العراق يتأهب لحرب مياه ضد تركيا وإيران

العراق يتأهب لحرب مياه ضد تركيا وإيران

07 مارس 2018
تراجع حصص العراق من المياه (Getty)
+ الخط -
تتأهب الحكومة العراقية لدخول حرب مياه ضد كل من تركيا وإيران بدعوى قيامهما بشكل متزامن بقطع عدد من روافد دجلة والفرات وتقليل حصة بغداد من مياه النهرين. وأكملت أنقرة مؤخراً، العمل الأساسي بسد "أليسو" على نهر الفرات.
وفي هذا السياق، أكد وزير عراقي بارز بحكومة حيدر العبادي، لـ "العربي الجديد" أن العراق قد يعتبر سياسة إيران وتركيا الحالية بمثابة إعلان حرب وخاصة مع صدور أرقام وتقارير تشير إلى تصحر أكثر من ربع مليون هكتار زراعي (الهكتار = 10000 متر مربع) في العراق بفعل الجفاف الذي ضرب مدن جنوب العراق خلال الأشهر الماضية.

وأكد الوزير، الذي رفض ذكر اسمه، أن مجلس الوزراء شكل لجنة عليا أشبه ما تكون بخلية أزمة لبحث الرد أو التصرف المناسب حيال تلاعب الجيران بحصة العراق المائية خلاف المعاهدات والمواثيق الدولية.
ووفقا لتعبيره فإن "تركيا وإيران سرقتا من حصة العراقيين المائية، الأولى عبر بنائها سدودا على دجلة والفرات، والثانية عبر تحويل مجرى روافد دجلة إلى بحيرات وأنهر داخلية وتحريف مساره ومنعه من دخول العراق".
ولفت إلى أن ما لا يقل عن 30 نبع ماء من إيران تم تحريف مجراها من قبل الإيرانيين، وهناك حتى الآن 17 قرية جنوب العراق وشماله بدأت فيها هجرة من قبل السكان بفعل شح المياه خاصة أنهم يعيشون على صيد السمك والزراعة".

وتابع: "العراق ليس ضعيفا بل يستطيع الرد إذا ما شعر أنها حرب فعلية عليه، وحتى الآن ننتظر جوابا أخلاقيا من دول الجوار" على حد قوله.
ومن جانب ثان، أكدت مصادر مسؤولة لـ "العربي الجديد" أن اللجنة العليا التي شكلت تشمل ممثلين من وزارات الخارجية والموارد المائية والزراعة والصناعة والداخلية لبحث الإجراءات اللازمة لمواجهة الأزمة.

وفي هذا السياق، كشف رئيس لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي فرات التميمي لـ "العربي الجديد" أن أزمة المياه تتفاقم في العراق، وحتى الآن لا توجد لها حلول جذرية، موضحاً أن الأمطار الأخيرة "أسعفتنا وصار لدينا مخزون جيد في البحيرات والسدود والخزانات".
وأضاف: "لكن تبقى إجراءات الحكومة دون الطموح في هذا الملف حتى الآن، كما أنه لم توضع خطة طوارئ لتقليل الاستهلاك".

واتهم التميمي إيران وتركيا بالاستفادة من ضرب القطاع الزراعي كون العراق سيزيد الاستيراد منهما. واستغرب من غياب دور وزارة الخارجية بشكل كامل فيما يخص هذا الملف وقال: "نحن نسجل تحفظا على وزارة الخارجية لأنه لا يوجد لديها أي دور في ملف المياه وخصوصاً مع دول الجوار".
وفي الشهر الماضي أطلق وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي تصريحات غير مسبوقة، قال فيها إن هناك مخاوف من تعرض مناطق جنوب العراق إلى جفاف كبير، بسبب شح المياه في الصيف المقبل ضمن مناطق جنوب العاصمة بغداد ومدينة الناصرية ومدن أخرى، وعدم سقوط أمطار خلال موسم الشتاء الحالي وتراجع حصص العراق المائية.

وأوضح الجنابي في تصريح لمحطة تلفزيون محلية عراقية أن "الصيف المقبل من المتوقع أن يشهد جفافاً قاسياً في العراق نتيجة الحرارة الشديدة المتوقعة وارتفاع نسبة التبخر وكل المؤشرات تدل على ذلك".
وارتبط وجود العراق بحضاراته القديمة والحديثة بنهري دجلة والفرات، فهما مصدر النماء والبقاء لبلاد ما بين النهرين.

وينبع نهر دجلة من جبال طوروس جنوب شرق الأناضول في تركيا، ويمر عبر سورية بمسافة 50 كلم في القامشلي ليدخل العراق عند بلدة فيشخابور ثم الموصل وصولا إلى بغداد مرتفعا إلى أقصى الجنوب حتى البصرة حيث يشكل مع نهر الفرات شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.

