مصارف لبنان تتمرّد: خطة التعافي الحكومية كارثية

مصارف لبنان تتمرّد: خطة التعافي الحكومية كارثية

25 مايو 2022
لبنانيون يتهمون الحكومة والمصارف بسرقة ودائعهم (محمود الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت جمعية المصارف في لبنان عن رفضها استراتيجية النهوض في القطاع المالي التي أقرَّتها الحكومة يوم الجمعة الماضي في جلستها الأخيرة قبل دخولها مرحلة تصريف الأعمال، في وقتٍ حذّر فيه رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من أن كل يوم يمرّ من دون حل وولوج خطة التعافي ستكون كلفته عالية.
ويأتي موقف الجمعية مكرَّراً لرفضها في 23 إبريل/نيسان الماضي ما وصفتها بخطة التعافي الكارثية وذلك في ظل الخلاف بينها والحكومة حول توزيع الخسائر، علماً أنّ المصارف لوَّحت بالاحتكام إلى القضاء بوجه الدولة اللبنانية و"تكليف مستشاريها القانونيين بدراسة وعرض الإجراءات القضائية الكفيلة بحماية وتحصيل حقوق المصارف والمودعين".

من أبرز بنود خطة التعافي، إلغاء تعددية أسعار الصرف الرسمية وتحديد سعر صرف رسمي واحد على منصة صيرفة (تابعة لمصرف لبنان)

وأقرّ مجلس الوزراء في جلسة برئاسة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا الجمهوري خطة التعافي أو ما سميت باستراتيجية النهوض في القطاع المالي.
ومن أبرز بنود خطة التعافي أو استراتيجية النهوض بالقطاع المالي، إلغاء تعددية أسعار الصرف الرسمية وتحديد سعر صرف رسمي واحد على منصة صيرفة (تابعة لمصرف لبنان)، احترام تراتبية الحقوق عند استيعاب الخسائر، حماية صغار المودعين إلى أقصى حد ممكن في كل مصرف قابل للاستمرار، حل المصارف التي تعتبر غير قابلة للاستمرار بما يتماشى مع القانون الطارئ لإعادة هيكلة المصارف الذي سيقرّه مجلس النواب، إعادة تكوين رأسمال مصرف لبنان، إجراء تدقيق خاص لميزانيته، إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف.

كذلك، تقضي الخطة بمساهمات كبيرة من قبل مساهمي المصارف والدائنين من غير أصحاب الودائع، وذلك لما ستتطلبه إعادة رسملة المصارف القابلة للاستمرار بالتوازي مع حل تلك غير القابلة للاستمرار.
وعبّرت الجمعية في بيان أمس الثلاثاء، عن موقفها من إقرار الحكومة لاستراتيجية النهوض في القطاع المالي فاعتبرت أن "الخطة كُتِبَت بأموال المودعين وأموال المصارف وهي تقف صفّاً واحداً مع المودعين لرفض هذه الخطة التي لا نهوض فيها سوى في اسمها".
وقالت: "أبت الحكومة إلّا أن تودّع اللبنانيين بشكل عام والمودعين بشكل خاص، عبر إقرار خطة نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي القاضية بتنصّل الدولة ومصرف لبنان من موجباتهما بتسديد الديون المترتبة بذمّتها وتحميل كامل الخسارة الناتجة عن هدر الأموال التي تتجاوز السبعين مليار دولار إلى المودعين بعدما قضت الخطة على الأموال الخاصة بالمصارف".

أضافت: "فأبشروا أيها المودعون لأن الدولة اللبنانية ألغت ودائعكم بشخطة قلم. فهذا كلّ ما تمخّض من عبقرية الخبراء بالرغم من وجود خطط بديلة واضحة ولا سيما تلك التي اقترحتها جمعية مصارف لبنان.

كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ"العربي الجديد": أي برنامج إصلاحي إنقاذي يجب أن يكون عنوانه العريض استعادة الثقة

في السياق، يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ"العربي الجديد" إن "أي برنامج إصلاحي إنقاذي يجب أن يكون عنوانه العريض استعادة الثقة، بينما البرنامج الذي أقرته الحكومة ووقعت بناءً عليه اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي محوره الأساسي إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إذ إنّ 8 من أصل 9 شروط لقبول التوقيع على قرض الصندوق لها علاقة بالقطاع المصرفي بشكل مباشر من دون أن تتطرق إلى مسببات الأزمة وهي ثلاثية سوء استخدام السلطة، سوء إدارة القطاع العام وسوء إدارة الازمة".

ويشدد غبريل على أنّ "القطاع المصرفي ليس بمنأى عن إعادة الهيكلة لكن منهجية التعاطي مع القطاع وتسمية الفجوة المالية بالخسائر فيما هي ديون مترتبة على الدولة لا تريد دفعها إنما تحملها للقطاع المصرفي وتالياً المودع، هنا نقطة الخلاف الأساس".
ويتوقف كبير الاقتصاديين في "بيبلوس" عند بند في الخطة يتحدث عن إعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف، بحيث يصار إلى تحويل الودائع التي تتخطى الحدّ الأدنى المستفيد من الحماية إما إلى أسهم و/أو تحويل ودائع العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية. ويسأل: "كيف تريد هذه الاستراتيجية أن تعيد الثقة للمودع الحالي أو الجديد المقيم وغير المقيم هل بتحويل ودائعه إلى أسهم للمصارف؟".

ويلفت إلى أنّ استعادة الثقة تكون من خلال إجراءات يلمسها القطاع الخاص والمواطن مباشرة على مستوى القطاعات، ولا سيما الكهرباء والاتصالات والخدمات العامة والبنى التحتية وتطوير المناخ الاستثماري ورفع مستوى التنافسية الاقتصادية ووقف التهريب ومكافحة التهرّب الضريبي وغيرها من الإصلاحات، مشيراً إلى أنه مع ما يقال بأهمية أن يكون القطاع المصرفي سليماً للنهوض اقتصادياً، ولكن لا يمكن تدمير المصارف ثم الحديث عن نهوض.
ويرى غبريل أنّ المودع يريد أجوبة عن أسئلة ثلاثة: "ما هو مصير ودائعه؟ بأي طريقة سيستردّها؟ وما هي المهلة الزمنية للاسترداد والتصرف بها؟" مشيراً إلى أنّ الدولة عليها أن تتعهد بتسديد التزاماتها ودفع ديونها بعد إعادة جدولة الدين العام ومن دون فوائد، فهذا يؤدي إلى استعادة الثقة".

ويضيف: "على الحكومة الجديدة أن تعدّل الخطة، هناك بنود مهمة فيها لكن الأولويات ليست بمكانها ويجب تبديلها ومقاربة موضوع الودائع بشكل يؤدي إلى استعادة الثقة".
كما أن من البدائل التي تطرحها المصارف إنشاء صندوق يستثمر ولا يتملّك بعض موجودات الدولة وحقوقها، وهنا لا نتحدث عن بيع أصول الدولة أو خصخصتها، بل إعادة إحيائها وتحسين إدارتها والاستفادة منها وذلك من خلال تشكيل هيئات ناظمة للقطاعات وإدخال شركات عالمية لاستلام الإدارة وإعادة الهيكلة وبهذه الخطوة يمكن استعادة الثقة وزيادة إيرادات الخزينة، كما يقول غبريل.

ويلفت إلى أن الدولة غنية ولديها ملايين الأمتار المربعة من العقارات غير المستثمرة، كما أن قطاعات حيوية دمرها العبث السياسي المتعمّد.
من جهته، يقول الباحث الاقتصادي والعضو المؤسس في "رابطة المودعين" نزار غانم لـ"العربي الجديد" إن خطة الحكومة في العموميات أفضل ممّا كان معمولا به أو مقترحا سابقاً، وهي أشبه بخطة لازار (الشركة الاستشارية) المالية لكن معدَّلة، بيد أن الشيطان يكمن في التفاصيل.

