المخاطر الجيوسياسية وزمن عض الأنامل

14 مايو 2024
العالم يواجه مخاطر وكوارث طبيعية متزايدة (وكيل كوهسار/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في النسخة الرابعة لمنتدى الدوحة الاقتصادي، تم التأكيد على أن العالم يعيش في "زمن المخاطر العالية"، مع تركيز على المخاطر الجيوسياسية كأكبر تهديد للاقتصاد العالمي، متجاوزة التضخم والتحديات الاقتصادية الأخرى.
- رئيس البنك الدولي، أجاي بانجا، حذر من تداعيات المخاطر الجيوسياسية على التنمية الاقتصادية، مشيرًا إلى الحروب والنزاعات كعوامل تعزز من الضبابية واللايقين في الأسواق العالمية.
- الحكومات والبنوك المركزية تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع المخاطر الجيوسياسية المتنامية، مما يخلق حالة من الضبابية ويعرقل التدفقات الاستثمارية، مع التأكيد على الحاجة الملحة للاستقرار السياسي والأمني لدعم الاقتصادات العالمية.

"إنه زمن المخاطر العالية لا ريب"، كانت هذه هي أكبر كلمة جرى تداولها، اليوم الثلاثاء، على لسان المشاركين في النسخة الرابعة لمنتدى الدوحة الاقتصادي الذي تنظمه وكالة بلومبيرغ الأميركية بالعاصمة القطرية لمدة 3 أيام، ويشارك فيه العديد من رؤساء الدول والحكومات، ووزراء المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة، ورؤساء كبريات المؤسسات المالية والشركات العالمية.

فالعالم عرف في السنوات الأخيرة كل أنواع المخاطر المعروفة والتقليدية والحديثة، مثلاً عرف المخاطر الصحية الناتجة عن تفشي جائحة كورونا، وما تبعها من انهيارات في الأنشطة الاقتصادية، وتهاوي الموارد المالية حول العالم، وعرف المخاطر الاقتصادية الناتجة عن التضخم وغلاء أسعار السلع الأساسية والمواد الخام والوقود، وتعقّد سلاسل التوريد وتباطؤ أنشطة التجارة الدولية، وتفشي أزمات الركود والكساد، وإفلاس الشركات، والجفاف والتغيرات المناخية.

وعرف المخاطر المالية الناتجة عن تطبيق البنوك المركزية سياسة التشدد النقدي، وسحب السيولة النقدية من الأسواق، وإحداث قفزات في أسعار الفائدة، للحيلولة دون تفشي التضخم الجامح، وتهاوي العملات والتعثر المالي.

لكن العالم بات الآن غارقاً فيما هو أخطر، المخاطر الجيوسياسية المتنامية التي نشاهدها في صورة حروب وإبادة جماعية ونزاعات وتوترات واضطرابات وتظاهرات وتهجير جماعي وجوع وانتعاش صناعة السلاح، مخاطر ليست قاصرة على رقعة محددة من الأرض، بل تبدأ من حرب غزة واضطرابات الشرق الأوسط، وتوترات البحر الأحمر، واستمرار حرب أوكرانيا، ولا تنتهي عند احتمال اندلاع بؤر توتر جديدة حول العالم، وربما حروب نووية.

وبعد أن كان العالم ينظر، حتى وقت قريب، إلى التضخم على أنه أكبر تحدّ للاقتصاد العالمي، بل أكبر مصدر قلق للاقتصادات والأسواق والمستهلكين، بات الآن ينظر إلى العوامل الجيوسياسية على أنها أكبر خطر يواجه ذلك الاقتصاد، وهو ما أكده أيضاً رئيس البنك الدولي، أجاي بانجا، التي حذر قبل أسابيع من تداعيات الحرب في قطاع غزة، واعتبارها يمكن أن تشكل ضربة كبيرة للتنمية الاقتصادية في العالم.

وإذا كانت الحكومات والبنوك المركزية والأسواق المالية وكبار المستثمرين حول العالم لديهم القدرة على التعاطي مع المخاطر الاقتصادية والمالية، ووضع سيناريوهات قابلة للتطبيق للتعامل معها، عبر أدوات علم الاقتصاد المختلفة، فإنه يبدو عاجزاً عن التعاطي مع تداعيات المخاطر الجيوسياسية.

فمخاطر التضخم يمكن احتواؤها عبر تفعيل آليات السياسة النقدية، ومنها سحب السيولة النقدية من الأسواق، وربما تجفيفها، ورفع سعر الفائدة، كذا يمكن التعامل مع المخاطر المالية والتجارية ومخاطر الأسواق وتذبذب العملات والحروب التجارية وغيرها.

أما المخاطر الجيوسياسية المتفاقمة فإن المستثمر قلق ويبدو عاجزاً تجاه التفاعل والتعامل معها، لأن أوراق الحل ليست بيده، بل بيد آخرين يخوضون حرباً شرسة قد لا يكون لها علاقة بأمور السياسة والاقتصاد وحالة الناس المعيشية، وقد تتغير المعادلات على الأرض من وقت لآخر، وهذا القلق أمر يمكن ملاحظته في مداخلات المشاركين بمنتدى الدوحة الاقتصادي.

المخاطر السياسية باتت ضاغطة على الجميع، وتخلق حالة من الضبابية واللايقين أمام الحكومات والمستثمرين، وتعزز مخاوف الأسواق، وتعرقل التدفقات الاستثمارية وخيارات المستثمرين، وتضع الجميع أمام خيار عض الأنامل، في إشارة إلى زيادة منسوب التوتر والقلق.

فالتوسّع الاستثماري، وضخ سيولة جديدة في أسواق الدول، وإقامة مشروعات جديدة ومصانع بحاجة إلى استقرار سياسي وأمني ملموس على الأرض، وكبح التضخم والغلاء ودعم استقرار أسواق الصرف والعملات بحاجة إلى تخفيف حدة التوتر داخل الدولة، وجذب استثمارات أجنبية طازجة من الخارج بحاجة ملحة إلى استقرار أمني حقيقي وليس هشاً.

موقف
التحديثات الحية

وفي ظل استمرار حربي غزة وأوكرانيا، واحتمالية عودة التوتر بين إيران وإسرائيل، أو التوتر بين إيران والولايات المتحدة في حال عودة دونالد ترامب للحكم، أو واشنطن وبكين أو واشنطن وموسكو، فإن الاقتصادات العالمية تظل قلقة، ومعها المستثمرين والمؤسسات المالية.

العالم بحاجة إلى استقرار سياسي حقيقي، يسهّل من حركة انسياب الأموال وتدفق الاستثمارات من دولة لأخرى، ويدعم تحرّك رؤوس الأموال من سوق لأخرى بسلاسة، ولا يخشى المستثمر على أمواله وحياته وأمنه الشخصي، ولا تخشى الدول على اقتصاداتها وعملتها. وهذا لا يتحقق في ظل المخاطر الجيوسياسية التي تتسع رقعتها يوم بعد يوم.

المساهمون