي بالصبر.

ونُشرت كلمة شي في مجلة "كيوشي"، أكثر المجلات النظرية موثوقية لدى الحزب، بعد ساعات من صدور بيانات يوم الثلاثاء، والتي أظهرت ضعف نشاط المستهلكين والمصانع الصينية في يوليو/ تموز الماضي على الرغم من الوعود الرسمية بدعم رواد الأعمال المتعثرين.

ووفق أحدث الأرقام، فقد تراجع النمو الاقتصادي الصيني إلى 0.8 بالمائة في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو/ حزيران الماضي مقارنة بالشهر السابق، بانخفاض من نسبة 2.2 بالمائة المسجلة في الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى مارس/ آذار.
وطلب شي، أقوى زعيم يقود الصين منذ عقود، من سكان البلاد "بناء أيديولوجية اشتراكية ذات تماسك قوي، والتركيز على الأهداف طويلة الأمد لتحسين قطاعات التعليم والرعاية الصحية والإمدادات الغذائية لـ1.4 مليار صيني بدلا من السعي فقط وراء الثروة المادية"، بحسب ما أوردت وكالة "رويترز" أمس الخميس.

ودعا شي، منذ توليه السلطة في عام 2012، إلى استعادة دور الحزب الحاكم الريادي في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي. كما شدد الزعيم الصيني السيطرة على قطاع الأعمال والمجتمع منذ وصوله إلى الحكم.

تأتي بعض التغييرات المكلفة بشكل متزايد مع الضغوط الممارسة على الشركات الصينية الناجحة لتحويل مسارها. وشدد الحزب سيطرته على الصناعات التكنولوجية من خلال إطلاق إجراءات أمنية تستهدف البيانات ومكافحة الاحتكار، وهو ما قضى على مليارات الدولارات من قيمة هذه الشركات في البورصة.
وقال شي في الخطاب المكتوب: "يجب علينا التحلي بالصبر، والإصرار على إحراز تقدم مطرد خطوة بخطوة".
خلصت دراسة استقصائية في يونيو/ حزيران الماضي إلى أن البطالة بين عمال المدن - الذين تراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما - ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 21.3 بالمائة. وذكر مكتب الإحصاء الصيني هذا الأسبوع أنه سيحجب التحديثات أثناء تنقيح قياساته.
كما وسعت الحكومة قواعد مكافحة التجسس، وشددت الضوابط على المعلومات، وهو ما قلل معرفة الشركات الأجنبية والخاصة بشأن الأنشطة التي قد يسمح بها.

تخلفت شركة "جونجرونغ إنترناشونال تراست" الصينية للائتمان غير المصرفي عن سداد ديون مستحقة عليها

وفي مؤشر آخر إلى زيادة القلاقل المتعلقة بالاقتصاد الصيني، تخلفت شركة "جونجرونغ إنترناشونال تراست" الصينية للائتمان غير المصرفي، الأربعاء، عن سداد مدفوعات عشرات من منتجاتها الائتمانية، دون وجود خطة عاجلة لسداد مستحقات العملاء، في إشارة لامتداد آثار أزمة السوق العقاري للقطاعات المالية الأخرى.
وأثار ذلك غضب واحتجاج بعض عملاء الشركة بالعاصمة بكين والتي تعد بين أكبر "بنوك الظل الصينية"، ويأتي بعد تعثر كبرى مؤسسات الائتمان غير المصرفي في الصين، وفق ما نقلته وكالة "بلومبيرغ" الأربعاء.

ويقصد ببنوك الظل مؤسسات الإقراض والوسطاء وغيرهم من وسطاء الائتمان الذين يعملون خارج نطاق البنوك التقليدية المنظمة، مثل صناديق التحوط، وصناديق الأسهم الخاصة، ومقرضي الرهن العقاري.
وقال وانج كوانج، عضو مجلس إدارة شركة "جونجرونغ" التابعة لمجموعة "جونجرونغ إنتربرايز"، خلال اجتماع مع عدد من العملاء يوم 8 أغسطس الجاري، إن شركته تخلفت عن سداد مستحقات عدد من منتجاتها المالية.
وأضاف كوانج خلال الاجتماع، أن هذا التخلف عن السداد يضاف إلى نحو 10 دفعات من المستحقات الأخرى منذ أواخر شهر يوليو، وأن الشركة لا تمتلك أي خطط عاجلة لسداد تلك المستحقات نتيجة نفاد موارد السيولة قصيرة الأجل.

المساهمون