تونس تفعّل آليات التبليغ عن الحالات الاحتكارية

تونس تفعّل آليات التبليغ عن الحالات الاحتكارية

29 ابريل 2024
مواطنون يتسوقون في منطقة السوق المركزية، مارس 2024 (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مجلس المنافسة التونسي يدعو للإبلاغ عن المخالفات القانونية لمكافحة الاحتكار وتعزيز فرص النفاذ للمستثمرين الصغار، ضمن جهود تشجيع المنافسة الحرة وإعادة تنظيم السوق.
- تقرير أوكسفام يكشف تركز الثروة بين 10% من الأثرياء في تونس، مع التأكيد على الحاجة لإصلاحات جبائية لتعزيز العدالة الاجتماعية وضرورة استقلالية مجلس المنافسة.
- التقرير الأممي يشير إلى تحسن بيئة الأعمال بتونس وجهود الإصلاح المؤيدة للمنافسة، لكن يبرز الحاجة لإجراءات جذرية لمواجهة هيمنة المجموعات العائلية الكبرى وتحقيق منافسة نزيهة.

دعا أخيراً مجلس المنافسة التونسي للتبليغ عن المخالفات القانونية في مجال المنافسة التي تؤدي إلى هيمنة مؤسسات وشركات دون غيرها على السوق، وترفع الممارسات الريعية والاحتكارية. وتأتي الدعوة تزامناً مع دعوات لإعادة تنظيم السوق وفسح المجال أمام صغار المستثمرين للنفاذ بشكل أوسع داخل المنظومة الاقتصادية التي تهيمن عليها مجموعات كبرى.

وضبط مجلس المنافسة حزمة المخالفات المشمولة بالتبليغ، ومن بينها عرقلة تحديد الأسعار والحد من دخول مؤسسات أخرى للسوق أو الحد من المنافسة الحرة وتقاسم الأسواق أو مراكز التموين. وتشمل هذه المخالفات أيضاً الاستغلال المفرط لمركز هيمنة على السوق، أو فرض أسعار دنيا لإعادة البيع.

وقال مجلس المنافسة في بيان أصدره في الغرض إن الغاية من هذه الإجراءات "مجابهة الاحتكار والممارسات غير المشروعة في مجال المعاملات". والتوزيع العادل للثروة بين التونسيين محل اهتمام كبير لمنظمات تونسية وأجنبية حيث طالما انتقدت المنظمات التي اشتغلت على هذا الملف احتكار فئة قليلة من التونسيين للثروة وتحكّم العائلات الاقتصادية بالسوق، التي تستفيد من ضعف آليات مراقبة المنافسة، ما سبّب إقصـاءً للمؤسسـات الصغيرة وعدم تمكينـها من الموارد والقروض الماليـة حتى تكبـر.

ووفق دراسة لمكتب منظمة أوكسفام في تونس تحت عنوان "العدالة الجبائية، لقاح ضد التقشف" صدرت عام 2022، فإن 10% من الأثرياء يتحكمون بأكثر من 40% من الدخل الوطني التونسي، مشيرة إلى أن النظام الجبائي (الضريبي) يُعاقب الفئات المتوسطة والفقيرة عبر أشكال جباية مُجحفة، بينما تُحرَم الدولة إيرادات مهمة بغضّ الطرف عن الأثرياء.

ويقول رئيس منظمة آلارت (المختصة في مكافحة الريع) لؤي الشابي، إن الحالة التونسية لا تحتاج إلى قنوات تبليغ عن الريع أو الممارسات الاحتكارية، مؤكداً أن هذا المخالفات الاقتصادية واضحة ويمكن رصدها وتقصّيها بسهولة. وأكد الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الدول التي نجحت في مكافحة الريع اعتمدت على أجهزة نافذة في تنفيذ القرارات التي تتخذ ضد المخالفين، وهي أجهزة غير متوافرة في تونس. وتابع رئيس منظمة آلارت: "تحتاج السوق التونسية إلى ضابطة عدلية يوكل إليها تنفيذ الأحكام التي تصدر عن مجلس المنافسة ضد المؤسسات الريعية والمحتكرة".

ويرى الشابي أن مجلس المنافسة التونسي، الذي لا يتمتع بالاستقلالية، لا يمكنه أن يكون أداة فاعلة في تنظيم السوق، مقلّلاً من أهمية تفعيل آليات التبليغ ما لم تكن مصحوبة بآليات تنفيذ العقوبات ضد المخالفين. ويرى أن وزارة التجارة التي ترأس مجلس المنافسة، هي التي تحمي الممارسات الريعية والاحتكارية، ما يفسر عجز السلطات عن تفكيكها، باعتبار أن المؤسسات التي تُعَدّ في وضع هيمنة على السوق تستفيد من الامتيازات التي توفرها لها السلطة.

ونهاية العام الماضي، قال تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) حول "الأطر التشريعية لبيئة الأعمال في البلدان العربية" إن بيئة الأعمال في تونس تطورت، وصيدها العام المعتمد من قبل المنظمة الأممية، في هذا المجال، تحسن بشكل واضح بالنسبة من 2.93 نقطة في 2020 إلى 4.18 نقاط في 2023.

وأكد التقرير أن تونس تعمل حالياً على تعزيز الإصلاحات المؤيدة للمنافسة، فقد نشط مجلس المنافسة في أداء مهامه، وفقاً للتقرير، واضطلع بالعديد من الأنشطة في مختلف القطاعات، بما في ذلك الصحة والمصارف والاتصالات.

وفي تصريح لصحيفة لوموند الفرنسية في أغسطس/ آب 2019، قال سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، باتريس برغاميني، إن "لوبيات اقتصادية عائلية" تعرقل المنافسة الحرة في الاقتصاد التونسي.

ويرى وزير التشغيل السابق، فوزي عبد الرحمن، أنّ "اقتصاد الريع ارتبط بالسلطة السياسية، ومحاربته تستوجب استقلالية القرار، وهذا يستدعي إعادة النظر في زوايا عدة تتعلق بالخطوات القانونية والإجرائية". ويقول عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" إن "اقتصاد الريع لا يشجع المنافسة النزيهة والحرة، بل يحتكر القطاعات المربحة من قبل عدد قليل من الفاعلين الذين يتمتعون بوضعية كارتل".

تاريخياً، يعود ظهور المجموعات العائلية القوية في تونس إلى سبعينيات القرن الماضي، بفضل التشجيعات السخية للدولة التونسية، وقد سمحت بخلق طبقة من رجال الأعمال والمستثمرين في القطاعات الصناعية والسياحية، أصبحوا لاحقاً في مواقع شبه احتكارية في بعض القطاعات، بحسب خبراء الاقتصاد.

ومنذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 تعاقبت 13 حكومة على الحكم في تونس، لكنّها لم تنجح جميعاً في تحقيق الانتقال الاقتصادي المنشود، بل ظلّ الاقتصاد رخواً، وتواصل ضعف النمو، وهيمنة المجموعات الكبرى على السوق.

وعام 2020 أعلن رئيس الوزراء حينها، إلياس الفخفاخ، أن حكومته تنوي إزاحة كل العراقيل أمام المؤسسات الصغيرة، وفتح سوق المنافسة على مصراعيه، منتقداً انحياز مجلس المنافسة إلى الشركات الكبرى والتغاضي عن تجاوزاتها، غير أنّ حكومته لم تصمد طويلاً، وسرعان ما أُعلنَت إقالتها في العام ذاته.

المساهمون