خفايا الدعم الأميركي للكيان الصهيوني

خفايا الدعم الأميركي للكيان الصهيوني

19 فبراير 2024
أميركا ثدمت مساعدات إلى إسرائيل تصل إلى 260 مليار دولار منذ عام 1948 (فرانس برس)
+ الخط -

منذ اللحظة الأولى التي شنَّت فيها إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، ضاربة عرض الحائط بالقوانين والأعراف الدولية ومواثيق حقوق الانسان كافة، ثارت العديد من التساؤلات عن أسباب الدعم الأميركي اللامحدود للكيان الصهيوني، وآخرها موافقة مجلس الشيوخ الأميركي قبل أيام على مشروع قانون لتقديم مساعدات لإسرائيل بقيمة 14 مليار دولار.

كذلك وافق مجلس النواب في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على طلب إدارة جو بايدن بتخصيص 14.3 مليار دولار مساعدات لدولة الاحتلال.

لكن عند التعمُّق في الأمور الخفيَّة التي طاب لبلاد العمّ السام أن تبعدها عن نطاق معرفتنا، يصبح الاستغراب تجاه ذلك الدعم الأميركي ضرباً من السذاجة المفرطة والرأي الفطير.

في الواقع، يُحكِم اليهود قبضتهم على المال والسياسة في الولايات المتَّحدة. فلنبدأ أوّلاً بالمال، وتحديداً بمجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" الذي لا يتحكَّم بأميركا فحسب، بل بالعالم أجمع، فبمقدور قراراته قلب موازين العالم، والدليل سعر الفائدة على الدولار.

تأسس البنك المركزي الأميركي في عام 1913 على يد ثلاث عائلات يهودية، روتشيلد وروكفلر ومورغان، وأغلب رؤسائه يهود، أمثال بول فولكر (1979-1987)، وآلان غرينسبان (1987-2006)، وبن شالوم برنانكي (2006-2014)، وجانيت يلين (2014-2018).

وقتها تسرَّبت أخبار تفيد بتخلُّص جون بيربونت مورغان من رجال الأعمال الأثرياء الثلاثة، بنجامين غوغنهايم وإيزيدور شتراوس وجون جاكوب آستور الرابع، الذين أصرُّوا على استخدام نفوذهم وثرائهم لمنع إنشاء الاحتياطي الفيدرالي الذي سيضُرّ بمصالحهم من خلال دعوتهم لأوّل رحلة بالسفينة الجديدة الأسطورة "تيتانيك" التي رُوِّج لها على أنّها السفينة التي لا تغرق من قبل الشركة التي صنعتها "وايت ستار لاين"، والتي يملكها اليهودي جون بيربونت مورغان نفسه.

وبالفعل، لقي الأثرياء الثلاثة حتفهم في قعر المحيط بعد غرق السفينة في عام 1912 بفعل قنبلة وليس بسبب الاصطدام بالجبل الجليدي كما تردد، وبعد وفاتهم بسنة واحدة أُنشئ الاحتياطي الفيدرالي. وبعد سنة أخرى أُشعِلَت الحرب العالمية الأولى "1914-1918"، وهو الغرض الذي ساهم من أجله مورغان في إنشاء المجلس الاحتياطي.

يقول الكاتب الأميركي يوستاس مولينز في كتابه الشهير "مؤامرة الاحتياطي الفيدرالي" The Federal Reserve Conspiracy إنّ الشعب الأميركي تحمَّل عبء ديون بمئات المليارات من الدولارات، لأنّه سمح ببساطة لحفنة من اليهود بالسيطرة على النظام النقدي الأميركي الذي تمَّت هندسته على يد ثلاثة مهندسين: بول واربورغ، الألماني اليهودي الذي صاغ قانون الاحتياطي الفيدرالي، وإيمانويل غولدنفايزر، اليهودي الروسي الذي أشرف على تفاصيل عمليات الاحتياطي الفيدرالي خلال العقود الثلاثة الأولى من عمره، وهاري ديكستر وايت، ابن العائلة اليهودية الليتوانية الذي أنشأ صندوق النقد الدولي، وهذا ما جعل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، من وجهة نظر مولينز، شركة خاصّة يملكها اليهود، وليس البنك المركزي للبنوك المركزية في العالم.

