مصارف لبنان تسابق الزمن لزيادة رأسمالها قبل نهاية فبراير

مصارف لبنان تسابق الزمن لزيادة رأسمالها قبل نهاية فبراير

15 فبراير 2021
مصارف لبنانية باعت أصولها في الخارج لتعزيز رساميلها الخاصة (فرانس برس)
+ الخط -

تكابد مصارف لبنانية أصابتها أزمة السيولة بالشلل وصدعتها الخلافات السياسية، من أجل الوفاء بالهدف الذي وضعه لها "مصرف لبنان" المركزي كي تعزّز قوتها المالية بزيادة رأسمالها الخاص 20% بنهاية فبراير/ شباط الحالي.

وكالة "رويترز" نقلت عن 4 مصادر مصرفية مطلعة توقعاتها بأن يفي أقل من نصف المصارف الكبرى البالغ عددها نحو 12 مصرفاً بالشرط المستهدف الذي حدده "مصرف لبنان" في أغسطس/ آب 2020 لتدعيم القطاع.

والمصارف التي يتوقع أن تفي بالمطلوب منها هي تلك التي استغلت إلى حد كبير فرصة الاستفادة من حملة الأسهم أو المودعين الحاليين وحولت الودائع الدولارية المحلية إلى أدوات ملكية أو باعت أنشطة تابعة لها في الخارج.

ويؤكد الوضع حجم المشكلة التي تواجه المصارف اللبنانية التي أفرطت في إقراض دولة من أكثر دول العالم مديونية ولم تعد تملك سيولة مالية. وجمدت هذه المصارف إلى حد كبير الودائع الدولارية لعملائها ومنعتهم من تحويل المال إلى الخارج منذ أواخر العام 2019.

ويقول بعض المستثمرين والاقتصاديين إن هذه الخطوات ضئيلة لا تذكر وجاءت بعد فوات الأوان في ضوء ضخامة الخسائر التي تواجه القطاع.

حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، أكد لوكالة "رويترز" أن نسبة الـ20% المستهدفة التي حددها تعادل حوالى 4 مليارات دولار. ويقل هذا المبلغ كثيراً عن العجز في القوائم المالية للمصارف والبالغ 83 مليار دولار، وفقاً لتقدير حكومة حسان دياب المستقيلة العام الماضي، في إطار خطة رسمتها للإنقاذ المالي.

مستشار تمويل الديون والمحاضر السابق في الاقتصاد الدولي في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة "جون هوبكنز"، مايك عازار، قال: "كلها عاجزة عن سداد الالتزامات"، مضيفاً: "لا يوجد احتمال للتعافي في الظروف الحالية إلى أن يظهر حل وتحدث إعادة هيكلة على مستوى القطاع بالكامل ثم زيادة جديدة لرأس المال في نهاية المطاف".

وتقول المصادر المصرفية الأربعة إن الأمر الذي أصدره المصرف المركزي للمصارف بأن تطلب من أكبر مودعيها إعادة 30% من ودائعهم إلى البلاد لم يسفر في ما يبدو عن شيء يذكر.

وفي السياق، قال رئيس "جمعية مصارف لبنان" والرئيس التنفيذي لـ"بنك بيروت"، سليم صفير، إن معظم البنوك "ستلتزم بتوجيهات البنك المركزي". وأضاف في تصريح لرويترز: "لو أننا اعتقدنا أنه لا أمل في التعافي لكنا أوقفنا نشاطنا الآن... التحديات صعبة لكن لنا تاريخ في المرونة والابتكار وسنتكيف مع الوضع الجديد".

وقال المصرف المركزي إن من السابق لأوانه تقييم استجابة المصارف لزيادة رأس المال المستهدفة ولطلب آخر منه بزيادة السيولة لدى المصارف المراسلة التي تتعامل معها 3%.

سلامة أفاد في رده بالبريد الإلكتروني: "مع ذلك، تقدمت كل المصارف تقريباً بطلبات لزيادة رأس المال وتم بذل جهد كبير لزيادة السيولة". وسلّم بأن المصارف قد تتطلب زيادة أكبر في رأس المال. وقال في رسالته إن "المصرف المركزي سيعمل مع المصارف لمعالجة هذه المسألة كل على حدة".

ومع اقتراب انتهاء المهلة في آخر فبراير/ شباط الجاري، تزايدت التكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي حول المصارف التي قد تتم تصفيتها. وفي الأسبوع الماضي، أصدر المصرف المركزي بياناً قال فيه إن هذا الجدل لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة.

وقد حذر حاكم المصرف المركزي من أن المصارف التي تعجز عن الوفاء بالمستهدف ستضطر إلى إنهاء نشاطها، غير أن بعض المصرفيين توقعوا لرويترز تمديد المهلة لأنه لا أمل يذكر في جذب استثمارات جديدة.

تدقيق جديد

وتتصور خطة الإنقاذ المالي التي وضعتها الحكومة المستقيلة شطب رؤوس أموال، غير أن معارضة المصرفيين والساسة نسفت الخطة الأمر الذي ساهم في انهيار المحادثات الخاصة بالتمويل مع صندوق النقد الدولي.

