التحريض الإسرائيلي على صحافيي "بي بي سي عربي" مستمر

التحريض الإسرائيلي على صحافيي "بي بي سي عربي" مستمر

30 يناير 2024
تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين أمام مقر "بي بي سي" في غلاسكو (جيف ميتشل/ Getty)
+ الخط -

تحرّض منظمة الضغط المؤيدة للاحتلال "كاميرا" على الصحافيين في "بي بي سي عربي"، وتتهمهم بـ"الانحياز" و"كراهية إسرائيل"، وتدعو إلى فتح تحقيق بشأن تغطية هيئة الإذاعة البريطانية للشؤون الإسرائيلية.

وأعادت هذه المنظمة، اليوم الثلاثاء، نشر تغريدة للصحافية في "بي بي سي عربي" سناء الخوري، واتهمتها بـ"الاحتفاء بمذبحة 7 أكتوبر"، ثم أشارت إلى أنها "الآن تغطي قضية محكمة العدل الدولية لبي بي سي عربي... ولا تزال حتى الآن لا تحاول إخفاء كراهيتها لإسرائيل"، و"لهذا السبب يجب إجراء تحقيق في تغطية بي بي سي لإسرائيل".

كانت الخوري قد شاركت مقالاً من "ذي إيكونوميست"، جاء فيه أن "جنوب أفريقيا ترسي سابقة رهيبة باتهام إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية"، في إشارة إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. وعلقت خوري بالإنكليزية: "هل يمكننا أن نندهش من وضوح الدعاية التي تروجها الدولة الإسرائيلية في وسائل الإعلام الغربية هذه الأيام؟ أنا شخصياً لم أشعر بالصدمة، بل فقط بالدهشة من عدد القواعد والمعايير التي يمكن كسرها لتجنب إغضاب الإسرائيليين".

تزعم "كاميرا" أنها تكرّس جهودها لـ"تعزيز التغطية الدقيقة والمتوازنة لإسرائيل والشرق الأوسط"، وللرد على ما تعتبره "تحيّزاً عاماً ضد إسرائيل" لدى وسائل الإعلام. تصدر "كاميرا" تقارير لمواجهة ما تسميه "التوصيفات غير الدقيقة والمشوّهة في كثير من الأحيان لإسرائيل وللأحداث في الشرق الأوسط"، والتي تعتقد أنها "قد تغذي التحيز ضد إسرائيل واليهود". وتحشد المنظمة الاحتجاجات ضد ما تصفه بالتغطية الإعلامية "غير العادلة"، من خلال احتكار صفحات الإعلانات في الصحف الكبرى، وتنظيم التظاهرات ضد المؤسسات الإعلامية، وتشجيع الممولين على حجب الأموال، وتنظيم رسائل الاحتجاج الجماعية للمحررين ومديري القنوات.

وفي هذا السياق، قدمت "كاميرا"، في المملكة المتحدة، 33 شكوى بشأن محتوى التقارير التي تنشرها "بي بي سي عربي" منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، والتي أوقعت أكثر من 1200 قتيل ونحو 250 رهينة.

وقد دعت أخيراً إلى إجراء تحقيق برلماني لتحميل هيئة الإذاعة البريطانية "المسؤولية عن المعايير الأساسية للدقة والحياد". وحظيت هذه الدعوة بتأييد عضو حزب المحافظين، لورد بولاك، الذي قال لصحيفة تليغراف: "يجب أن يكون هناك تحقيق مستقل واسع النطاق في تغطية بي بي سي للصراع بين إسرائيل وحماس وتعاملهم مع الشكاوى المتعلقة بها... إذا استمروا في فهم الأمر بشكل خاطئ، فهذا يشير إلى أن هناك مشكلة أساسية مع بي بي سي، مع احتمال أن تكون آراء الأفراد داخلها أكثر أهمية من متطلبات ميثاقها الخاص بالحياد".

كما عبرت إحدى المجموعات اليهودية الأكثر نفوذاً في المملكة المتحدة عن "مخاوف" بشأن تغطية "بي بي سي عربي" للعدوان الإسرائيلي على غزة. وقال مصدر منها، لـ"تليغراف": "لقد قدمنا شكاوى بشأن بي بي سي عربي، ولم ترضينا الردود".

وادعت "كاميرا" بأنه من بين 33 شكوى قدمتها، لم يتم الرد على 18 منها أو تأخر الرد عليها، وجاء الرد على 11 شكوى متأخراً، وكان الرد على أربع شكاوى فقط يتماشى مع إرشادات "بي بي سي" الخاصة للرد خلال 10 أيام عمل من تقديم الشكوى.

