الصومال وكينيا: تقارب يتوّج باستئناف العلاقات التجارية بين البلدين

الصومال وكينيا: تقارب يتوّج باستئناف العلاقات التجارية بين البلدين

16 يوليو 2022
خلال لقاء الرئيسين في نيروبي (موقع رئاسة الصومال)
+ الخط -

أصدر كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والرئيس الكيني أهورو كنياتا بياناً صحافياً مشتركاً تضمن بنوداً تجارية وأمنية لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وجاء ذلك خلال زيارة الرئيس الصومالي إلى كينيا تلبية لدعوة رسمية من نظيره الكيني قبل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي سيجرى في كينيا في 9 من أغسطس/ آب المقبل. 

وتضمن البيان الصحافي الذي نشرته وسائل إعلام كينية وصومالية عدة بنود أهمها استئناف العلاقات التجارية بين البلدين، بما فيها تصدير نبتة القات إلى الصومال، وفي المقابل، تصدر مقديشو أطناناً من الأسماك إلى نيروبي، إضافة إلى استئناف الخطوط الكينية رحلاتها الجوية إلى مقديشو، وتسهيل إجراءات حصول المواطنين الصوماليين على التأشيرة الكينية وفي غضون عشرة أيام.

ونص البيان أيضاً على ضرورة تكثيف الجهود المشتركة بين الجانبين لمكافحة حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة، لضمان أمن وسلامة مواطني الدولتين، وفتح الحدود البرية بين البلدين لغرض مرور التجارة التي تنتقل عبر الحدود بين مقديشو ونيروبي. 

ويأتي هذا التقارب بين البلدين بعد توترات دبلوماسية بين الجانبين نتيجة النزاع البحري حول أحقية مساحات بحرية تضم حقولاً نفطية والتي أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً يمنح الصومال أحقية أكثرية تلك المنطقة المتنازعة عليها بين الحدود البحرية بين الدولتين عام 2021، وانطلاقاً من رؤية السياسة الخارجية الصومالية لإجراء مصالحة داخلية وخارجية بهدف فرض استقرار سياسي وأمني لإنعاش الاقتصاد الصومالي بعد ركود دام ثلاثة عقود. 

حجم التجارة

وكانت العلاقات التجارية بين كينيا والصومال سجلت نمواً ملحوظاً منذ 2012 وحتى عام 2020، لكن العلاقات المتدهورة بين البلدين والتي بلغت ذروتها العامين الأخيرين قوَّضت الحركة التجارية بين مقديشو ونيروبي. حيث كانت تبلغ قيمة صادرات كينيا إلى الصومال إلى أكثر من 110 ملايين دولار، أي ما يقدر بـ5 في المائة من إجمالي صادراتها إلى البلدان الأفريقية، وفقًا لبيانات حكومية.

كما تظهر الأرقام أن الواردات من الصومال بلغت 905 آلاف دولار فقط العام الماضي. وكان هناك انطباع سائد في الصومال بأن كينيا هي الرابح الأكبر في تطبيع العلاقات الاقتصادية مجدداً بين الدولتين.

وتشمل الصادرات الرئيسية الكينية إلى الصومال كلاً من التبغ والشاي والتوابل والمنتجات الصيدلانية والقات. وكان مطار ادم عدي الدولي يستقبل أكثر من 15 رحلة شحن مليئة بنبتة القات إلى العاصمة الصومالية مقديشو كل يوم من كينيا.

وتكسب كينيا ما لا يقل عن 400 ألف دولار في اليوم من قيمة الصادرات، ما يعني أن الصومال شريك تجاري رئيسي لكينيا. وكانت الحكومة الكينية تعهدت لمزارعي القات بحل المشكلة لكن المفاوضات بشأن ذلك انتهت بالفشل سابقاً.
وفي هذا السياق، يقول محمد فاتلي الصحافي الكيني في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الشراكة التجارية بين كينيا والصومال تعد خطوة مهمة تساهم دوراً كبيراً في إحياء علاقات اقتصادية مستدامة بين البلدين؛ حيث انتظرت كينيا بفارغ الصبر الاستحقاق الرئاسي في الصومال على أمل ولادة نظام سياسي جديد يمكن أن تتفاوض معه.

