ألم يحن وقت تجديد التكريم السينمائي؟

ألم يحن وقت تجديد التكريم السينمائي؟

26 يونيو 2023
مارتن سكورسيزي: تجربة مهنية في ترميم الأفلام يُستفاد منها (تيم بي. ويتْبي/Getty)
+ الخط -

 

اختيار السينمائي المصري يُسري نصرالله لتكريمه في الدورة الـ45 (15 ـ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، بمنحه جائزة "الهرم الذهبي لإنجاز العمر"، مناسبة لطرح سؤال: ألم يحن الوقت لإيجاد أشكالٍ أخرى للتكريم، غير تلك المُقامة ببلادةٍ سنوية، غير المفيدة سينمائياً، رغم أنّ المُكرَّم/المُكرَّمة فرحٌ به، وبعضهم ـ الأصدق مع نفسه والسينما والحياة ـ يستحقّ الأهمّ من تكريمٍ عابر؟

مهرجانات عربية وغربية، بعضها مُصنَّف فئة أولى، تكتفي بتكريمٍ تقليدي، يُنظَّم غالباً في افتتاح كلّ دورة سنوية: درعٌ لاحق على كلام عادي "يُقال" للجميع، مع تعديلات طفيفة، طبعاً. أحياناً، يُصدر مهرجانٌ (عربي تحديداً) كتاباً، فائدته الوحيدة أنّ فيه معلومات (تحتاج إلى تدقيق أصلاً)، وكلام للمُكرَّم/المُكرَّمة يُحسَب له أو عليه، لكنّه يبقى "مرجعاً" ما.

غربياً، يُطلَب أحياناً من المُكرَّم/المُكرَّمة لقاء عام (ماستر كلاس، حوار مفتوح) يقول فيه تجربته وأحاسيسه ونظرته إلى السينما وفيها وعنها. بمناسبة تكريم الأميركي مايكل دوغلاس في افتتاح الدورة الـ76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لمهرجان "كانّ"، تُنتج "آرتي فرنسا" و"فولامور للإنتاج" وثائقياً بعنوان "الابن الضال" (2023) لأمين ميسْتاري ("العربي الجديد"، 31 مايو/أيار الماضي)، يتحدّث المُكرَّم فيه، وتستعاد لحظات من سيرته، ارتكازاً على كونه ابن كيرك دوغلاس. هذا نوعٌ من تكريمٍ يُحسَب لصانعيه.

هذه اقتراحاتٌ:

1-) ترميم فيلم واحد على الأقلّ. المال؟ مؤسّسات دولية وجهات مختلفة معنية بترميم الأفلام، مستعدة لذلك، منها تجربة مارتن سكورسيزي، ومؤسّسته المعنية بالترميم. خاصة أنّ السينمائي الأميركي متابعٌ للسينما العربية، بشكلٍ ما. إعلانه إعجابه بـ"بس يا بحر" (1972) للكويتي خالد الصدّيق (1945 ـ 2021)، وقولٌ لمعارف له عن اطّلاعٍ مهنيّ وثقافي، ومشاهدات أيضاً، على أفلامٍ عربية، ربما يكونان دافعاً إلى تواصلٍ معه لترميم أفلامٍ لمُكرَّمين/مُكرَّمات عربٍ، في مهرجانات عربية. تجارب الترميم حاضرةُ، وجهات أجنبية عاملةٌ في هذا المجال، ومنفتحة على السينما العربية، لكنّ السابق مثلٌ واحدٌ فقط.

هذا يطرح سؤالاً متعلّقاً بآلية الاختيار: عاملون/عاملات في السينما العربية يُكرَّمون في مهرجانات عربية، من دون أنْ يستحقّوا أي تكريمٍ، أو أقلّه تُثير اشتغالاتهم تساؤلات نقدية عن مدى جدّية ما يُنجزون.

تجربة لبنانية تخطر في البال: قبل 6 أعوام (2017)، تُرمِّم "أبّوط للإنتاج" (بيروت) أول فيلم للّبناني جورج نصر (1927 ـ 2019)، "إلى أين؟" (1957)، بمناسبة مرور 60 عاماً على إنجازه، ومشاركته في الدورة الـ10 (2 ـ 17 مايو/أيار 1957) لمهرجان "كانّ" السينمائي، الذي ستختارها (النسخة المرمّمة) إدارتُه لعرضها في قسم "كلاسيكيات كانّ"، في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/أيار 2017)، احتفاء به وبالفيلم معاً. شركة الإنتاج اللبنانية نفسها تُنتج، في هذه المناسبة، فيلماً وثائقياً بعنوان "نصر" لبديع مسعد وأنطوان واكد.