ورفضت هيئة الإذاعة البريطانية الاتهامات بأنها أظهرت تحيزاً في تجاهل الشكاوى. وقال متحدث باسم "بي بي سي" لـ"تليغراف"، هذا الأسبوع: "نحن نأخذ الشكاوى المتعلقة بتغطيتنا على محمل الجد، ونهدف دائماً إلى الرد عليها في الوقت المناسب. نحن ندرك أن تأخيرات قد تحصل في بعض الحالات أثناء التحقيق، وسنرد على هذه الحالات في الوقت المناسب". وأضاف: "يقدم موظفو بي بي سي نيوز عربي تغطية للصراع بين إسرائيل وغزة للجمهور في المملكة المتحدة، باللغة الإنكليزية، بالإضافة إلى العربية، ويقدمون التقارير من غزة وإسرائيل والمنطقة المحيطة في ظروف صعبة وخطيرة في كثير من الأحيان. عملهم فيه التزام بنفس المبادئ التوجيهية والمعايير التحريرية مثل جميع محتوى بي بي سي نيوز".

يذكر أن "بي بي سي" كانت قد علّقت عمل كل من مراسلة الشؤون الدينية اللبنانية سناء الخوري، ومديرة البرامج اللبنانية ندى عبد الصمد، والمراسلة المصرية سالي نبيل، والصحافي والمنتج المصري محمود شليب، والصحافية في مكتب القاهرة المصرية سلمى خطاب، والمراسل الرياضي عمرو فكري، بعد أيام من عملية طوفان الأقصى.

وبعد تحقيق داخلي، أصدرت قراراً بعدم اتخاذ أي إجراء تأديبي بحقهم، كما أبلغتهم أنهم سيخضعون "لتدريب على سياسة مواقع التواصل الاجتماعي والحياد".

هذا القرار لم يشمل ندى عبد الصمد نظراً إلى أنها لم تخضع للتحقيق. لكن عبد الصمد أعلنت، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عبر حسابها على منصة إكس، أنها ادّعت "على بي بي سي للإساءة المهنية بحقي، والضرر الذي لحق بسمعتي، وعدم اهتمامها بحمايتي من خلال السماح لـ(الصحيفة البريطانية) ذا تليغراف بنشر صورتي واسمي".

وكانت "تليغراف" قد نشرت، مساء 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الماضي تقريراً تقول فيه إن "صحافيين في الخدمة العربية نشروا تعليقات تشبّه مقاتلي حركة حماس بالمقاتلين في سبيل الحرية، بالإضافة إلى وصف الجريمة المروعة التي وقعت في 7 أكتوبر بـ(صباح الأمل)"، كما نشرت صور الصحافيين، في خطوة تشهيرية وتحريضية مباشرة.

ولم تنجح هيئة الإذاعة البريطانية منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الابتعاد عن دائرة الانتقادات والاتهامات بالانحياز. وبينما واجهت في الأسبوعين الأولين من العدوان هجوماً واسعاً بسبب تغطيتها التي تبنت الرواية الإسرائيلية، سرعان ما بدأ التململ يظهر على عشرات من موظفيها، وخصوصاً العاملين في الخدمة العربية، أو الموظفين العرب العاملين في الخدمة الدولية، والموجودين في لندن ومكاتب أخرى. وبين الاتهامات بالانحياز والتضليل، وبين غضب الموظفين، تطرح أسئلة كثيرة حول إعادة تقييم مهنية الهيئة وانحيازاتها السياسية الطاغية في ظل حرب إبادة واضحة ومباشرة ومنقولة على الهواء كتلك التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة.

وأمام هذا الواقع، اختار في الأيام الأولى للعدوان كل من الصحافي اللبناني إبراهيم شمص ومراسل شمال أفريقيا التونسي بسام بونني الاستقالة من "بي بي سي".

لكن التململ لم يكن سائداً فقط بين العاملين في الخدمة العربية، بل إن ثمانية صحافيين يعملون في المملكة المتحدة اتهموا مؤسستهم بالانحياز إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي في تغطيتها العدوان المتواصل على غزة وبتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم.

ومن ضمن الاتهامات التي وجهها الصحافيون الذين أبقيت هوياتهم طيّ الكتمان "خوفاً من الانتقام" لـ"بي بي سي": "الفشل في سرد قصة الصراع بين إسرائيل وحماس بدقة"، و"بذل جهد أكبر في إضفاء طابع إنساني على الضحايا الإسرائيليين مقارنة بالفلسطينيين"، و"حذف السياق التاريخي الأساسي في التغطية"، و"اعتماد معايير مزدوجة في الحديث عن المدنيين"، في حين "لا تتردد" عند تغطيتها جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا.

وفي الرسالة، قال الصحافيون الثمانية إن الهيئة البريطانية "فشلت في سرد هذه القصة بدقة، من خلال الإغفال وعدم التعامل النقدي مع ادعاءات إسرائيل، وبالتالي فشلت في مساعدة الجمهور على التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان التي تتكشف في غزة وفهمها...".

المساهمون