لبنان في فوَّهة التصعيد الخليجي

لبنان في فوَّهة التصعيد الخليجي

08 نوفمبر 2021
اللبنانيون يعانون من أزمات اقتصادية ومعيشية حادة (حسين بيضون)
+ الخط -

تشكَّلت حكومة نجيب ميقاتي في لبنان في العاشر من أيلول/ سبتمبر 2021 في ظروف سياسية واقتصادية حرجة، فبعد 13 شهراً على استقالة حكومة حسان دياب وفترة معتبرة من الشلل السياسي، فرح معظم اللبنانيين بخبر انبثاق حكومة جديدة، وسط حالة يرثى لها من الغمّ السياسي والكدر الاقتصادي تسبَّبت بها سلسلة من الأزمات الاقتصادية والأحداث التراكمية.

لكن فرحتهم لم تكتمل، فهناك من يتربَّص بلبنان وينتظر منه غلطة، وكانت تصريحات جورج قرداحي، وزير الإعلام في حكومة ميقاتي، بشأن حرب اليمن، في مقابلة تلفزيونية بُثَّت يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر وأُجريت قبل شهر تقريباً من توليه حقيبة وزارة الإعلام، القطرة التي أفاضت الكأس السعودي ودفعت بالبحرين والكويت والإمارات إلى البدء بحملة تصعيد خليجية على لبنان وسحب دبلوماسييهم منه تضامناً مع السعودية.

أسئلة كثيرة تطرح نفسها على المتابع للشأن اللبناني عن قرب، والإجابات نفسها تطرح أسئلة جديدة، هل ستنزع استقالة جورج قرداحي فتيل الأزمة اللبنانية الخليجية؟ هل ستكتفي السعودية باستقالة وزير الإعلام أم تتطلَّع إلى بتر أذرع النفوذ الإيراني في لبنان؟

هل يُشكِّل التصعيد الخليجي المسمار الأخير في نعش الاقتصاد اللبناني؟ هل ستستجيب واشنطن لنداء ميقاتي وتتوسَّط لتهدئة الأوضاع؟ هل مصير كل حكومة لبنانية الفشل ثمّ الزوال؟ وهل ستكون الأيام القادمة حبلى بآلام أقسی؟

يعكس رد الفعل السعودي والخليجي إزاء تصريحات جورج قرداحي مدى تغلغل وامتداد عمق الأزمة، فقد أصبح جليّاً وبيِّناً أنّ ذلك الرباعي الخليجي أصبح يمقت مدّ يد العون لبلد يُحرِّكه العدوّ، فاستغلَّ أوّل فرصة لفرض عزلة على لبنان، الذي يمرّ ليس فقط بأسوأ أزماته الاقتصادية، بل بأكثر الأزمات الاقتصادية سوءاً وحدِّة في العالم وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في 1 حزيران/ يونيو 2021 تحت عنوان Lebanon Sinking into One of the Most Severe Global Crises Episodes, amidst Deliberate Inaction "لبنان يغرق نحو إحدى أشدّ الأزمات العالمية حدّة، وسط تقاعس متعمّد".

لقد فرضت السعودية حظراً على جميع الواردات اللبنانية، وضربت بذلك الاقتصاد اللبناني في مقتل، وليس من المستبعد أن تحذو الإمارات حذوها، حيث بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى المملكة السعودية والإمارات 282 مليون دولار و619 مليون دولار في سنة 2019 على التوالي، حسب بيانات مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC) The Observatory of Economic Complexity، فقد استقبلت السعودية 6.92 بالمائة من إجمالي الصادرات اللبنانية إلى دول العالم خلال عام 2019، ومثَّلت الإمارات 15.2 بالمائة من إجمالي الصادرات اللبنانية إلى دول العالم خلال نفس السنة، وفقاً للمصدر ذاته.

وحسب قاعدة البيانات الإحصائية لتجارة السلع الأساسية COMTRADE التابعة للأمم المتحدة، بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى السعودية 219.06 مليون دولار خلال عام 2020، ضمنها 53.48 مليون دولار من صادرات الخضار والفواكه والمكسَّرات والجذور والدرنات الصالحة للأكل.