ويضيف محمد أن انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود في الصومال في مايو/ أيار الماضي أعاد الأمل في إمكانية إعادة تطبيع العلاقات مع كينيا وتحسين العلاقات مع نيروبي.  ويشير قائلاً إلى أن بيتر مونيا وزير الزراعة في الحكومة الكينية أعلن في 10 يونيو/ حزيران الماضي أن مقديشو وافقت على استئناف تصدير نبتة القات إلى الصومال، وشكّل هذا القرار ارتياحاً كبيراً في الأوساط السياسية في كينيا، وخاصة الرئيس الكيني أهورو كنياتا الذي يترك الحكم بعد أغسطس/ آب المقبل. 

تنفيذ الاتفاقات

ويوضح فاتلي أن استئناف تجارة القات مع مقديشو يعيد الأمل لمزارعي وتجار نبتة القات في كينيا ويعد هذا انتصاراً بالنسبة للحزب الحاكم الذي يأمل العودة إلى الرئاسة من جديد، بهدف جلب أصوات جديدة لمرشح الحزب، خاصة من أصحاب الشركات الصغيرة والمزارع التي تشكل تجارة القات جزءاً كبيراً في نشاطهم الاقتصادي.

كما أن مقاطعة ميرو (الموطن الأصلي للقات الكيني) تعد معقل الحزب الحاكم في البلاد، والتي تتأثر دوماً بأي خلاف مع الجانب الصومالي، فتوقف تجارتها، يحول هذه المقاطعة شوكة في خاصرة الحكومة التي تعتمد على أصوات السكان المحليين في الانتخابات.

ويبغ الإنتاج السنوي للأسماك في كينيا 400 ألف طن، بينما يصل الطلب السنوي على السمك إلى نحو 600 ألف طن، بالإضافة إلى أن هذا العجز الكبير في الإنتاج، يبلغ مستوى استهلاك الأسماك للفرد الكيني في السنة 4 كيلو غرامات فقط. ورغم ما تمتلكه كينيا من مناطق بحرية شاسعة، فإن المنتجات السمكية الصومالية ستسجل ارتفاعاً كبيراً، إذ صدّرت إنتاجها السمكي إلى نيروبي، وهي خطوة من شأنها أن تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الصومالي وتنمية الثروة السمكية فيها.

وحول آلية تنفيذ تلك البنود التي توصل إليها الطرفان، يشكك البعض حول تحديد سقف زمني والاستجابة السريعة لمتطلبات الجانب الصومالي لتصدير السمك من الصومال إلى كينيا. ووفق مصادر مقربة من الرئاسة الصومالية، فإن وفداً كينياً وصومالياً سيبحث الشهر المقبل آلية تنفيذ البنود التي توصل إليها الجانبان ضمن اجتماع للمجلس التنسيقي المشترك بين البلدين في العاصمة مقديشو.

ويرى الباحث السوداني عبد القادر كاوير المقيم في نيروبي في حديث لـ"العربي الجديد" أن عودة العلاقات الثنائية بين مقديشو ونيروبي خصوصًا في الشقين التجاري وفي مجال فتح الحدود البرية المغلقة منذ 10 سنوات، تطور مهم وجديد، وربما كانت العلاقات الدبلوماسية والتجارية فعلا تحتاج لمثل هذه الخطوة، مشيرًا إلى أن رجال الأعمال من البلدين سيكونون الأكثر ارتياحاً، واستعداداً لبدء نشاطهم التجاري، بعد تسهيل عملية السفر والتجارة عبر الحدود والجو.

ويشير عبدالقادر إلى أن اللجنة المشتركة للتعاون بين البلدين، للنظر في العلاقات الدبلوماسية سيكون أمامها مهمة إعادة العلاقات التجارية لكنها ستواجه معضلة قضية التحكيم في النزاع البحري الذي حكمت فيه محكمة العدل الدولية لصالح الصومال ورفضته كينيا.

المساهمون