نمرّ بعد ذلك للنفوذ اليهودي القوي في قطاع المال والمصارف الأميركي وأسواق "وول ستريت"، وكذا في عالم السياسة الأبرز، وتحديداً في وزارة الخارجية الأميركية التي سيطر عليها اليهود أمثال أنتوني بلينكن، وهو ثالث يهودي يتولَّى منصب وزير الخارجية بعد هنري كيسنجر ومادلين أولبرايت.

ونظراً لطول قائمة اليهود الذين تسلَّقوا المناصب العليا في الولايات المتَّحدة خلال العقود الماضية، سنسلِّط الضوء على أولئك الذين يشغلون مناصب عليا وحسّاسة في إدارة بايدن الحالية مثل، أليخاندرو مايوركاس، وزير الأمن الداخلي الذي صوَّت مجلس النواب الأميركي على عزله في 13 فبراير/ شباط، وإبريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية، وديفيد كوهين، نائب مدير وكالة المخابرات المركزية، وآن نويبرغر، نائبة مستشار الأمن القومي لشؤون الأمن السيبراني والتكنولوجيا الناشئة، وإدوارد سيسكيل، مستشار البيت الأبيض، وويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية، وميريك غارلاند، المدعي العام الأميركي، وجوناثان كانتر، مساعد المدعي العام في وزارة العدل الأميركية، وآرون كياك، نائب المبعوث لمراقبة ومكافحة معاداة السامية، ووميرا ريزنيك، نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن الإقليمي في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية. وهناك 18 سفيراً يهودياً للولايات المتَّحدة في مختلف دول العالم.

إضافة إلى ذلك، يضمّ الكونغرس الحالي 33 مشرِّعاً يهودياً مقابل 3 أعضاء مسلمين فقط، حيث يشكِّل اليهود 6 في المائة من أعضاء الكونغرس، وهي نسبة أكبر ممّا يشكِّلونه من عامة السكان في الولايات المتَّحدة (2 في المائة)، بحسب مركز بيو للأبحاث الأميركي.

هذه نبذة بسيطة عن مدى تغلغل اليهود في دوائر صنع القرار الأميركي، الأمر الذي يفسِّر الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل في حربها على غزة، فلم تتردَّد الولايات المتَّحدة في إنشاء قطار جوِّيّ وبحريّ لإرسال أحدث الأسلحة والصواريخ والطائرات للكيان الصهيوني، ومنحته الضوء الأخضر للاستمرار في حرب الإبادة الجماعية، واستخدمت حقّ النقض "الفيتو" لمنع تمرير مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، معلنة بذلك انحيازها المفضوح لدولة الاحتلال الصهيوني، وانكشف على إثر ذلك وجهها القبيح الذي كانت تُخفيه بقيم الحرية والديمقراطية والعدل والسلام.

أفادت المؤسّسة البحثية الأميركية Data for Progress بأنّ 61 في المائة من الناخبين الأميركيين يؤيِّدون الوقف الدائم لإطلاق النار في غزة، وسبق للاستطلاع الذي أجرته وكالة "رويترز" في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن كشف أنّ 68 في المائة من الناخبين الأميركيين يؤيِّدون وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

والأمر الذي يفسِّر عدم تلبية الولايات المتَّحدة لرغبة أغلب الناخبين فيها، عدم الجرأة على الخروج عن طوع اللوبي اليهودي المتحكِّم فيها والذي يدعم بشكل لا لبس فيه زيادة المساعدات الأميركية لإسرائيل والتي وصلت بدورها إلى 3.8 مليارات دولار في عام 2023 وحده، وقُدِّرت إجمالاً بـ 260 مليار دولار منذ عام 1946، بحسب تقرير أصدرته خدمة أبحاث الكونغرس Congressional Research Service في بداية مارس/ آذار 2023.

خلاصة القول، لم تعد أسطوانة أميركا المشروخة تنطلي على أحد، وبات واضحاً للجميع أنّ قوّة اللوبي اليهودي في الولايات المتَّحدة هي التي تضمن استمرار التزام هذه الأخيرة تجاه حليفتها إسرائيل، وتذلِّل كل الصعاب أمام تجسيد مشروع برنارد لويس، المستشرق اليهودي البريطاني الأميركي، الذي رسم خريطة تفتِّت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب على أساس عرقي ومذهبي وطائفي بدقّة متناهية من أجل ضمان التفوُّق المطلق للكيان الصهيوني لنصف قرن على الأقلّ.

المساهمون