شركات تجنيد المرتزقة والجنود المأجورون سوق بمليارات الدولارات

خصخصة الحروب... شركات تجنيد المرتزقة والجنود المأجورون سوق بمليارات الدولارات

12 يونيو 2023
تنشط شركات المرتزقة في أوكرانيا وسورية وليبيا (Getty) (Getty)
+ الخط -

تستغل شركات عسكرية خاصة عابرة للحدود الأزمات التي يعيشها العديد من الدول حاليا لدخول سوق الموت مقابل مليارات الدولارات، تدفع لها ولمرتزقتها الذين تجندهم من بقاع مختلفة من العالم.

ومن العراق إلى ليبيا، مرورا بسورية واليمن، وصولا إلى أوكرانيا، تنشط عدة شركات عسكرية خاصة أميركية وروسية سيئة السمعة، لحساب دول وجيوش تسعى لتخفيض النفقات العسكرية والخسائر البشرية وتجنب الإحراج الدبلوماسي والمساءلة القانونية، خاصة عند وقوع جرائم حرب تسعى هذه الدول للتملص منها عبر تحميل الشركات الخاصة مسؤولية القتال المنفلت والذي يخالف الأعراف والقانون الدولي.

ويعمل لدى هذه الشركات مرتزقة وجنود مأجورون، وتستغل تلك الشركات ملايين الشباب حول العالم، خاصة من المناطق الفقيرة، سواء أفريقيا أو أميركا اللاتينية، وأحيانا المنطقة العربية، للانخراط في عملياتها العسكرية والأمنية القذرة.

ولعل أشهر تلك الشركات، التي لمع نجمها على مدار أكثر من عام، شركة فاغنر الروسية، التي تمكنت من تحقيق عدة انتصارات لصالح روسيا حتى الآن داخل أوكرانيا، وكانت أشهر معاركها معركة "باخموت" التي أسقطتها وسلمتها للقوات الروسية الشهر الماضي.

كذلك تنشط شركة "فاغنر" في المنطقة العربية بعد أفول نجم "بلاك ووتر" الأميركية عقب تورط منتسبيها في جرائم قتل بحق مدنيين.

كما تنشط عدة شركات عسكرية خاصة لها فروع وامتدادات في العديد من الدول وبأسماء مختلفة، بالإضافة إلى شركات أمنية محلية ودولية يقدر عددها بالمئات، ويختلف نشاطها عن الشركات العسكرية في طبيعة المهام.

وبينما تقوم الشركات العسكرية بمهام قتالية وتجنيد مرتزقة ودعم جيوش ومليشيات مسلحة على الأرض، فإن الشركات الأمنية الخاصة التي تعتمد على مرتزقة وعسكرين سابقين تركز على حماية الشخصيات والمنشآت والتدريب والاستشارة الأمنية والاستخبارات والحرب السيبرانية (الإلكترونية)، وقد تتداخل مهام الشركات العسكرية مع الأمنية وتتكامل أحيانا.

وقدرت وزارة الخارجية الفرنسية قيمة عائدات شركات الأمن الخاصة بنحو 400 مليار دولار في العام 2020، ومؤخرا أُعلن عن تقدير لمجموع أرباح مثل هذه الشركات في المنطقة العربية بنحو 45 مليار دولار خلال الفترة من العام 2011 وحتى 2014.

ومن أشهر الشركات العسكرية التي تجند مرتزقة للقتال في بؤر التوتر العربية شركتان خاصتان، "بلاك ووتر" الأميركية و"فاغنر" الروسية.

و"بلاك ووتر" شركة سيئة السمعة، تورطت في جرائم قتل بحق مدنيين عراقيين، وأدين 4 من أفرادها بالسجن بين المؤبد و30 سنة، لقتلهم 14 مدنيا عراقيا، بينهم طفلان، في بغداد عام 2007، في مجزرة أثارت غضبا دوليا من استخدام المرتزقة في الحروب. لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أصدر عفوا عن عناصر بلاك ووتر الأربعة، ما أثار استياء عراقيا ودوليا.

وبرز اسم بلاك ووتر مع احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وحصول الشركة على عقود أمنية في البلاد.

وتأسست الشركة قبل نحو ربع قرن وفقا للقوانين الأميركية على يد إريك برنس، الضابط السابق في مشاة البحرية "المارينز". وتعتمد الشركة على مرتزقة من المتقاعدين والقوات الخاصة من مختلف أنحاء العالم مقابل تعويضات مالية مجزية، وتقدم خدماتها العسكرية والأمنية للحكومات والأفراد بعد موافقة الإدارة الأميركية.

وتمثل فاغنر إحدى أشهر الشركات العسكرية التي تنشط في المنطقة العربية، وبدأ نشاط فاغنر في المنطقة انطلاقا من سورية منذ 2014، حيث تشرف على شركتين أمنيتين تتمثلان في "صائدي داعش"، و"سند للحراسة والخدمات الأمنية".

وعلى مدار أكثر من عام، شاركت فاغنر في الحرب الروسية الأوكرانية، ولم يكن سرا ما حققته الشركة سيئة السمعة على أرض المعركة، حيث تغلبت في كثير من الأحيان على القوات الأوكرانية وكبدتها خسائر بشرية ضخمة، فضلا عن تقدمها في الأراضي الأوكرانية والسيطرة على مناطق بأكملها وتسليمها للقوات الروسية.

