تركيا تكتشف احتياطياً ضخماً من العناصر الأرضية

تركيا تكتشف احتياطياً ضخماً من العناصر الأرضية

10 اغسطس 2022
منجم معادن نادرة في الصين (getty)
+ الخط -

بعد عقود من البحث والاستكشاف أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العثور على كنز ثمين من احتياطيات العناصر الأرضية في منطقة إسكى شهير بيليكوفا الواقعة في وسط إقليم الأناضول، مؤكدا وجود 10 من أصل 17 عنصرا أرضيا نادرا معروفا في العالم بحجم احتياطي يبلغ 694 مليون طن، ليحتل الاحتياطي التركي المركز الثاني في العالم بعد الصين التي تمتلك أكبر احتياطي للكهرباء الأرضية في العالم بنحو 800 مليون طن.

وأعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أن المحطة التجريبية سيصل إنتاجها إلى 570 ألف طن من طاقة معالجة الخام بعد الأعمال الأولى، وأنهم بصدد إنشاء مؤسسة إنتاج تعالج 1200 طن من الخام سنويًا، لترتفع الكميات المعالجة بعد ذلك إلى 10 آلاف طن من العناصر الأرضية النادرة و72 ألف طن من الباريت و70 ألف طن من الفلوريت و250 ألف طن من الثوريوم سنويًا.

بالطبع فإن الاكتشافات بعدما تستخرج وتعالج هذه العناصر الأرضية النادرة، فإنها ستساهم بمليارات الدولارات في الاقتصاد التركي الذي يعد فقيرا من حيث الثروات المعدنية والبترولية إلى حد كبير، بل وتشكل فاتورة استيراد الطاقة عبئا كبيرا يفاقم من عجز ميزان تركيا التجاري وتراجع عملتها المحلية، كما أن الإنتاج التجاري لتلك المعادن سيساهم أيضاً في خلق فرص عمل جادة للشباب، بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لتلك المعادن التي تعد معادن المستقبل لمرحلة ما بعد الوقود الأحفوري والتي شارفت على الانتهاء.

 

ماهية المعادن الأرضية وأهميتها

المعادن الأرضية هي خامات معدنية توجد على شكل تكتلات من معدن واحد ضمن الشقوق والفجوات الصخرية، أو تتشكل منها الصخور المختلفة التي تقوم بتشكيل القشرة الأرضية.

تمتلك تلك المعادن إمكانية إرسال شحنات كهربائية عند تعرضها لأي نوع من القوى الخارجية الفيزيائية، مثلا معادن التورمالين والهيميورفيت والسكويتيت تصبح مشحونة كهربائياً عندما تتعرض لاختلاف في درجات الحرارة، وتعرف هذه الخاصية باسم الكهرباء النارية أو باسم الكهرباء الحرارية، فعندما يكون معدن التورمالين في مكان مفتوح ويتعرض إلى ارتفاع في درجة الحرارة بسبب الضوء الطبيعي أو الصناعي سيصبح مشحوناً كهربائياً، ما يسمح لذرات الغبار والمواد الأخرى بأن تلتصق على أسطحه البلورية.

وتوجد خاصية أخرى للبعض منها تعرف بخاصية الكهرباء الإجهادية وتعني الضغط على الشيء، مثلا معدن الكوارتز عندما يتعرض لمجال كهربائي فإنه سوف ينضغط أو ينبسط، وفي حال كان التيار ذا مجال كهربائي متذبذب فإنه سوف يتسبب في تذبذب بلورات الكوارتز بالدرجة ذاتها.

أما عن الأهمية الاقتصادية للمعادن الأرضية فقد أضحى من المستحيل أن يكون لدينا أحد المنتجات التكنولوجية دون استخدام مثل هذه المعادن، فهي تُستخدم في كل شيء، بدءاً من الصواريخ مروراً بتوربينات الرياح، والأجهزة الطبية، والأدوات الكهربائية، والهواتف المحمولة، وصولاً إلى محركات السيارات الهجينة والكهربائية.

وبذلك فان هذا الاكتشاف سيساعد تركيا في العديد من القطاعات المهمة كمواد خام، مثل: بطاريات المركبات الهجينة، وأنظمة تخزين الطاقة، وزجاج التلسكوب والكاميرا، ونظارات الرؤية الليلية، والنظارات والعدسات الخاصة، وفي المرحلة النهائية من الاكتشاف التركي، سيتم الحصول على المغناطيس وأكسيد الثوريوم كمنتجات نهائية.

وسيتم استخدام المغناطيس في جراحة العيون، وإنتاج أشعة الليزر الخضراء عالية الطاقة بالأشعة تحت الحمراء، وأجهزة قياس المسافة، ومنتجات مثل الزجاج ونظارات اللحام. كما سيتم استخدام أكسيد الثوريوم كمنتج نهائي في محركات السيارات الهجينة ومنتجات الزجاج والسيراميك وكابلات الألياف الضوئية والمنتجات عالية القيمة، مثل شاشات التلفزيون والنظارات الموفرة للطاقة.