ويغذي نهر دجلة مجموعة كبيرة من الروافد النابعة من الأراضي الإيرانية والتركية الحدودية مع العراق منها الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم ونهر ديالى، وهذه الروافد تمثل ثلثي مياه النهر والثلث الأخير يأتي من ينابيع الأناضول التركية ويعيش بمحيطه حاليا أكثر من 20 مليون عراقي، حيث يعتبر المصدر الأول لمياه الشرب والزراعة والصناعة.
أما الفرات فهو أطول نهر في المنطقة العربية وينبع من جبال طوروس في تركيا، وتنضم إليه عدة روافد قبل دخوله الأراضي السورية عند مدينة جرابلس مرورا بدير الزور ثم البو كمال، ومنها يدخل العراق عبر مدينة القائم بمحافظة الأنبار غربي البلاد مرورا بالفلوجة ثم يتجه إلى مناطق محاذية لبغداد ثم جنوب العراق ليلتقي مع دجلة في البصرة أيضا، ويعتبر الفرات والنيل في مصر أغزر نهرين عربيين، حسب تقارير دولية.

وتوقع مستشار مركز التخطيط الحضري والريفي بالعراق محمد عبد اللطيف العمري أن تبلغ خسائر العراق في مجمل القطاعات المتضررة من الجفاف خلال العام الحالي أكثر من 10 مليارات دولار.
وأوضح العمري في حديث سابق لـ "العربي الجديد"، أن الجانب التركي يرفض حتى الآن اعتبار دجلة والفرات نهرين دوليين مشتركين بين ثلاث دول هي تركيا وسورية والعراق، ويصر على أنها أنهر تركية، وهذا ما يعيق أي تحرك دولي بهذا الإطار خاصة في مسألة بناء السدود والقضية ولا يمكن أن تتحول إلى ملف مثل نهر النيل وأزمة مصر مع دول الجوار.

وأضاف أن "الخسائر لن تقتصر على المادية فقط بل ستكون لها آثار وخيمة على المجتمع والتغيير الديمغرافي الذي سيطرأ في مدن الجفاف".
وبيّن أن العراق يصله حاليا نحو 7 مليارات متر مكعب من دجلة سنوياً بعدما كانت 20 مليار متر مكعب، ويمكن ملاحظة الفارق والتجاوز الحاصل".

فيما أوضح عضو البرلمان العراقي علي البديري لـ "العربي الجديد" أن "أزمة المياه خطيرة جداً وتنذر بحروب مياه قسم منها داخلي بين المحافظات والقسم الآخر بين الدول لأن قضية المياه خطرة، ولا يمكن السكوت عليها"، مضيفاً: "أعتقد أن هناك أطرافا خارجية وأخرى داخلية تدفع البلد باتجاه حروب مياه شرسة".
وبين أن الجارة تركيا هي التي بدأت تتعامل مع هذا الموضوع بقسوة عالية، أما إيران فهي تقطع المياه عنا بشكل غير علني وبالخفاء. وتابع: "إيران وتركيا تقطعان المياه وسورية إذا استقر الوضع بها أيضا ستقطع المياه عن العراق والحكومة لا تعطي أي أهمية لهذا الملف".

وفي السياق نفسه، طالب النائب عن التحالف الوطني أحمد صلال الحكومة العراقية، خلال حديثه لـ "العربي الجديد" بالضغط اقتصادياً على تركيا لضمان توفير كميات مناسبة من المياه للعراق. واقترح على الحكومة العراقية تدويل قضية أزمة المياه وعرضها أمام الأمم المتحدة، لأنها ستتسبب بكارثة بيئية وإنسانية تعيشها محافظات الوسط والجنوب.
إلى ذلك، قال الخبير الزراعي عادل مختار لـ"العربي الجديد" إن حرب المياه "بدأت منذ فتره ليست بالقصيرة حيث قامت إيران بقطع 38 رافدا مائيا كانت تصل للعراق وأدخلتها لبلدها، أما بالنسبة لتركيا، فمنذ سنين طويلة بدأت تخفض مناسيب نهر الفرات إلى أن وصل إلى نسب متدنية جداً".

وأضاف أن تركيا ستنتهي من بناء سد أليسو وستقطع 45 % من إيرادات نهر دجلة القادمة إلينا من تركيا. وقال إن على إيران تفعيل اتفاقية شط العرب.
ومن جانبه، أوضح الخبير الجيولوجي العراقي إبراهيم المرشدي، أن إيران عملت على تغيير مجرى مياه الأنهر المغذية لنهر دجلة إلى أنهر وخزانات جديدة داخل أراضيها ضمن خطة لقطع المياه المتدفقة إلى الأراضي العراقية، مشيراً إلى قطع إيران المياه عن نهري الوند المار عبر مدينة خانقين (في محافظة ديالى شمال شرقي بغداد) ونهر الزاب الصغير في مدينة السليمانية شمال العراق.


المساهمون