تهريب الأسمنت الإيراني يهدد المصانع العراقية

تهريب الأسمنت الإيراني يهدد المصانع العراقية

04 ابريل 2016
الإسمنت الإيراني يغزو العراق (فرانس برس)
+ الخط -


أثارت عملية ضبط السلطات العراقية كميات كبيرة من مادة الإسمنت أثناء دخولها البلاد قادمة من إيران، مؤخراً، جدلاً واسعاً حول خطورة التهريب على مساعي حكومية لإنعاش الإنتاج المحلي للإسمنت من 9 مصانع عراقية كبيرة، بالإضافة إلى مصانع أخرى أقل حجماً، تستخدم مواد أولية متوفرة في البلاد.

وأكدت تقارير حكومية حديثة، على ضرورة اهتمام الأجهزة الأمنية وقوات حرس الحدود بتشديد إجراءاتها لمنع التهريب الذي أربك سوق الإنشاءات الراكد في البلاد، وفقا لتقارير رسمية.

وفي هذا السياق أكد المتخصص بمجال العقارات، نذير العاني، لـ"العربي الجديد"، أن العراق يمتلك مصانع ضخمة للإسمنت في عموم البلاد قادرة على تأمين احتياجات البلاد، لكن التهريب يهدّد الصناعة المحلية بسبب انخفاض سعر طن الإسمنت المهرب إلى 300 دولار، بينما سعر المنتج المحلي يبلغ نحو 400 دولار.

وأشار إلى تكدس المنتج في مخازن بعض المصانع العراقية وعدم إقبال المواطنين والشركات عليه بسبب المنافسة غير المتكافئة مع الإسمنت الإيراني.

وأعلنت السلطات العراقية منتصف الأسبوع الماضي، عن ضبط 27 شاحنةً محملة بالإسمنت كانت معدة للتهريب داخل البلاد.

وقال مكتب المفتش العام لوزارة المالية العراقية في بيان صحافي، إن الشاحنات ضبطت داخل العراق في منفذ الشيب الحدودي مع إيران جنوب شرق البلاد دون دفع رسوم جمركية وضريبية.
وأضاف البيان، أن الشاحنات كانت محمّلة بكميات كبيرة جداً من الإسمنت تفوق حمولتها المعتادة تم ضبطها خارج الحرم الجمركي وتم احتجاز جميع تلك الشاحنات داخل المنفذ وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.

ويقع مركز الشيب الحدودي في مدينة ميسان جنوب شرق العراق نحو 305 كيلومترات جنوب العاصمة العراقية بغداد على الحدود مع إيران.

وأوضح المتخصص في مجال البناء، علي الحسن، أن الإسمنت العراقي يعتبر أفضل الأنواع على مستوى العالم لكن عدم وجود الدعم الحكومي المباشر تسبب بتوقف أغلب المصانع فضلاً عن التوجه نحو استيراد الرديء منه، وخاصة من إيران.

وتابع الحسن، أن الاستيراد العشوائي من مصادر إنتاج رديئة وبأسعار رخيصة سيسفر عن أخطار مستقبلية في مشاريع البناء تهدد بانهيارها أو تصدعها ومن المعلوم أن الحكومة العراقية تلجأ لاستيراد الإسمنت الإيراني الرديء لأسباب سياسية فقط.


وحذر جهاز السيطرة النوعية في بغداد من اتساع ظاهرة انهيار المباني بسبب الإسمنت ومواد البناء المغشوشة مثل حديد التسليح والرمل الذي يخلط مع الإسمنت كونه يحمل نسبة عالية من الطين.

وقال عضو لجنة التفتيش في جهاز التقييس والسيطرة النوعية عن العاصمة بغداد، محمد حسين أفندي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنه بسبب الحرب والأزمات السياسية وضعف الرقابة على الحدود فضلا عن عمليات الرشاوي التي يتقاضاها مسؤولون لتمرير المواد الفاسدة الداخلة في البناء، ارتفعت ظاهرة انهيار المباني التجارية والسكنية والجسور.