وفرضت واشنطن عقوبات على يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة فاغنر الملقب بطباخ بوتين، كما أدرجت الشركة نفسها على لائحة العقوبات. لم تكن هذه الشركة الأمنية معروفة قبل تَفَجُّر فضيحة خداعها شباباً سودانيين نُقلوا إلى إحدى الدول العربية للعمل في الحراسة الخاصة، لكن الشركة دربتهم عسكريا قبل سنوات بغرض نقلهم للقتال في ليبيا كمرتزقة يقاتلون إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وبعد تخفيضها ميزانياتها العسكرية وإنفاقها الدفاعي، وخفضها عدد جنودها، تضطرّ بعض البلدان الأوروبية إلى إسناد بعض مهامها إلى شركات عسكرية خاصة ومرتزقة. لكن هذه الشركات، التي غالبيتها أميركية، تتقاضى أجورا باهظة، مثل ما يؤكد ألكسندر فوترافيرس، الخبير في الشؤون العسكرية ومدير قسم العلاقات الدولية في جامعة ويبستر السويسرية، في مقال نشر في المجلة العسكرية السويسرية في فبراير 2022.

وبدأت الجيوش الأوروبية والأميركية منذ تسعينيات القرن الماضي في اللجوء إلى خدمات شركات عسكرية خاصة لتنفيذ المهام التي لم تعد قادرة على القيام بها، خاصة في القارة الأوروبية.

وتهتم الشركات العسكرية الخاصة بأسواق محددة وهامة، أي النشاطات التي لم تعد القوات العسكرية التقليدية راغبة، أو قادرة على القيام بها، إذ أصبح القادة العسكريون يعتبرون توظيف جنود لعدة سنوات للقيام بمهام معينة أمرا غير مربح، لذلك أصبحوا يفضلون تكليف الشركات العسكرية الخاصة بجملة من المهام مثل الإمداد والتموين، فعلى سبيل المثال، قامت القوات الأميركية، خلال حرب العراق، بمنح عروض مربحة للغاية في مجالات مؤسسات الغسيل، والتنظيف.

كما أن هذه الشركات الخاصة حصلت على عدة عقود لتوفير حماية خاصة للأفراد والمباني، حيث لم يكن من المبرر دائما توظيف جنود محترفين ومدربين تدريبا عاليا ومدججين بالأسلحة. كما أن هذه الشركات تقوم بسد نقص الموظفين المحترفين. وهو ما ينطبق على حالة قائدي الطائرات المروحية.

فالجيوش تقوم بتدريب الكثير من الطيارين، ولكن هؤلاء لا يمكثون في الخدمة مدة طويلة، نظرا لكون الأجور في القطاع الخاص أعلى بكثير. لذلك كثيرا ما تلجأ الجيوش إلى هذه الشركات الخاصة للقيام ببعض المهام بواسطة طيارين أشرفت هي على تدريبهم.

وتكلفة الشركات العسكرية الخاصة أعلى بكثير، وقدر خبراء أن نفقات هذه الشركات أعلى بمرتين إلى أربع مرات مما تكلفه الجيوش الرسمية، وبالنسبة لبعض المهام الخاصة التي نُفّذت في العراق، قد يتراوح الفارق ما بين مرة واحدة و10 مرات.

لكن ما تجب الإشارة إليه هو أن العقود مع هذه الشركات الخاصة تكون لمدة قصيرة للغاية، وهو ما يصعب القيام به بالنسبة للجيوش المحترفة في بلدان مثل فرنسا أو الولايات المتحدة أو ألمانيا، حيث يتراوح عقد التوظيف ما بين 3 و 5 سنوات، يُضاف الى ذلك الضغط السياسي الممارس في هذه البلدان من أجل التخفيض من عدد القوات وميزانية الجيوش، فالجيوش المحترفة في البلدان الأوروبية تنفق ما بين 60 الى 70% من ميزانية الدفاع في الأجور.

"خصخصة الحروب" هذه ليست مرغوبة من قبل الجيوش أو الدول وفق محللين وخبراء عسكريين، بل تُفرَض بسبب التخفيضات في ميزانيات الدفاع في البلدان الأوربية، فعلى سبيل المثال، عرفت ميزانية الدفاع في بريطانيا تخفيضات مهمة منذ العام 2010، لذلك أصبحت عملية التزود بالوقود أثناء التحليق جزئيا من مهام شركة عسكرية خاصة.

ونفس الشيء ينطبق على الحروب الإلكترونية، إذ إن شركات خاصة هي التي تقوم بتدريب الجيش البريطاني وتسمح له بتكوين مهارات في مجال الحروب السيبيرانية، وحتى عملية الإنقاذ في أعالي البحار التي كانت تقوم بها الطائرات المروحية التابعة لقوات الجو الملكية، سيتم التخلي عنها لارتفاع نفقاتها، وستتولاها أربع شركات مدنية.

وتختلف السوق الأميركية عن باقي أسواق الحروب في العالم، فقد عرفت ميزانية الدفاع ارتفاعا ما بين عامي 1997 و2007، لتصل إلى أرقام قياسية (حوالى 52% من مجموع النفقات العسكرية العالمية). وعلى الرغم من ذلك، لا زالت العديد من المهام تُسند إلى هذه الشركات الخاصة، سواء في البنى التحتية، أو في الإمداد، أو الحرب الإلكترونية، أو التجسس، وفي قيادة الطائرات من دون طيار. وتبقى الولايات المتحدة البلد الأول في العالم من حيث عدد الشركات العسكرية الخاصة. إذ يقوم العديد من العسكريين الأميركيين القدامى بتأسيس شركاتهم الخاصة أو ينخرطون في شركات عسكرية خاصة أخرى.

وهناك أيضا العديد من الشركات العسكرية الخاصة التي لها مقار في أفريقيا أو في دول الخليج، وفي الواقع هي في معظمها شركات أميركية تعمل بطريقة مُقنّعة حرصا منها على ألا يظهر لها اتصال بمقار في الولايات المتحدة، وفق مراقبين.

المساهمون