السينما كرحلةٍ وتأمّل... "شاشات الواقع 13" في بيروت

السينما كرحلةٍ وتأمّل... "شاشات الواقع 13" في بيروت

01 مايو 2017
من "فيوكوأماري" للإيطالي جيانفرانكو روزي
+ الخط -
يُشكِّل الأسبوع السينمائي الوثائقيّ، والذي اعتادت "جمعية متروبوليس" (بيروت، لبنان) تنظيمه سنوياً، مساحة خصبة بالعناوين المثيرة للجدل، كما بمتعة المُشاهدة والتنبّه إلى نماذج حيّة من جماليات الصناعة الوثائقية الدولية. فأسبوع "شاشات الواقع" ـ الذي تُقام دورته الـ 13 بين 4 و9 مايو/ أيار 2017، في صالة سينما "متروبوليس" في بيروت ـ يُصبح انعكاساً سينمائياً لمعنى الصورة الوثائقية، ولوقائع العيش في راهنٍ مُثقَلٍ بأسئلة الحياة والموت، وما بينهما من مواضيع آنيّة، تتناول أحوال الناس والمجتمعات.

ولئن يجتهد منظّمو "شاشات الواقع"، عبر أعوام مديدة من العمل السينمائيّ، في تمكين الفيلم الوثائقي الدولي من تواصلٍ حيويّ مع مُشاهدين، يُتقنون فنّ الإصغاء إلى نبض النتاج، وفنّ الاستماع إلى المكامن الخفيّة في مضامين الأفلام ومناخاتها ومساراتها وجمالياتها؛ فإن الأعمال الـ 7 المختارة للدورة الـ 13 تستكمل هذا المشروع السينمائيّ، المفتوح على معنى الوثائقيّ، وكيفية اشتغالاته المتنوّعة، وأحوالٍ مختلفة للاجتماع والسينما معاً.

لن تكون خيارات الدورة الـ 13 محصورةً، فقط، في أهوالٍ يشهدها العالم حالياً، أو في مطبّات الانقلابات الخطرة التي تعيشها مجتمعات عديدة، أو في أسئلة الوجود والتأمّل في المستقبل، وفقاً لانهيارات الراهن، وتعقيداته وارتباكاته وتحوّلاته. فللسينما الوثائقيّة حضورٌ يتوزّع على مسارين تاريخيين متكاملين: الأول معنيّ بالبدايات التأسيسية للفن السابع، عبر "لوميير! المغامرة بدأت" لتييري فريمو، والذي يختتم هذه الدورة؛ والثاني منشغلٌ باستعادة ماضٍ حافلٍ بالنتاجات السينمائية الفرنسية، مع "رحلة عبر السينما الفرنسية" لبرتران تافيرنييه.

يستعين تييري فريمو (مدير "معهد لوميير" في ليون، ورئيس "جمعية الأخوين لوميير"، والمندوب العام لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدولي)، لإنجاز فيلمه هذا، بمقتطفات من 108 أفلام قصيرة لمن يُعرفان بكونهما "مؤسِّسَي" هذا الفن: أوغست ولوي لوميير. أفلام أعيد ترميمها بتقنيات حديثة للغاية، وبنوعية باهرة، "تتيح إمكانية إحياء هذه الأفلام الأولى في تاريخ السينما"، علماً أنها مُصنّفة بحسب مواضيعها: الأصول، العائلة، باريس، 1900، العالم، إلخ.

التعليق الصوتيّ لتييري فريمو نفسه، الذي يصنع، عبر المقتطفات، شهادة سينمائية عن بدايات القرن الـ 20، وعن التقنيات السينمائية المُكْتَسَبة من قِبل الأخ الأصغر لوي، علماً أن شقيقه أوغست يؤدّي دور الممثل، غالباً. ويظهر الأميركي مارتن سكورسيزي في الفقرة الأخيرة، المعنيّة بإعادة ترميم، تمّت في 19 مارس/ آذار 2016، لأول فيلم للأخوين لوميير، بعنوان "الخروج من مصنع لوميير في ليون".

أما الوثائقيّ الأخير للفرنسي برتران تافيرنييه ـ المولود، هو أيضاً في ليون، كالأخوين لوميير، ورئيس "معهد لوميير" ـ فينقل تعليق صاحبه على 93 فيلماً، تختزل فضاءات كثيرة، في بلدٍ يُعتبر أول صانع للسينما، وفي حيّز جغرافيّ لن يكون أقلّ من شاهد مؤثِّر وفاعل ومُشارك ومساهم في تحوّلات مختلفة، يشهدها العالم خلال القرن الـ 20، أي خلال قرن السينما أيضاً.

التأمّل السينمائي الوثائقيّ في أحوال السينما، ومشاغل ناسها والمجتمع والثقافة والإبداع والحياة العامّة، في هذين الوثائقيين، مُلحَقٌ ـ بحسب البرنامج الخاص بالدورة الـ 13 ـ بتأمّل وجوديّ عميق للأميركي تيرينس ماليك، في "رحلة الزمن: يوميات حياة"، الذي يفتتح الدورة نفسها.
السينمائيّ المقبل إلى صناعة الصورة من دراسة الفلسفة وتدريسها، والمُقلّ في إخراج الأفلام، التي بدأ بتحقيقها عام 1973 (أراضٍ سيئة)، يذهب في رحلة بصرية إلى المساحات الشاسعة للكون، مُقدِّماً نشيداً له وللطبيعة، ومتسائلاً عن دور الإنسان في صناعة المستقبل، ومتوقّفاً، بشكلٍ أساسيّ، عند الجوهري، بالنسبة إليه: "بعد تلك الأزمنة اللامتناهية، ما هو معنى مرورنا في الحياة، على هذه الأرض؟".

والتأمّل يتّخذ من الصورة السينمائية ـ الوثائقية تحديداً ـ أداة بوح، يظهر في سردٍ بصريّ بعنوان "حجر وطائر" لفولغا، إذْ يتابع وقائع عودة أحدهم إلى ماضٍ، رغم أن صيفاً جديداً يبدأ "غداً". لكن المسألة تكاد تكون مبنية على "اللذّة"، التي يُقدّمها الفيلم انطلاقاً من أن كلّ شيء هو "رحلةٌ" في هذا العالم.

في المقابل، يتابع الإيطالي جيانفرانكو روزي ملامح الحياة اليومية في الجزيرة الإيطالية "لامبادوزا"، في "فيوكوأمّاري ـ نار في البحر". لكن الملامح لن تُقتَصر على أبناء الجزيرة، في علاقاتهم وعوالمهم وروتين أحوالهم، لأنها تواكب اللحظات الأولى لوصول مهاجرين إليها، عبر بحرٍ يمتلئ، بين حينٍ وآخر، بجثث بعضهم، هم الساعين إلى أمكنة أهدأ وأسلم وأكثر إنسانية من تلك التي يُقيمون فيها، في عالم مضطرب.

أما "سفاري" للنمساوي أولريخ سايدل، فيرافق سيّاحاً ألماناً ونمساويين في رحلتهم إلى أفريقيا، بينما يُقدِّم "يابندجو" لبانوس أبراهاميان يوميات أرمن البلدة اللبنانية عنجر، والتي تبعد كيلومترات قليلة عن الحدود مع سورية، في ظل ارتباكات اللحظة الراهنة.


المساهمون