لبنان يعد موازنته: اعتمادات وفق سعر صرف وهمي ولا حكومة لمناقشتها

لبنان يعد موازنته: اعتمادات وفق سعر صرف وهمي ولا حكومة لمناقشتها

27 يناير 2021
خلال احتجاج ضد السلطة السياسية في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -

أحال وزير المال اللبناني في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني الثلاثاء مشروع الموازنة لعام 2021 إلى رئاسة مجلس الوزراء مرفقاً بتقريرٍ مفصّل عن الأسس المعتمدة في إعداد المشروع وأبرز المتغيّرات بين قانون موازنة 2020 ومشروع موازنة 2021.

ويتألف مشروع الموازنة من 1129 صفحة، تتضمن تفاصيل الاعتمادات والواردات لعام 2021. إلا أن بنودها تستند إلى معطيات وهمية، وكأن السلطة المالية تعيش في كوكب آخر. إذ تم احتساب النفقات والإيرادات على سعر الصرف الرسمي أي 1507 ليرات لبنانية، الذي لا يتم اعتماده في أي معاملة في لبنان، وفي وقت يلامس فيه سعر  صرف الدولار عتبة التسعة آلاف ليرة لبنانية في السوق السوداء، يصل إلى 3900 ليرة في المصارف. واستغربت مصادر في حديث مع "العربي الجديد" اعتماد سعر الصرف الرسمي، فيما كل النفقات المتوقعة في الموازنة لا يمكن أن تسيّر مشروعاً واحداً من دون الإنفاق وفق سعر معدل لصرف الليرة، في اقتصاد مدولر بالكامل.

وكذلك، يشمل المشروع إجازة الجباية والاقتراض، وحسابات القروض، وتحديد أصول إنفاق الهبات والقروض الخارجية، وفتح الاعتمادات الاستثنائية، واعتمادات لدعم فوائد القروض الاستثمارية (الزراعية، الصناعية، السياحية، التكنولوجية، المعلوماتية والبيئية)، فيما الدورة النقدية في لبنان متوقفة تماماً بعد احتجاز المصارف أموال المودعين من دون أي سند قانوني، وفي وقت تم تهريب مليارات الدولارات لسياسيين ومصرفيين إلى الخارج، وفي الإطار الزمني ذاته لخضوع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى تحقيق جنائي في سويسرا للتحقيق في تهريبه ملايين الدولارات إليها.

 

وكذلك، تلحظ الموازنة اعتمادات المعالجة الصحية، وإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة طويلة الأجل لتسديد عجز شراء المحروقات وتسديد فوائد واقساط القروض لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.

وتضمن مشروع الموازنة إجازة نقل اعتمادات لمساعدة الأسر الأكثر حاجة، بحيث إنه يمكن نقل الاعتمادات الملحوظة في باب احتياطي الموازنة والمخصصة لتوزيع مساعدات اجتماعية للأسر الأكثر حاجة، إضافة إلى إجازة نقل اعتمادات لمعالجة الأوضاع المستجدة بفعل فيروس كورونا، وإجازة نقل اعتمادات لتوزيع مساعدات الترميم على المتضررين من جراء انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس/ آب الماضي.

ولا تتوقف الأوهام هنا، إذ يتضمن مشروع الموازنة رسوماً وضرائب مقترحة، علماً أنه يحتوي في المقابل على الكثير من الإعفاءات والتخفيضات التي لحظها في أكثر من خمسين مادة، وفي ظلّ غياب التحصيل الضريبي منذ سنة تقريباً. علماً أن اللبنانيين بغالبيتهم يعيشون في أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة، وسط مستويات قياسية للبطالة والفقر والهجرة.

وفوق كل ذلك، لم تستطع سلطة الأحزاب في لبنان تشكيل حكومة حتى اليوم، في ظل خلافات وانقسامات، لم تخفف حدتها تحركات غصت بها شوارع لبنان منذ عام 2019، ولا انفجار دام دمر أحياء كاملة في بيروت، تحت سلطة الأحزاب المسيطرة ذاتها.

ولتخطي هذه العقبة، دعا رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان التابع للتيار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل، حكومة تصريف الأعمال إلى أن تجتمع استثنائياً لإحالة مشروع موازنة 2021 إلى مجلس النواب بعد أن أحالها وزير المال إلى رئاسة مجلس الوزراء، "في ظل الشلل في مسار التأليف والوضع المالي المتدهور وضرورة إقرار الإصلاحات المالية وضبط الإنفاق خارج فوضى الاثني عشرية كما تعزيز اعتمادات وزارة الصحة".

 

وطبعاً هنا اختلفت وجهات النظر السياسية والقانونية حول دعوة كنعان إلى اجتماع استثنائي، باعتبار أن لبنان أمام حكومة تصريف أعمال لا يدخل في مهامها مناقشة الموازنة. وهذا رأي أوساط "تيار المستقبل" الذي يرأسه رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، والتي تقول لـ"العربي الجديد" إنّ إقرار الموازنة تأخر أصلاً ولا يجوز المماطلة فيه من جديد لكن هذا لا يعني إحالة الموضوع إلى حكومة تصريف الأعمال بل يجب سريعاً تشكيل حكومة جديدة تناقش الموازنة وتحيلها إلى مجلس النواب، "ولا سيما أن برنامج الحكومة الذي يحمله الرئيس الحريري إصلاحي بامتياز، والموازنة هي أساس مطالب المجتمع الدولي لوقف الهدر وضبط الإنفاق في الدولة".

في حين أيّد النائب بلال عبد الله عن الحزب الاشتراكي الذي يرأسه وليد جنبلاط مطالبة كنعان بضرورة عقد جلسة استثنائية للحكومة لإقرار مشروع قانون الموازنة، "حتى تتمكن وزارات الدولة من الاستمرار في عملها، وإلا فلا معنى وقيمة دستورية وقانونية لمبدأ تصريف الأعمال".

وشرح المحامي شكري حداد، لـ"العربي الجديد"، أنّ الموازنة لا تدخل ضمن عملية تصريف الأعمال باعتبار أن من شأنها وضع التزامات على مدار سنة بكاملها للحكومة وبالتالي اذا تم إقرار الموازنة وتأليف حكومة جديدة ستكون هذه الأخيرة ملزمة بها بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية حيث تصبح بمثابة قانون.

وأشار إلى أنه وفق الدستور اللبناني بالمادة 64 منه، فإنّ الحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلّا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، وحكومة حسان دياب سبق أن قدمت استقالتها في 10 أغسطس/ آب الماضي إثر انفجار مرفأ بيروت.

 

وذكّر المحامي حداد بأنّ حكومة حسان دياب تبنّت موازنة عام 2020 التي أعدتها حكومة سعد الحريري قبل استقالتها إبّان انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وعندها، تم تعيين موعد الجلسة لإقرار الموازنة منعاً للتأخير ونتيجة ضغوطات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والجهات المانحة، وسجلت الكثير من الملاحظات وقتها حول قانونية انعقاد جلسة مجلس النواب، الذي وضعها رئيسها في إطار الظروف الاستثنائية التي تقتضي ذلك.

وشدد حداد على أهمية إقرار الموازنة فهي أساس في أي مشروع إصلاحي، ولا يمكن العودة إلى الوراء والإنفاق وفق قاعدة الاثني عشرية، أي الإنفاق من خارج الموازنة، لافتاً إلى أنه في حال اجتمعت حكومة تصريف الأعمال استثنائياً ومن ثم أحيل المشروع إلى مجلس النواب وأقرّها يمكن الطعن بها في المجلس الدستوري.