توقعات أكثر غموضاً لمستقبل الاقتصاد السوداني

توقعات أكثر غموضاً لمستقبل الاقتصاد السوداني

06 نوفمبر 2021
الخلافات السياسية تزج مصالح المواطنين في أتون صراعات عميقة عصيّة على الحل (فرانس برس)
+ الخط -

ينتظر الاقتصاد السوداني واقعٌ جديدٌ وربما متغيرات كلية تعيد البلد المأزوم اقتصاديا إلى مربّع غير محسوب العواقب، خاصة بعد التحولات السياسية الأخيرة التي استولت بنتيجتها المؤسسة العسكرية على مقاليد الحكم.

وهذا ما حدا باقتصاديين إلى رسم صورة قاتمة مطالبين في تصريحات خاصة بـ"العربي الجديد" الجهات المتنازعة إلى مراعاة مصلحة المواطن وعدم زج معيشة الناس في الصراع السياسي.

الاقتصادي محمد الجاك يرى أن السياسات التي تبنتها السلطات في الآونة الأخيرة كانت "صادمة"، لا سيما لناحية رفع الدعم وتعويم الجنيه، وهي سياسة "سليمة"، برأيه، "لكن النجاحات لا تكون في يوم وليلة، ولذلك اصطدمت بالمطالبات اليومية".

واعتبر أنها "وضعت الاقتصاد على المسار الصحيح، وهذا أمر مرتبط بالانفتاح على الأسواق العالمية، كما أنها ساهمت في انتعاش جزئي في الثروة الحيوانية وقطاعات فرعية مثل الزراعة، إضافة إلى المعونات الخارجية الموجهة لنشاطات تنموية وإن كانت آثارها مباشرة أو غير مباشرة، خاصة الدعم في مجال البنيات الأساسية والتي تعتبر أساسية لسياسات تبنتها الدولة".

ومع ذلك، يشير الخبير الاقتصادي إلى "آثارها السلبية التي استدعت دعم الفئات الضعيفة بقدر المستطاع، إلى أن تدخل المجتمع الدولي وشارك في برنامج ثمرات لدعم الأسر الفقيرة. وبرزت الآن مشكلة الجانب العسكري الذي ظل متمسكا بألا يكون بعيدا من القرارات السياسية، وهذه تعتبر مشكلة مزمنة لتدخله في أشياء لا تخصه".

وأضاف أنه "إذا أصر الجيش على السيطرة على العمل السياسي والتنفيذي، وهو أمر مرفوض، فالتفسير الوحيد هو انقلاب".

"هزّات عنيفة"

أما الخبير الاقتصادي عبدالله الرمادي فيقول إن "الاقتصاد السوداني خضع لهزات عنيفة جدا غير مسبوقة، ورغم ذلك، لولا أنه قائم يتمتع بإمكانات ضخمة لكان قد انهار منذ زمن طويل، لكنه بقوته ما زال يقاوم حتى الآن"، مطالبا بأن "يتم رفع الدعم على مراحل، لأنه ليس من العدالة في حق المواطن أن ترفع الدعم عنه كليا في سلع أساسية ومشتقات النفط على هذا النحو تزامنا مع رفع الدولار الجمركي إلى أرقام كبيرة".

وحذر الرمادي من أن "الوضع أصبح قاتما، وكل ما تم هو جريمة في حق المواطن، وكأنما هناك شيء يُدبّر"، معتبرا أن "الاقتصاد بلغ مرحلة عصيبة أبرز ملامحها الركود التضخمي، قبل انتقاله إلى مرحلة الكساد، بسبب ضعف الرواتب، بما يعني تأكّل القوة الشرائية للعملة، بحيث تجاوز التضخم 400% خلال سنة، نتيجة رفع الدعم، ليفقد الجنيه نحو 80% من قيمته"، ما وضع فئات واسعة من المواطنين تحت خط الفقر وتصل نسبتها إلى حوالى 90% من الشعب".

ويصف الرمادي الوضع بأنه "أقرب إلى مرحلة الانهيار التام، أو ما يُعرف بالانسداد الاقتصادي"، مستغربا كيف يتحدث السياسيون عن تحسن الأحوال مستشهدين بتقلص عجز ميزان المدفوعات "رغم أن البلد فقد الموسم الزراعي الشتوي والصيفي العام الماضي جراء أخطاء عدة أولها فضيحة السماد".

ويضيف الخبير: "أنا لست من المتشائمين لأن اقتصادنا لديه إمكانات متينة، لكننا نمر بظروف عصيبة، وكل ما يحدث الآن مفروض علينا، حتى أن صندوق النقد والبنك الدوليين يبديان حرصا على تطبيق البرامج المطروحة، وفتحا مكاتب للحرص على أن ينهار الاقتصاد إلى هذه الدرجة، وهذا ليس دليل عافية".

وأعرب عن أمله في أن تراعي الحكومة الوطنية استثمار الطاقات وتعزيز الإنتاجية المتدنية كي يتعافى الاقتصاد، لأن الإمكانات موجودة، وما التهافت على السودان في هذه المرحلة إلا لأنه غني بالثروات، فهنالك معادن نادرة بما فيها اليورانيوم، وهي ثروات لو استُغلت سيكون البلد الأفريقي الهش هذا من النمور الأفريقية، لكن ينبغي أن تُعطى الأولوية للإجراءات السليمة، بعدما أُغلق أكثر من 85% من المصانع وشُرّد عمالها، ما يقتضي الكف عن الهتاف والبحث عن كيفية بلوغ بر الأمان، فيما الاقتصاد يستمر في النزيف إما عن طريق التهريب لكل السلع أو عبر السياسات الخاطئة المتبعة".

ويؤكد الرمادي أن الاضطراب السياسي يستتبعه إرباك اقتصادي، مشيرا إلى أنه "في الفترة الأخيرة، كاد الاستثمار أن يتوقف تماما مع هروب الرساميل السودانية إلى دول أُخرى، وهذه ظاهرة بالغة الضرر بالاقتصاد".

ودعا السياسيين إلى إيلاء الاهتمام لأولوية إيجاد مناخ مؤات يضمن استقرارا سياسيا، لأن الأسس الموجودة تتطلب سياسات واضحة لا تقوّضها الصراعات".

وقال إن الصراع الحالي غير مقبول لأنه يؤدي إلى "فشل اقتصادي مهما كانت إمكانات الدولة هائلة"، معتبرا أنه "ينبغي النأي بالاقتصاد الوطني ومعيشة الناس عن الصراعات السياسية التي لا تنتج إلا الخسارة الكبيرة للوطن وسكانه".

المساهمون