العدوان على غزة يفرمل التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل وشركائها

العدوان على غزة يفرمل التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل وشركائها

09 مايو 2024
نتنياهو مع أول سفير إماراتي بتل أبيب محمد محمود الخاجة، 2 مارس 2021 (كوبي جدعون/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الولايات المتحدة وحلفاؤها سعوا لتحقيق التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، مما أدى إلى تعزيز العلاقات الثنائية والأعمال، خصوصًا مع دول الخليج في عهد ترامب.
- الأعمال العدوانية لإسرائيل، بما في ذلك عملية "طوفان الأقصى"، أثرت سلبًا على علاقاتها مع دول وكيانات إقليمية، مثل تركيا والإمارات، مما يعكس تأثير سياساتها على مكانتها الاقتصادية.
- تقرير "رويترز" يشير إلى أن العدوان على غزة أثر سلبًا على النشاط التجاري والسياحة بين إسرائيل والإمارات، مما يعرض مساعي التطبيع الاقتصادي والدبلوماسي لتحديات كبيرة.

رغم مساعي التطبيع الاقتصادي الحثيثة المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها على مدى عقود، ظل الإسرائيلي يعاني من عقدة عدم القبول الشعبي وتمنّع عدد من الحكومات عن التعامل معه بصورة مباشرة وغير مباشرة، سراً أو علانية. وقد حقق فعلاً قفزات نوعية على هذا الصعيد، كان أحدثها حفلة التطبيع الاقتصادي وغيره مع بعض دول الخليج في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والتي أدت إلى ازدهار الأعمال الثنائية بعد سلسلة صفقات واتفاقات شملت العديد من القطاعات، وتُرجمت اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً وأمنياً، وكل ذلك في إطار مشروع أوسع لشرق أوسط جديد تكون مركزيته إسرائيل، وهو مشروع قديم جديد ودائم.

غير أن الأعمال العدوانية الشنيعة التي يمارسها الاحتلال منذ ما بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدا أنها جرفت الإسرائيليين إلى مكان مناقض تماماً لا ينسجم ما يخطط له الغرب على هذا الصعيد. فها هي دول وكيانات إقليمية وعربية ممن بُنيت معها أواصر علاقات اقتصادية وتجارية ودبلوماسية على مدى عشرات السنين قد بدأت تنفك، على الأقل، عن حكومة بنيامين نتنياهو التي ترتكب المجازر بلا هوادة بحق الفلسطينيين، نساءً وأطفالاً وشيوخاً، انتقاماً من الفعل المقاوم الذي تبقى له الكلمة الأخيرة أكان في الميدان أم على طاولة المفاوضات التي يسعى الإسرائيلي من خلال العدوان على رفح والسيطرة على معبرها أن يحسّن شروط الهدنة المزمعة التي لم يجد مفراً منها وإن باختلاف الشروط بين هذه النسخة أو تلك بوساطة قطرية مصرية.

وهذا جزء من ثمن تدفعه إسرائيل الطامحة لتكون مركز الأعمال والمال والتجارة في الشرق الأوسط. فها هي تركيا تُفاجئ العالم بقطع علاقاتها المباشرة مع تل أبيب، مع أن هذه العلاقات لم تنتكس يوماً رغم كل المطبّات التي مرّ بها التاريخ المشترك بين البلدين، فيما مساعي المقاطعة ومعاقبة الاحتلال تتمدّد يوماً بعد آخر إلى بلدان أوروبية وأميركية وآسيوية قطعت علاقاتها أو جمّدتها.

ولئن كان قطع تركيا علاقاتها مع إسرائيل أثر مباشر على مركزيتها ومحوريتها الاقتصادية في المنطقة، فإن للحرب على غزة أثرها الواضح في تجميد اندفاعة التطبيع الاقتصادي مع دول الخليج، والأبرز في هذا المجال الإمارات التي باتت مترددة في دعم لا محدود لاحتلال يعمل على إبادة الفلسطينيين وقتلهم وتهجيرهم منذ أكثر من سبعة أشهر.

