من عادتها أن تشغل العلاقات الغرامية والزيجات بين الملوك الناس. وربّما تكون قصص العائلة المالكة البريطانية من بين الأكثر إثارة، خاصة في عصرنا الحديث؛ حياة أميرة ويلز ديانا ومصرعها، وما تلاها من نظريات مؤامرة.
وتبقى أسرار ملوك العالم التي أفلتت من جنبات قصورهم وقلاعهم جزءاً ضئيلاً، لكنّها قد تكون الأكثر رومانسية. على سبيل المثال، قصّة الغرام بين الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت الذي عرضت عليه الزواج في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1839، وأقيم حفل زفافهما في 10 فبراير/شباط 1840 في قصر سانت جيمس في لندن. ولغاية يومنا هذا، يذكّرنا مبنى "متحف ألبرت وفيكتوريا" في لندن بهما.
ولا تزال علاقة الحب الكبيرة التي عاشها الملك إدوارد الثامن حتى تنازل عن العرش للزواج من حبيبته واليس سيمبسون، مثار إعجاب واستهجان. وكانت سيمبسون أميركية مطلقة مرّتين، من رجلين كانا لا يزالان على قيد الحياة، وهو ما لم يكن مقبولاً في الكنيسة آنذاك. ولو قارنا بين قصة الملك إدوارد الثامن والأمير هاري، نرى أوجه تشابه إلى حد ما. إذ تزوّج هاري وميغان ماركل، وهي أيضاً أميركية ومطلقة. وبعد فترة وجيزة من زواجهما، اختارا في عام 2020 التخلّي عن مهامهما الملكية ومغادرة بريطانيا.
تربّع على العرش البريطاني 61 ملكاً وملكة خلال ما يزيد عن ألف عام، لكن أربعة منهم فقط لم يتزوّجوا على الإطلاق. وهو ما أثار فضول الناس الذين راحوا يحلّلون أسباب ذلك. يرجّح المؤرخ، فرانك بارلو، أنّ الملك ويليام الثاني لم يتزوج لأنّه كان مثلياً، وذلك بحسب ما أورد موقع "ماي لندن"، وهو اعتقاد لا يقبله المؤرخون اليوم بشكل عام وحسب، بل يقبله أيضاً بعض معاصريه في القرن الحادي عشر. قتل ويليام الثاني في نيو فورست بسهم طائش أثناء الصيد، ولا تزال حقيقة قتله غامضة، ويُعتقد إنّه قُتل عمداً، بناءً على تعليمات شقيقه الأصغر هنري، للوصول إلى العرش.
أمّا الملك إدوارد الخامس، الابن الأكبر لإدوارد الرابع، فلا يحتاج عدم زواجه إلى افتراضات، كونه تولى العرش وهو في الثالثة عشرة من العمر، واستمرّ حكمه لمدة شهرين فقط، وهي الفترة الأقصر عمراً في تاريخ ملوك إنكلترا. وبحسب رواية مسرحية ويليام شكسبير "ريتشارد الثالث"، إنّ قتله هو وشقيقه ريتشارد في برج لندن جاء بناء على أوامر من عمه ريتشارد دوق غلوستر، بعد أن أعلن أن الأمراء الموجودين في البرج غير شرعيين، وسمّى نفسه الوريث الشرعي للتاج. وعلى الرغم من أنّه لم يتم إثبات هذه التهمة على ريتشارد، فقد كان الاشتباه به كونه الجاني صدمة في البلاد عام 1483، ولا تزال حتى يومنا هذا تثير انقباضاً وحزناً في نفوس كل من يتعرّف على النهاية المأساوية لأميري برج لندن.
وبعد مرور ما يقارب قرن من الزمن على وفاة إدوارد الخامس، وتوالي العديد من الملوك والملكات، استلم العرش البريطاني صبي آخر، وهو الملك إدوارد السادس الذي كان يبلغ تسع أو عشر سنوات من العمر فقط عندما رحل والده، الملك هنري الثامن. وكان هو الابن الوحيد، المولود من زوجته جين سيمور. ومع أنّ إدوارد السادس كان أول حاكم بروتستانتي للبلاد، لم يتسنّ له إنجاز الكثير، كونه رحل قبل بلوغه سن الرشد، وهو في الخامسة عشرة من عمره، بسبب مرض حيّر الأطباء، لكن يُعتقد أنّه كان يعاني من السل. وبعد وفاة إدوارد، نشب صراع على الخلافة، مع أنّه كان قد أعلن في وصيته أنه لا يريد أن تخلفه أخواته غير الشقيقات، ماري وإليزابيث الأولى، بل ابنة عمه ليدي جين غراي. ونظراً إلى أن ماري كانت كاثوليكية، اختيرت غراي لتكون التالية في ترتيب ولاية العرش. ولكن بعد إعلانها ملكة، دخلت ماري لندن مع مؤيديها وتم نقل جين إلى البرج. دامت فترة حكمها تسعة أيام فقط، ثمّ أُعدمت عام 1554، عن عمر 17 عاماً.
وأخيرا، لا يزال قرار الملكة إليزابيث الأولى بعدم الزواج يحيّر المؤرخين، ويفترض بعضهم أنّ معرفتها بأنّ والدها الملك هنري الثامن قد نفّذ حكم الإعدام بوالدتها، قد يكون السبب بتمسّكها بخيارها. وتميّزت فترة حكمها بالاعتدال والإنصاف والسلم النسبي في جميع أنحاء البلاد، على النقيض من والدها الذي أسس كنيسة إنكلترا فقط بهدف الزواج من الجميلة آن بولين، وشقيقتها الملكة ماري الأولى الكاثوليكية المتدينة، التي سعت إلى تحويل إنكلترا إلى الكاثوليكية، واعتمدت أقصى درجات الصرامة وأحرقت البروتستانت، حتى أغرقت البلاد في حمام دم. ولهذا السبب تُعرف باسم ماري الدموية. وبحسب موقع المتاحف الملكية غرينيتش، إنّ إليزابيث الأولى أعلنت في وقت مبكر من حكمها أنّها لن تتزوج لأنها "كانت مرتبطة بزوج وهو مملكة إنكلترا". ووجدت أنّ كل الرجال الذين رشّحوهم لها لم يكونوا مناسبين لسبب أو لآخر.