وأضاف أفندي، إنه في بغداد فقط سجلنا منذ مطلع هذا العام 89 عيباً وخللاً في مبان عامة وخاصة، فضلا عن عشرات حالات الهبوط في الطرق والجسور، بسبب غش الإسمنت وعادة ما يكون مهرب عبر الحدود ولم يمر على فرق الفحص والتفتيش في المنافذ الحدودية.
وتابع، أنه عادة ما يكون الغش ناجم عن انتهاء صلاحية الإسمنت او تعرضه لرطوبة أفقدته خواصه ما يؤدي الى تشققات وانهيارات في البناء.

واعتادت السلطات الأمنية العراقية خلال الفترة الأخيرة، القبض على عصابات لتهريب الإسمنت إلى العراق رغم امتلاكه أكبر مصانع إسمنت في المنطقة توقف أغلبها بسبب العمليات العسكرية والقصف الجوي الذي طاول أغلب تلك المنشآت خلال الحرب على العراق عام 2003 وما تبعها من حروب وصراعات داخلية.

وكان مدير عام شركة الإسمنت العراقية ناصر إدريس، قد كشف في تصريحات سابقة عن احتمالية انهيار صناعة الإسمنت في البلاد إذا لم تقم الدولة بوقف عمليات التهريب.

وقال مدير عام الشركة، في تصريح صحافي سابق إن صناعة الإسمنت تحتاج إلى دعم مباشر. واعتبر أن استيراد الإسمنت من الخارج فضلا عن عمليات التهريب المفتوحة لم يمكن منشآت الإسمنت العراقية من بيع منتجاتها.

وطالب عضو البرلمان العراقي علي الساعدي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، الحكومة بالعمل على وقف الظاهرة ودعم الإنتاج المحلي في نفس الوقت، فضلا عن تشديد العقوبات على مهربي مواد البناء بحيث يطبق عليهم البند التاسع عشر بقانون العقوبات الذي يقضي بالسجن المؤبد لكل من عمل على تهديد أمن ومصالح البلاد وفقا لقوله.

وأدى توقف عدد كبير من مصانع الإسمنت الضخمة في عموم البلاد، إلى ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل كبير وخاصة الإسمنت، ما دفع الحكومة لمحاولة تأهيل عدد منها واستئناف الإنتاج، إلا أن عمليات التهريب أثرت عليه، حيث يباع الإسمنت الإيراني المهرب بسعر أقل من نظيره المنتوج محليا وبفارق كبير.

وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي محمد الحمداني، لـ "العربي الجديد"، إن عملية التهريب مستمرة ولا تقتصر على الإسمنت فقط، بل على جميع المنتجات وهذا تقصير واحد لقوات حرس الحدود".

وأضاف الحمداني، أن التأثير السلبي على الاقتصاد بات واضحاً في جميع القطاعات، بسبب تلك العمليات، ويجب أن تبحث الحكومة مع إيران اتفاق شامل للسيطرة على حدودها ومنع انتقال تلك البضائع الى العراق من جانبها.
وحسب تقديرات غير رسمية، يبلغ استهلاك العراق لمادة الإسمنت نحو 18 مليون طن سنوياً لسد حاجة مشاريع البناء للأحياء السكنية والخدمية والمصانع وغيرها من المشاريع.

وتحتاج العراق إلى كميات أكبر من مواد البناء لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وكانت الحكومة المحلية في محافظة الأنبار العراقية أوضحت في وقت سابق أن إعادة إعمار وتأهيل مدن المحافظة التسع يتطلب مبالغ ضخمة، بسبب الخراب الهائل، مطالبة بتدخل دولي واسع لدعم العراق في هذا الشأن.
وأكد رئيس مجلس الأنبار، صباح الكرحوت، منذ أسبوعين، أن إعادة إعمار مدن الأنبار التي تحررت من يد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والمتضررة من جراء العمليات العسكرية، تتطلب ما لا يقل عن 20 مليار دولار، وفقاً للإحصاءات التي قامت بها لجان مختصة تم تشكيلها لهذا الغرض.

وأضاف الكرحوت، أن مدينة الرمادي وحدها تحتاج إلى نحو 9 مليارات دولار لإعادة إعمارها، لافتاً إلى أن البنية التحتية في الأنبار تعرضت لدمار كبير من قبل تنظيم داعش.


المساهمون