وفي السياق، جاء تقرير موسّع لوكالة "رويترز" يوم الأربعاء، سلطت فيه الضوء على ما أدى إليه العدوان من إبطاء للنشاط التجاري الإسرائيلي مع الإمارات التي أصبحت أبرز دولة عربية منذ 30 عاماً تقيم علاقات رسمية مع تل أبيب بموجب "اتفاقيات أبراهام" Abraham Accords بوساطة أميركية عام 2020، وحافظت على العلاقة طوال الحرب الإسرائيلية على غزة.

ففي أعقاب توقيع الاتفاقيات، بدأ رجال الأعمال الإسرائيليون يتدفقون إلى الدولة الخليجية في رحلات جوية مباشرة من تل أبيب، وأقاموا علاقات تجارية جديدة ووسّعوا العلاقات القائمة التي كانت في السابق سرّية، بعدما شملت الصفقات المعلنة آنذاك استثمارات في الأمن السيبراني والتكنولوجيا المالية والطاقة والتكنولوجيا الزراعية.

وفي هذا الصدد، نقلت "رويترز" عن 10 مسؤولين ومديرين تنفيذيين ورجال أعمال إسرائيليين قولهم إن العلاقات التجارية مع الدولة الخليجية ذات النفوذ لا تزال سليمة، لكنهم رفضوا مناقشة إقامة أي صفقات جديدة، في علامة واضحة على مدى تأثير الحرب على غزة. ومن هؤلاء رجل الأعمال اليهودي الألماني رافائيل ناجل الذي يعيش في الإمارات ويرأس مجموعة أعمال خاصة تعمل على تعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين، والذي قال: "لا يزال التطبيع الاقتصادي يحدث. إنه يحدث بشكل أقل".

كما قال ستة مصرفيين ومحامين في الإمارات إن العلاقات التجارية بين شركات البلدين تحمّلت الحرب، لكن لم يتم إبرام سوى القليل من الصفقات الجديدة، مشيرين إلى أن حكومة الإمارات كانت حذرة بشأن تعزيز العلاقات مع تل أبيب. وفي الوقت نفسه، في إسرائيل، استُدعي موظفون في العديد من الشركات للخدمة العسكرية، بما أثر سلباً على عملياتها وتوسّعها. وفي غضون ذلك، لم يرد مسؤول إماراتي بشكل مباشر على أسئلة "رويترز" بشأن مدى تأثر العلاقات الاقتصادية بالحرب، لكنه، مع ذلك، قال إن الحوار الدبلوماسي والسياسي سهّل الجهود الإنسانية لمساعدة سكان غزة.

تجدر الإشارة إلى أن الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تستضيف سفيراً إسرائيلياً. وقد استدعت تل أبيب دبلوماسييها من دول عربية أخرى لها علاقات معها في أعقاب "طوفان الأقصى"، في حين لم ترد وزارة الخارجية الإسرائيلية على طلب مقدم من "رويترز" للتعليق على تفاصيل الموقف. وبعد إقامة علاقات دبلوماسية رسمية عام 2020، سرّعت إسرائيل والإمارات بناء شراكة اقتصادية وثيقة، على عكس اتفاقيات السلام المستمرة منذ عقود مع مصر والأردن والتي فشلت في إقامة علاقات تجارية مهمة، علماً أنه تم توقيع اتفاق تجاري بينهما عام 2022.

وفي العام الماضي وحده، نمت التجارة 17% مسجلة 2.95 مليار دولار، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي الذي قال إنه رغم التباطؤ في أعقاب الحرب، ظلت التجارة أعلى بنسبة 7% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2024.

وقد لجمت الحرب على غزّة جماح التطبيع العلني، لدرجة أن السياح الإسرائيليين الذين أصبحوا زواراً متكررين للإمارات، لم يعودوا يملأون فنادق دبي ومطاعمها، رغم أن الإسرائيليين يقولون إنهم ما زالوا يشعرون بالأمان، فيما يمكن رؤية الناس في شوارع دبي يرتدون الرموز المرتبطة بالقومية الفلسطينية، مثل الكوفية. ويقول لرويترز رجل الأعمال اليهودي بروس غورفين: "لقد أصبحت الأمور أكثر سرية، ويوم 7 أكتوبر له علاقة كبيرة بالأمر".