ويشير غانم إلى أن الخطة يمكن البناء عليها وهي ليست مرفوضة بالكامل، خصوصاً أنها تعترف على الأقل بمن يتحمّل المسؤولية وتبدأ بالمستثمرين والمصارف مع الحفاظ قدر الإمكان على مدخرات المواطنين وهي تتلاقى مع ما هو معمول به دولياً عندما تقع أزمة مالية، كما تلحظ إلغاء تعددية أسعار الصرف الرسمية.

في المقابل، يتوقف غانم عند إشكالية أساسية تتمثل في تحديد حجم احتياجات إعادة رسملة المصارف كل على حدة وإعادة صياغة ميزانياتها، والعمل على إجراء تقييم لخسائر كلّ مصرف على حدة وتحليل لبنية الودائع وهيكلة الودائع لأكبر 14 مصرفاً.
ويلفت إلى أنّ المشكلة ليست في التقييم الذي يطاول كل مصرف، بل في ربط الودائع المحمية بعمل المصرف نفسه، من دون تحديد ما هي الودائع المحمية، وتحت هذا المسمّى الشيطان يكمن في التفاصيل. أيضاً، تحتاج الخطة لأن تعمل أكثر على الحماية الاجتماعية، حسب غانم، إذ كما نرفض تحميل المودعين كلفة الأزمة المالية، من غير المقبول أيضاً تحميلها لغير المودعين.

ويشدد غانم على ضرورة تحديد المسؤولين عن ضياع أكثر من 17 مليار دولار من أموال المودعين وتذويب حسابات الودائع الصغيرة والمتوسطة في السنتين الماضيتين، وإجراء المحاسبة. ويرى غانم أن موقف جمعية المصارف مجرم بحق اللبنانيين فهو يسعى لإنقاذ الطبقة المصرفية ولو بطرق مخالفة للقانون، حتى صندوق النقد الدولي يعلم أنه لا يمكن استدامة الموضوع المالي في لبنان من دون إعادة هيكلة المصارف والاقتطاع من الدين العام.

العضو المؤسس في "رابطة المودعين" نزار غانم لـ"العربي الجديد": خطة الحكومة في أفضل ممّا كان معمولا به أو مقترحا سابقاً

ويردف: "بالتالي فإن موقفها متوقع، لكن المشكلة تكمن في الكتل النيابية التي ما تزال تحمي المصارف وتأتمر بقراراتها" مشيراً إلى أنّ المصارف تسعى لشراء أصول الدولة من أملاك بحرية وقطاع الاتصالات والمطار وغير ذلك بأموالهم المهربة للخارج أي نقل كامل أصول الدولة لمصالحهم الشخصية تحت حجة حماية المودعين في حين أنها في الحقيقة تريد حماية أموال المستثمرين وأصحاب المصارف أما مدخرات اللبنانيين فقد تمت تصفيتها.
ويلفت غانم إلى أنّ موقف رابطة المودعين هو مع إعادة الانتظام للقطاع المصرفي ومن الضروري أن يلعب دوره في بناء اقتصاد منتج، لكن اعتادت المصارف على مال يأتي عبر الفساد والعلاقات السياسية ونسيت الهدف الأساسي من وجودها.
في موازاة ذلك، وعلى وقع كباش الحكومة والمصارف، يستمر المسار التصاعدي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء إذ تخطى أمس للمرة الأولى عتبة الـ34 ألف ليرة لبنانية، الأمر الذي ينعكس على أسعار المحروقات ومختلف المواد الغذائية والسلع في ظل فوضى تسعير وتقلبات يومية تزيد أعباء المواطنين.

المساهمون