"السّامر"... إرث فلسطيني لا يزال حاضراً

"السّامر"... إرث فلسطيني لا يزال حاضراً

20 سبتمبر 2016
يعتبر السّامر شرطاً أساسياً في الأعراس التقليدية (العربي الجديد)
+ الخط -
يُناظر الحاج سالم البحيصي صفًا مستقيمًا من رجال العائلة أمامه، يمارسون تراثهم الفلسطيني المعروف بـ"السّامر"، وما يمر عبر ذهنه حينها إلا شريطٌ من الذاكرة يُرجعه إلى أعوام مضت، عندما لم تخذله قدماه للوقوف واستواء السّطر معهم، لإحياء التراث الذي تتمسك به العائلة في الليلة التي تسبق زفاف أحد أبنائها.
ويوضح البحيصي (73 عاما) لـ"العربي الجديد"، أن السّامر هو أحد طقوس التراث الفلسطيني الذي تتمسك به عائلته على مدار السنين الماضية، ولا يُقام حفل زفاف واحد دون إقامته قبله، معتبرًا إياه شرطًا لزواج أيٍ من أبناء العائلة، ويُعزز من مكانتها بين غيرها من العوائل الفلسطينية.
ويُعرف الحاج البحيصي "السّامر" على أنه نوع من الحفلات الشعبية التي تتغنى بها العائلة قبل مناسبة الزفاف، إذ يصطف من خلاله عدد غير محدد من الرجال بشكل مستقيم أو نصف دائري، مقسمين لفريقين، يردون على بعضهم بأبياتٍ شعرية من نفس المعنى، تتخللها إملاءات حركية متناسقة يقودها "بدّاع" أو مُلقن الأشعار لكل فريق.
سنونٌ تمضي وأجيال تتوالى وما زالت عائلة البحيصي من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تحافظ على هذا النوع التراث الفلسطيني، الذي يُرجع السبعيني أصله إلى القبائل التي سكنت الجزيرة العربية، ونقلته معها إلى فلسطين كما لغيرها من البلدان العربية، متمسكين به كما بجذورهم التي تعود إلى قرى السوافير الفلسطينية المحتلة.
ويبين البحيصي أن "السّامر" يعتمد على مجموعة من الرجال يصطفون سطرًا مستقيمًا متراصين الكتف بالكتف، مقسمين لفريقين بقيادة شخصين، يقومون بالارتجال بالأبيات الشعرية ويعطون الاملاءات الحركية والكلمات التي يرددها خلفه كل فريق على حدة، كشكل من التنافس في ما بينهم.
ويضيف أن قائد المجموعة يكنى بـ"البداع" وهو الشخص الذي يجب أن يتمتع بالفطنة والموهبة الشعرية والقدرة على الرد على مُنافسه في الأبيات الشعرية بنفس المعنى ونفس وزن البيت الشعري، موضحًا أن "السّامر" يتناول مواضيعًا كالهجاء والفخر والمدح والغزل إضافة للقصص البطولية.
ويتابع أن باقي الفريق يُسمون بـ"الرّديدة" الذين يرددون الأشعار التي يُلقنها لهم بدّاعهم، متراصين الأكتاف يتمايلون يمينًا ويسارا، وطلوعًا ونزولاً حتى تحريك الأيادي بشكل يجذب المتابعين لهم، كونه يجب تنفيذ هذه الحركات بتناسق تام ووفقًا للأشعار والمعاني الذي يرددونها خلف مُلقنهم.
وغالبًا ما يستمر هذا الإرث التاريخي الذي تحافظ عليه العائلة، لساعات، على عكس ما كان قديما يمتد إلى ليالٍ وأيام قبيل إقامة حفل الزفاف، بحسب البحيصي الذي يكمل حديثه لـ"العربي الجديد" ويضيف أن "السّامر" يُشارك ضمن مهرجانات الفن التي تقام إحياءً لأنواع التراث الفلسطيني.
ويستذكر السبعيني كيف لم يُفوت ليلة سامر واحدة للعائلة، بينما كان قابعًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي قبل 10 أعوام، إذ عايش أجواء ذلك الإرث عبر مكالمة هاتفية أجراها من داخل السجن دون علم سجّانيه، وأخذ يُلقن المُسامرين أبياتًا شعرية رددوها خلف صوته الخافت عبر الهاتف.
ويُفرق البحيصي بين السّامر و"الدّحية"، إذ إن الأخيرة ترتبط بالبدو الفلسطينيين، وتأخذ شكلاً واحدًا من الكلمات، على عكس ما يتبعه السامر المرتبط بسكان قرى السوافير المحتلة، والآخذ بحركات وأشكالٍ متنوعة تختلف شكلاً ومضموناً عن الدحية.
ويرى السبعيني أن السّامر إرث لفلسطين ولعائلة البحيصي بشكل خاص، ولا يمكن التفريط به أو التخلي عن إحيائه في أي مناسبة تمر على العائلة، مضيفًا أن العديد من العائلات الفلسطينية تخلّت عن هذا التراث، إلا أن هناك من يبقى محافظًا على عبق الأصالة الفلسطينية وثقافاتها.
من جانب آخر، يعدّ نصر البحيصي واحدًا من 5 بدّاعين داخل العائلة، ويوضح أن مهمة المُلقن التي أبدع بها منذ صَغره ليست بالسهلة وتتطلب جهدًا عقليًا وبدنيًا كبيرين، كون صاحبها يجب أن يكون ذا خلفية شعرية وحافظًا للمئات من الأبيات، إضافةً لقدرته على الارتجال وقيادة صف المُسامرين.
ويبين نصر (54 عاماً) لـ"العربي الجديد"، أن الحفل يبدأ من المُلقن والمرددين بذكر رسول الله والصلاة عليه، من ثم المدح ببيت أصحاب الفرح والترحيب بهم، وصولاً إلى أبواب أخرى من الشعر المتعلقة بالغزل والهجاء والفخر والمدح.
ويؤكد الخمسيني أن السّامر يعود إلى أصول القبائل العربية التي قدمت من الجزيرة العربية، في بيتٍ يُردده في كل مناسبة يقول في نصه "يا حسرتي حمّلوا يا حسرتي شالوا جابوا المويلح ومن راس الشفا مالوا" إشارةً إلى جبلي المويلح وراس الشفا الواقعان في السعودية.
ويروي نصر أن حفظ الأبيات الشعرية وتلقينها يدفع بروح المنافسة بينه وبين مُلقن آخر، تتخللها حركات الرجال المشاركين والتي تُلهب حماس الأشخاص المتابعين لهم، مضيفاً أن السّامر يمثل رسالة وطنية وتراث فلسطيني أصيل تحافظ عليه عائلة البحيصي ولا تتنازل عنه مع مرور السنين.

المساهمون