البرامج الترفيهية... متابعة الفراغ على الشاشات المصرية

البرامج الترفيهية... متابعة الفراغ على الشاشات المصرية

15 فبراير 2023
هل تعود منى الشاذلي بما هو جديد ومختلف؟ (فيسبوك)
+ الخط -

كان الاعتقاد السائد، في السنوات الأخيرة، أن العصر الحالي هو الأنسب للبرامج الترفيهية في القنوات التلفزيونية المصرية، بسبب الهروب من البرامج السياسية والاجتماعية والتضييق على المحتويات السياسية التي كانت رائجة في فترة ما بعد ثورة 25 يناير، خاصة بعد تخلي منى الشاذلي عن مكانتها كإحدى أشهر مقدمات البرامج السياسية في تلك المرحلة، وانتقالها إلى البرامج الترفيهية من خلال "معكم" على قناة سي بي سي. لكن، بعد سنوات من تحولها، لم ينضم إليها أحد، وأصبحت تقريبًا الممثلة الوحيدة للبرامج الترفيهية على الشاشات المصرية.

غابت منى الشاذلي بعد حلقة رأس السنة 2023 التي استضافت فيها الممثل محمد رمضان، وحصلت على إجازة من برنامجها، في نفس الوقت الذي حصلت فيه منافستها الوحيدة، إسعاد يونس، على إجازة إجبارية من برنامجها "صاحبة السعادة" على قناة دي إم سي، بسبب مرورها بأزمة صحية، فغاب معهما المحتوى الترفيهي لأسابيع عن الإعلام المصري الذي ظهرت حاجته إلى هذا النوع من البرامج التلفزيونية، واكتشاف عدم وجود منافسين آخرين، أو خطط بديلة لتعويض المشاهد عن فترة راحتهما.

تعاني صناعة البرامج الترفيهية في الإعلام المصري من عدة أزمات، أولها وأبرزها قلة عدد هذه البرامج، وغياب المنافسة بسبب إدارة شركة المتحدة للخدمات الإعلامية معظم القنوات الفضائية في البلاد، كما توقفت عدة برامج في السنوات الأخيرة، ولم تستطع الصمود وسط الأزمات المادية.

ففي بداية انطلاق "دي إم سي" عام 2017، وقبل ظهور شركة المتحدة للخدمات الإعلامية بشكلها الحالي، شهد الإعلام المصري طفرة في البرامج الترفيهية، من خلال حصول القناة الوليدة على حقوق عرض عدة برامج ترفيهية من إنتاج عدة شركات أخرى، ومنها "بيومي أفندي" من تقديم الممثل بيومي فؤاد، و"عيش الليلة" من تقديم أشرف عبد الباقي، و"تعشبشاي" من تقديم غادة عادل، و"شيري ستوديو" من تقديم شيرين عبد الوهاب، وعدة برامج أخرى مثل "ده كلام" و"قعدة رجالة".

ولكن معظم هذه البرامج توقفت بعد موسم أو اثنين فقط من عرضها، وعادت الشاشة خاوية من البرامج الترفيهية مرة أخرى، واستمر الثنائي منى الشاذلي وإسعاد يونس في المنافسة، وعادت نفس الظاهرة عام 2019، من خلال قناة الحياة التي أطلقت عدة برامج بعد انضمامها إلى "المتحدة للخدمات الإعلامية"، مثل "شريط كوكتيل" من تقديم هشام عباس، و"قهوة أشرف" لأشرف عبد الباقي، و"أقوى أم في مصر"، قبل أن تتوقف بعد المواسم الأولى أيضاً.