ولا يقتصر الأمر على الواردات فحسب، بل يتعدَّاه ليمسَّ الاستثمارات، حيث تعتبر السعودية مصدراً رئيسياً للاستثمار في لبنان، خصوصاً في مجالات السياحة المختلفة ووسائل الإعلام والعقارات وغيرها، وهذا علاوة على الضرر الناجم عن المقاطعة الخليجية للسياحة في لبنان، ما سيُلقي بظلاله السوداء على اللبنانيين العاملين في قطاع السياحة.

في خضمّ ما يستعر في صدر السعودية ومؤيِّديها من سخط وغضب، ليس ببعيد أن تطاول عقوباتها حركة تدفُّق التحويلات المالية من المغتربين اللبنانيين المقيمين في السعودية إلى ذويهم في لبنان.

وفي حال تحقَّق هذا السيناريو التشاؤمي، فإنّ الاقتصاد اللبناني سيدخل مرحلة الموت الإكلينيكي بعد فقدانه التحويلات المالية الهامة، التي تعدّ بمثابة أكسجين مالي ضروري لبقائه على قيد الحياة.

لقد وجَّهت المملكة بقرارها الضربة القاضية والمُميتة للاقتصاد اللبناني، وأوصدت ما بقي له من أبواب كان يحصل من خلالها على العملة الصعبة، خصوصاً في ظلّ شحّ موارد الدولة من النقد الأجنبي وتهاوي احتياطها منه إلى 15 مليار دولار في آذار/ مارس الماضي، وتزداد خطورة الأوضاع عندما يمتدّ هذا القرار السعودي إلى بيوت مفتوحة، ويتسبَّب في قطع أرزاق العديد من العائلات اللبنانية التي تريد أن تحيا بشكل شريف.

وإذا لم يحدث لقاء عاجل بين وساطة خارجية فعّالة ومساعٍ داخلية بنّاءة، فسينغمس العديد من اللبنانيين في أوحال الفقر والحاجة والحرمان، وسيتخطَّى معدل الفقر نسبة 28 بالمائة بنهاية عام 2021، التي توقَّعها البنك الدولي في تقريره الصادر في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 تحت عنوان "لبنان: الآفاق الاقتصادية - أكتوبر 2021".

نظراً للتداعيات الكارثية للقرارات السعودية على الاقتصاد اللبناني وردود الفعل الخليجية المؤيِّدة لموقف المملكة، دعا رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي مجدَّداً، يوم 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، وزير الاعلام قرداحي لتغليب المصلحة الوطنية وتقدير الظروف التي يمرّ بها بلدهم واتِّخاذ القرار المناسب، لكنّه لم يصل إلى درجة أن يطلب منه علناً تقديم استقالته بغية رأب الصدع واحتواء الخلاف.

وبحسب مصادر إعلامية لبنانية، رفض الوزير قرداحي التنحِّي عن منصبه وربط تقديم استقالته بضمان عدول الرباعي الخليجي عن قراراته التي اعتبرها مجحفة بحق بلاده، لأنّه يعلم في قرارة نفسه أنّ القيادة الخليجية والسعودية لم تعد تحتمل وصول مساعداتها ودعمها إلى لبنان الخاضع لسيطرة حزب الله، الذي تعتبره ذراعاً وفرعاً عربياً للحرس الثوري الإيراني، ويخشى أن تستغلّ السعودية ومؤيّدوها حالياً هذه الظروف الاقتصادية والمالية والسياسية العصيبة في الدفع بلبنان إلى حافة تُشكِّل ذروة تنازلاته وأعظمها.

خلاصة القول: ما زالت الفوضى المالية والسياسية تتحكَّم بظروف الأزمة الاقتصادية في لبنان، وتقذف بالاقتصاد اللبناني نحو طلب الدعم من المؤسسات المالية الدولية تارة، وتُعيده إلى أمواج محاولة كسب ودّ الدول الخليجية وإيران في آن واحد تارة أخرى.

لقد وصل لبنان إلى مفترق طرقٍ مصيري، المطلوب فيه يتعدَّى بكثير مجرَّد تقديم جورج قرداحي استقالته، فإمّا حزب الله المدعوم إيرانياً أو الدول الخليجية المُطبِّعة مع إسرائيل سرّاً وعلانيةً، ينبغي على لبنان أن يحسم أمره الآن بين خيارين أحلاهما مرّ.

المساهمون