السؤال: هل ينهي الاكتشاف التركي السيطرة الصينية على المعادن الأرضية؟

من الطبيعي أن تكون العديد من المناطق في العالم قادرة على اكتشاف احتياطيات من هذه المعادن النادرة، إلا أنه من الصعوبة أن تكتشف احتياطيات بكميات عالية، والأكثر صعوبة أن تتوافر القدرة على استخراج هذه المعادن وتطويرها وتوسيع استخداماتها، وذلك ما حصر السيطرة والتنافس عليها فقط بين الدول الكبرى حول العالم: الصين وأميركا وأوروبا.

وعلي الرغم من ذلك، فان الصين تعتبر المهيمن على تلك المعادن عالميا، فهي المنتج والمصدر الأكبر لها، إذ يُقدر حجم إنتاجها بنحو 140 ألف طن، بنسبة 58% من الإنتاج العالمي المُقدر بنحو 240 ألف طن، فضلاً عن امتلاكها احتياطياً يُقدر بنحو 80 مليون طن من إجمالي الاحتياطي العالمي المُقدر بنحو 120 مليون طن طبقاً لتقديرات عام 2020، أي قبل الاكتشاف التركي.

ويزيد من الهيمنة الصينية على السوق العالمي للمعادن الأرضية التقارب الجغرافي والعقائدي بينها وبين ميانمار التي تحتوي على نصف الخامات الأرضية النادرة في العالم، ويتم تصدير ثروتها المعدنية النادرة الثقيلة إلى الصين، علاوة على توجه الصين لاستيراد هذه النوعية من المعادن من ماليزيا وفيتنام ولاوس وكمبوديا، وذلك في إطار محاولات بكين للسيطرة الكاملة على سلاسل الإمداد والتوريد لتلك المعادن الهامة.

ورغم امتلاك الصين للاحتياطي الأكبر في العالم ونفوذها لدى العديد من كبار الدول المنتجة إلا أنه من الواضح أن الاكتشاف التركي أزعج بكين، ولعل ذلك يتجلى في مسارعة صحيفة "غلوبال تايمز" التي يديرها الحزب الشيوعي الحاكم للنقل عن مصادر مطلعة في الصناعة قولها إن "الصين ستحافظ على تقدمها التكنولوجي والصناعي في صناعة المعادن الأرضية النادرة العالمية في المستقبل"، مضيفةً أن "اكتشاف احتياطي معادن أرضية نادرة في تركيا لن يكون له تأثير واضح على مكانة الصين العالمية".

لكن من المؤكد أن الاكتشاف التركي سينقل نسبة لا يستهان بها من الهيمنة الصينية على مستقبل الصناعة الأوروبية المعتمدة على تلك المعادن إلى تركيا وربما ستكتفي الصين بتأمين احتياجاتها المحلية فقط.

 

هنا، الدور الواجب للاستثمارات العربية في تركيا؟

تمر الدول النفطية العربية بفترة رواج كبيرة هذه الأيام كنتيجة للارتفاعات الكبيرة والمستمرة لأسعار النفط والغاز، وهو الأمر الذي عوض فترة انخفاض الأسعار الممتدة منذ عام 2014، ومن المتوقع ليس فقط معاودة تراجع الأسعار، لكن أيضا تسارع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والاستغناء عن البترول، الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي في فبراير/ شباط 2020 لتوقع إفلاس دول الخليج بحلول عام 2034، أي لم يتبق إلا 12 عاما فقط كمهلة تتخلص فيه تلك الدول من الاعتماد الحاد على صادراتها النفطية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ومن هنا يبرز دور الاستثمارات العربية في تركيا وفي تلك المعادن المكتشفة على وجه الخصوص، فطبقا لسيمون موريس، المدير التنفيذي لشركة "بنشمارك مينرال إنتليجنس"، "فهناك فرق كبير بين الموارد والاحتياطيات القابلة للاستخدام، فعملية الاستثمار ستتكلف مليارات الدولارات لجعل عملية الإنتاج على نطاق واسع حقيقة واقعة"، مشيرا إلى أن تركيا تعيش لحظة سعيدة إلا أنه لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه. وبهذا يمكن التأكيد على أن الاكتشاف التركي يحتاج إلى استثمارات ضخمة لبناء مصانع، وهي عملية معقدة ومكلفة للغاية.

ومن المرجح أن المشاركة العربية التركية في الاستثمار في المعادن الأرضية يمكن أن تشكل لحظة فارقة للطرفين، العربي والتركي، لتدعيم موقعيهما الاستراتيجي في عصر ما بعد البترول، ليس فقط بسبب تنامي الطلب الأميركي والأوروبي عليها بصورة كبيرة، ولكن أيضا في إطار توفير مستلزمات إنتاج ضرورية لعصر الثورة الصناعية الرابعة والتي تعتمد منتجاتها كليا على هذه العناصر.

المساهمون