المفهوم المحدود في صناعة البرامج الترفيهية في مصر كان السبب الأول في عدم استمرار هذه المحاولات في صنع خريطة برامجية مليئة بالمحتويات الترفيهية. وقعت الصناعة في عدة أخطاء بسبب هذا المفهوم، وعلى رأسها أن البرامج الترفيهية يجب أن يقدمها فنانون، فأصبحت عبارة عن فنانين يستضيفون زملاءهم، ما تسبب في تكرار الضيوف والمحتويات في معظم البرامج في نفس فترة العرض. وكذلك عدم استمرار البرامج نفسها لترك الفنانين البرامج والعودة إلى تصوير أعمالهم التمثيلية التي تعتبر المهنة الرئيسية لهم.

من المفاهيم الخاطئة أيضاً التي أضافت مزيداً من حالة الفقر والملل على هذه النوعية من البرامج الاعتقاد أن البرامج الترفيهية يجب أن تكون حوارية أو غنائية أو ضيوفها فنانين فقط، وهو الأمر الذي أصبح مع مرور الوقت محل سخرية من الجمهور بسبب تكرار الأسئلة والضيوف وطريقة اختيارهم، مثل اتجاه منى الشاذلي لاستضافة النجوم المتزوجين حديثاً، أو تكرار فقرات بكاء الضيوف في البرنامج بعد تذكر بداياتهم، وكذلك تكرار إسعاد يونس فقرات الطبخ مع الضيوف التي كانت في السابق محاولة منها للاختلاف عن برنامج منى الشاذلي.

لنفس السبب، نجحت قناة إم بي سي مصر في منافسة قنوات "المتحدة للخدمات الإعلامية" في صناعة تجارب ناجحة تجارياً في المحتوى الترفيهي، عبر الاستثمار في المذيعين بدلاً من الفنانين، وفي البرامج المستمرة طوال العام، مثل ياسمين عز التي تتصدر المشهد حالياً ببرنامجها المثير للجدل "كلام الناس"، فهي تظهر على الشاشة منذ عام 2020 بـ"ليلة الخميس"، قبل برنامجها الأخير المستمر منذ 2021.

إلى جانب التكرار، تعاني البرامج الترفيهية المعتمدة على الحوارات مع الفنانين الضيوف من أزمات مالية، بسبب حصول الضيوف على أجور كبيرة مقابل الظهور فيها. وفي نفس الوقت، لا تمتلك القنوات الفضائية الجرأة لكي تستثمر في محتويات ترفيهية لا تعتمد على أسماء النجوم والمشاهير. كانت هناك تجارب قليلة من هذا النوع، وكانت تبشر بنجاح كبير قبل اختفائها، مثل "أقوى أم في مصر" الذي اعتمد على استضافة أمهات مصريات وإجراء مسابقة بينهن من خلال أسئلة اجتماعية طريفة.

التجربة الأشهر والأكثر اختلافاً في السنوات الأخيرة تمثلت في برنامج "أبلة فاهيتا" الذي قدم مفهوماً جديداً في البرامج الترفيهية من خلال تقديم الدمية فاهيتا، وعرض فقرات تحمل سخرية اجتماعية لاذعة وأحياناً جريئة للغاية، مع الاعتماد على فقرات حوارية مع الجمهور إلى جانب المشاهير، ولكن البرنامج لم يصمد أمام القيود الرقابية رغم نجاحه الشعبي الكبير.

يغلب على معظم التجارب الترفيهية الجديدة في الإعلام المصري غياب الهدف التجاري وجذب الجمهور، مقابل الاهتمام بالدعاية للمشروعات الوطنية، مثل برنامج "الدوم" لاكتشاف المواهب، أو برنامج "الكونتينر" للممثل أحمد داوود لدعم الصناعة المحلية، وبرنامج "حياة كريمة" و"مصر تستطيع" وغيرها. ولا تملك هذه البرامج القدرات التنافسية والترفيهية لجذب الجمهور الذي يجد نفسه في كل مرة مجبراً على الاختيار بين كنبة ضيوف منى الشاذلي أو مطبخ إسعاد يونس، في ظل عدم وجود وجه خير ثالث ومبتكر للحصول على الترفيه.

المساهمون