وقال مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "إس.ايه.إم كابيتال بارتنرز" للاستشارات الاستثمارية في لندن، خالد عبد المجيد، إن "زيادة رأسمالها بنسبة 20% مفيدة لكنها غير كافية". وأضاف: "لا يمكن أن أمسّ أسهم المصارف اللبنانية بأي سعر. فالأمور ستتدهور بشدة في لبنان قبل أن تتحسن".

وقد أثار انتقادات استخدام سلامة ما وصفه بـ"الهندسة المالية" في سبيل الحفاظ على قدرة لبنان على تمويل احتياجاته، وهو يواجه تدقيقاً جديداً يقول مصرفيون إنه يثير تساؤلات حول مستقبله.

فقد قال المدعي العام السويسري، الشهر الماضي، إنه يحقق في احتمال حدوث اختلاس يمس "مصرف لبنان" المركزي، بينما نفى سلامة ارتكاب أي مخالفات ولم يرد على طلب للتعليق على الكيفية التي قد يؤثر بها التحقيق على وضعه وعلى القطاع المصرفي عموماً.

وقد باع "بنك عوده" و"بنك لبنان والمهجر" (بلوم)، أكبر مصرفين في البلاد من حيث حجم الأصول، أنشطة تابعة لهما في الخارج للمساعدة في تحسين وضعهما المالي.

وقالت إدارة "بنك عوده"، في تصريح لـ"رويترز"، إن "حصيلة بيع العمليات الخارجية ستتيح لنا الوفاء بالشروط التنظيمية المعنية وفي الوقت نفسه تؤهل بنك عوده بين المصارف اللبنانية القادرة على الاستمرار برأسمال كاف ومستويات سيولة كافية".

ولم يرد "بلوم بنك" على الفور على طلب من رويترز للتعليق على ما حققه من تقدم في زيادة رأس المال ومستويات السيولة، علماً أنه قال الشهر الماضي، إن بيع وحدته العاملة في مصر سيسمح له بالالتزام بالهدف الذي رسمه المصرف المركزي.

لا إجماع

لسنوات ظلت المصارف اللبنانية بين أكبر مصارف العالم ربحية مستعينة بتحويل أموال اللبنانيين المنتشرين في المهجر لدعم الحكومة مقابل عوائد مرتفعة. غير أن الانكشاف على الدين العام كان في نهاية الأمر هو السبب في الأزمة التي حلت بالبنوك، إذ جف نبع التحويلات المالية من الخارج وتفجرت الاحتجاجات المناهضة للفساد مما حرم النظام المالي من مصادر التمويل.

وخلال العامين الأخيرين، فقدت البنوك التجارية ودائع قيمتها نحو 49 تريليون ليرة لبنانية أي ما يناهز 22% من أصولها الإجمالية الحالية، ومن المرجح أن يكون كبار المودعين في صدارة المتضررين من أي حل للأزمة المصرفية.

ولأن السندات الحكومية تمثل أغلب أصول البنوك فقد أصبحت هذه المصارف أكبر ضحية لعجز الحكومة عن الوفاء بسندات دولية مستحقة بقيمة 1.2 مليار دولار في مارس/ آذار الماضي. ويتمثل جانب كبير من باقي أصول المصارف في العقارات التي انخفضت تقييماتها وسط الركود الاقتصادي.

الاقتصادي نافذ ذوق قال إنه إذا قدرت قيمة هذه الأصول بقيمتها السوقية واقترنت بشطب حصص في رأس المال ترتبط بالانكشاف على الدين الحكومي، فإن الخسائر ستطغى على قاعدة رأس المال في القطاع المصرفي.

وطلب المصرف المركزي من البنوك في أغسطس/ آب تجنيب مخصصات لخسائر تعادل 1.89% عن ودائعها بالعملة الصعبة لدى البنك المركزي، وخسائر تبلغ 45% عما بحوزتها من سندات الدين الحكومي، وهي مستويات قال بعض الاقتصاديين إنها تستهين بحجم المشكلة.

وقد انخفضت الليرة اللبنانية بنسبة 80% منذ أواخر العام 2019، وقدرت وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية أن الخسائر عن محافظ السندات الدولية تتجاوز 65%.

ويتفق كثيرون من المصرفيين في لبنان بصفة غير رسمية على أن من الضروري تقليص القطاع المصرفي الحالي بشدة، إذ إنه يضم ما لا يقل عن 40 مصرفاً وقد تضخمت أصوله لتصل إلى ما يعادل 167% من الناتج الاقتصادي المجمل في ذروتها الأخيرة عام 2015.

ويسلم البعض بأن الحل سيفرض على حملة الأسهم وحملة السندات وزبائن المصارف تحمل خسائر. غير أنه لا يوجد إجماع على عدد المصارف التي ستضطر لتصفية نشاطها وعلى حجم الخسائر.

وفي ظل غياب حكومة جديدة برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري، وبقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسان دياب منذ استقالتها في أغسطس/ آب الماضي، وسط سخط شعبي على الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت، يُسلم مصرفيون بأن الحل مستبعد في أي وقت قريب.

(رويترز)

المساهمون