مصر: مشروع "رأس الحكمة" يفجر مخاوف بيع الأصول

مصر: مشروع "رأس الحكمة" يفجر مخاوف بيع الأصول

18 مارس 2024
الإنفاق الهائل على المشروعات الكبرى فاقم الأزمة المالية (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تواجه مصر أزمة اقتصادية خانقة، مع جدل حول بيع الأصول العامة كحل محتمل، ومعارضة شديدة لبيع الأراضي للأجانب بسبب مخاوف تتعلق بالسيادة الوطنية.
- صفقة رأس الحكمة، بقيمة 35 مليار دولار لتطوير المنطقة، لم تكن الحل السحري للأزمة الاقتصادية، حيث أدت إلى خفض قيمة العملة بنحو 60% مقابل الدولار، وتتطلب مشروعات بنية تحتية كبيرة تضيف أعباء مالية.
- الخبراء يحذرون من أن بيع الأصول العامة قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمة نفسها، مع التأكيد على ضرورة تغيير العقلية الاقتصادية لتجنب زيادة الدين الخارجي والخلل في الموازنة العامة للدولة.

كم عدد الأصول مثل مشروع "رأس الحكمة" التي يمكن أن تبيعها مصر للتخفيف من الأزمة الاقتصادية؟ سؤال كبير يُفرض على الساسة والاقتصاديين، في أحاديثهم اليومية، عندما يتحدثون حول سبل خروج البلاد من أزمة مالية خانقة.

تحمل الإجابة عن الأسئلة معارضة حادة لفكرة بيع الأصول العامة للأجانب، خاصة الأراضي الشاسعة التي تثير شجوناً متعلقة بالسيادة الوطنية، والتفريط في ثروات الأجيال الجديدة، لحل أزمة العملة في الأجل القصير، والتي وقعت نتيجة الإنفاق الحكومي المفرط، المستمر منذ عام 2014.

تشير دراسة اقتصادية لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بواشنطن، صدرت مؤخراً، إلى أن صفقة رأس الحكمة التي تعد واحدة من جنان مصر القليلة المتبقية على ساحل البحر المتوسط، لم تكن حلاً سحرياً لإنقاذ مصر من أسوأ أزماتها الاقتصادية، في التاريخ الحديث.

تشير الدراسة للخبير الاقتصادي يحيى شوكت، إلى أن توقيع اتفاقية شراكة بين حكومتي القاهرة وأبو ظبي، بقيمة 35 مليار دولار، لتطوير المنطقة التي تبلغ 40 ألفاً و600 فدان، لمساعدة الحكومة في الوفاء بالتزاماتها بالعملة الأجنبية، بما مهد لاتفاق جديد مع الصندوق الدولي أدى إلى خفض في قيمة العملة، بنحو 60% مقابل الدولار، باعتباره شرطاً رئيسياً للصندوق.

تبين الدراسة أن الصفقة المعقدة، أشادت بها الحكومة، باعتبارها أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ البلاد، ونموذجاً لشراكات استثمارية مستقبلية، يمكن أن تحقق إيراداً لا يقل عن 150 مليار دولار، خلال مراحل التنفيذ، مع حصول الدولة على 35 مليار دولار خلال شهرين.

تبين الدراسة الاقتصادية التي نشرت باللغة الإنجليزية الأسبوع الماضي، أن مساحة رأس الحكمة تساوي جميع أراضي التطوير العمراني التي يملكها أكبر 10 مطورين عقاريين في مصر، والتي وزعتهم عليهم على مدار ربع قرن، وعلى مساحة العاصمة الإدارية الجديدة نفسها، وتمثل 5 أضعاف أكبر عملية بيع للأراضي الحضرية في تاريخ مصر التي خصصت بواقع 8 آلاف فدان لمجموعة طلعت مصطفى، في صفقة سيئة السمعة، لبناء مشروع " مدينتي".

تشير الدراسة إلى أن الصفقة تأتي في إطار تنازلات عن الأراضي الزراعية بمساحات تصل إلى 100 ألف فدان في منقطة توشكا على حدود مصر مع السودان، لشركة الراجحي الاستثمارية السعودية، و40 ألف فدان في العوينات وتوشكا لشركة الظاهرة الإماراتية.

توضح الدراسة أن صفقة التنازل عن رأس الحكمة، هي مجرد صفقة مالية افتراضية، مبينة أن مبلغ 35 مليار دولار المقرر دخوله إلى الاقتصاد المصري، ليس بالضرورة أن يوجه إلى خزائن الدولة، لأنه مقسم إلى شريحتين، 15 مليار دولار عند التوقيع، من بينها 10 مليارات فقط هي بمثابة ضخ جديد للنقود، والجزء المتبقي وديعة إماراتية في البنك المركزي، سيتم تبادلها عبر مقاصة بالجنيه، لاستخدامها في رأسمال المشروع، بالإضافة إلى 20 مليار دولار سيتم دفعها بعد شهرين، 6 مليارات منها مع ما يعادل الجنيه المصري أيضاً.