هذا نوعٌ من التكريم يُركَن إليه. التمنّي كبيرٌ بتكراره، لبنانياً وعربياً، من مهرجاناتٍ عربية، ومؤسّسات وجهات أكاديمية وإنتاجية مختلفة أيضاً.

 

 

2-) تأمين إنتاجٍ أو تمويل، على أنْ يليق "المبلغ المالي" بالمُكرَّم/المُكرَّمة، وأنْ يكون لهما مشروعٌ يحتاج إلى ميزانية إنتاجية لتحقيقه. المال، إذْ يعتَمده "تكريمٌ" كهذا، يُمكن تأمينه، فمهرجانات عربية مختلفة، رغم أنّها خاضعة لسطوة سلطة سياسية أمنية حاكمة، قادرةٌ على تخصيص مبلغ لائق من ميزانيتها بهذا التمويل/الإنتاج/الدعم: ألن يكون "جميلاً" و"محترفاً" تحويل مصاريف تُدفع لقاء مسائل غير نافعة وغير مهمّة، سينمائياً، إلى مساهمة فعلية في إنتاج/تمويل مشروع؟

3-) تمويل دراسة أكاديمية أو نقدية تبتعد كلّياً عن الكلام الانفعالي والسطحي والتكريمي، يقوم بها طلاب/طالبات جامعيون، أو نقّاد يُفضَّل أنْ يكونوا من جيل الشباب، وفي دول عربية عدّة هناك نقّاد شباب موثوقٌ باشتغالاتهم واشتغالاتهنّ النقدية والسجالية والبحثية/الأكاديمية، لتفعيل تواصل علمي معرفي نقدي سجالي بين أكثر من جيل.

4-) تمويل كتابٍ جدّي، يرتكز على حوار طويل مع المُكرَّم/المُكرَّمة، يكون نقدياً وسجالياً، لا مجرّد تفخيم وتقديس وخبريات لا معنى لها في النقد السينمائي. هنا أيضاً يُفضَّل التعاون مع نقّاد شبابٍ. تجربة أحمد شوقي، رغم تواضعها، صالحةٌ لأنْ تكون مثلاً على ذلك، لما في حواراته مع داود عبد السيد (2014) ويسري نصرالله (2017) وخيري بشارة (2017) من نقاشٍ يُركَن إليه.

5-) تمويل كتابٍ، يتضمّن سيناريو فيلم للمُكرَّم/المُكرَّمة، وهذا حاصلٌ في المكتبة السينمائية العربية، وإنْ بشكلٍ نادر جداً، وسيناريوهات مؤلّفة عربياً منشورة في كتبٍ، وأخرى مترجمة إلى اللغة العربية. تجربتا اللبناني إبراهيم العريس ("المحاكمة" لأورسون ويلز نموذجاً) والمصري عاصم زكريا ("اسكندريه ليه" ليوسف شاهين، و"رماد وناس" لأندريه فاغدا، و"صمت الحملان" لجوناثان ديم، وغيرها) ماثلةٌ في الذاكرة، رغم قلّة الكتب/السيناريوهات، وهذا دافعٌ إلى تجديد تجربة كهذه، طالما أنّ دور نشر كثيرة غير مكترثةٍ بها.

لكنْ، مهنيّاً بدرجة أساسية، "يجب" على كتبٍ كهذه (دراسات، حوارات، سيناريوهات عربية) أنْ تصدر بطبعة فاخرة، حسنة التصميم والتنفيذ، مع صُور بالألوان، أو بالأسود والأبيض، بحسب أفلام المُكرَّم/المُكرَّمة، من دون مقدّمات، كي لا تغرق المقدّمات في ثرثرة كلامية/كتابية لا فائدة منها، بحجة أنّ الإصدار حاصلٌ في مناسبةٍ تكريمية.

أكتب هذا كلّه، وشعور بأنْ لا أحد مكترثٌ طاغٍ عليّ. السابق غير معنيّ بتكريم يسري نصرالله فقط، فالتكريم هذا دافعٌ إلى كتابة السابق، لا أكثر.

المساهمون