بين شوكت أن قلة التفاصيل حول طبيعة تطوير رأس الحكمة تجعل من الصعب تقدير ما ينطوي عليه الرقم المتوقع وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي والتي قدرها بنحو 150 مليار دولار، خلال مدة المشروع.

ورجح أن بيع منطقة كبيرة بهذا الحجم، يدل على اتجاه بتأجير جزء من أراضي المشروع لشركات أخرى لتطويرها من الداخل، وأن أرباح المشروع تأتي من بيع المنازل الشاطئية وتأجير غرف الفنادق وبيع الأراضي وتأجيرها، من الباطن، بما يبشر بأن الأمور قد تسير جيداً وتحقق ربحاً أو تفشل وتسبب خسارة لهيئة المجتمعات العمرانية، شريكة الجانب الإماراتي في النجاح والفشل في المشروع.

تكشف الدراسة أن إيرادات بيع أراضي رأس الحكمة، لا تمثل أرباحاً صافية للحكومة، كما هو الحال في باقي تعاملات هيئة المجتمعات العمرانية، في وقت ستحتاج المنطقة إلى مشروعات بنية أساسية، منها محطات الطاقة ومياه للشرب والصرف الصحي والطرق والمواصلات بما يضيف أعباء مالية على الدولة وهيئة المجتمعات العمرانية بعشرات الملايين من الدولارات، لجلب الناس إلى رأس الحكمة، بما يعني ضرورة خصم التكاليف والديون الدولارية المترتبة على هذه المشروعات من دخل رأس الحكمة بالدولار.

توضح الدراسة أن هيئة المجتمعات العمرانية ستتكبد نفقات بالدولار، بما يتطلب احتسابها ضمن عجز العملة الأجنبية وعبء الديون على الدولة، التي سبق لها أن اقترضت 3 مليارات دولار لبناء ناطحة سحاب في العاصمة الإدارية و1.9 مليار دولار لبناء مزيد من ناطحات السحاب في العلمين الجديدة، وأدى ذلك إلى قيام هيئة المجتمعات العمرانية ببيع الأراضي بالدولار لتغطية أقساط ديونها، بما يزيد من تآكل الجنيه و"الاغتيال الأخلاقي له".

يؤكد شوكت أن توقيت صفقة رأس الحكمة لتحقيق بعض التخفيف على المدى القصير من الأزمة الاقتصادية التي هي نتيجة للإنفاق الحكومي المفرط، الذي أدى إلى أزمة العملة الأجنبية، سيدفع بإعادة إنتاج الأزمة نفسها من جديد، في ظل اعتماد الدولة، على تنشيط قطاع عقاري غير مستقر.

بين شوكت أن قلة التفاصيل حول طبيعة تطوير رأس الحكمة تجعل من الصعب تقدير ما ينطوي عليه الرقم المتوقع وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي


يؤكد خبراء لـ"العربي الجديد" أن صفقة رأس الحكمة، تمت باتفاقات مسبقة بين صندوق النقد الدولي، والدول الداعمة للنظام، بهدف إنقاذ مصر من حالة إفلاس مفاجئ، أسوة بما تعرضت له الأرجنتين واليونان من قبل، بدفعها إلى بيع الأصول العامة والأراضي للمقرضين، مقابل الديون.

وأكدو أن حالة الإفلاس التي تهدد البلاد ستظل قائمة، مع ارتفاع معدلات الدين الخارجي، وعدم قدرة الحكومة على إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد، ليصبح قادراً على الوفاء بالتزامات المواطنين من السلع الأساسية والتصنيع الموجّه إلى خفض الواردات وزيادة الصادرات وفرص التشغيل.

في سياق متصل، قال وزير التموين الأسبق وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، جودة عبد الخالق: "لجوء الحكومة إلى بيع الأصول العامة من أجل الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي، يكشف عن عقلية عقيمة تدير الاقتصاد، تكرر الأخطاء نفسها التي يدفع الشعب ثمنها، وكل ما تفكر فيه هو بيع الأصول".

أضاف عبد الخالق في بيانه بـ"الحوار الوطني" أن الاستثمار الأجنبي، يبحث عن الربح السريع ويتركز في قطاعات البترول والغاز والعقارات، وهي أنشطة ريعية وليست إنتاجية.

يدعو عبد الخالق إلى ضرورة أن تتخلص الدولة من "العقلية العقيمة" التي تدير الاقتصاد بسلوك قاصر، يبحث عن الريع عبر بيع الأصول، دون خلق قيمة حقيقية من عوائد كيانات إنتاجية تنتج سلعاً وخدمات، تكون دورة اقتصادية تستطيع الدولة من خلالها الاستغناء عن بعض الواردات وزيادة الصادرات".

يشير عبد الخالق إلى أن الدولة ماضية نحو صورة قاتمة اقتصادياً، فبدلاً من العمل على تخفيض الدين العام تتجه إلى زيادة الدين الخارجي بنحو 20 مليار دولار من صندوق النقد والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، رغم بيع الأصول العامة، بما سيؤدي إلى زيادة الخلل في الموازنة العامة للدولة.

المساهمون