المصورة الفرنسية ماري-لور دو ديكر: عين صورت الحروب طوال خمسين عاماً

المصورة الفرنسية ماري-لور دو ديكر: عين صورت الحروب طوال خمسين عاماً

17 يوليو 2023
بدأت الراحلة مسيرتها المهنية خلال حرب فيتنام (ريمي غابالدا/ فرانس برس)
+ الخط -

تعدّدت حيوات الفرنسية ماري- لور دو ديكر، من بائعة في إحدى المكتبات إلى عارضة أزياء، قبل أن تدخل عالم التصوير لالتقاط بورتريهات لشخصيات فنية وثقافية.

حصل الانتقال الأكبر والأهمّ في مسيرتها في العام 1970، عندما سافرت وحدها إلى فيتنام لتغطية الحرب. غطّت بصورها ما يجري في فيتنام، وبعدها النزاعات في تشاد وجنوب أفريقيا والبوسنة واليمن وبلدان أخرى، ممّا جعلها واحدةً من أهم مصورات الحروب والنزاعات، إذ أمضت قرابة خمسين عاماً من حياتها على الأرض ممسكةً بآلة التصوير توثّق لحظات تاريخية.

وتوفيت دو ديكر، السبت الماضي، في إحدى مستشفيات مدينة تولوز الفرنسية، فمن تكون هذه السيدة؟ وكيف كانت رحلتها في ميدان كان حكراً على الرجال؟

وُلدت دو ديكر في العام 1947 في الجزائر، من دون أن يربطها شيءٌ بها. ولم تحمل معها أيّ شيء منها، خاصةً وأن عودتها مع أهلها إلى فرنسا حصلت في مرحلة مبكرة من حياتها.

هي ابنة عسكري في الجيش، لطالما حلم بإنجاب ولد، لكن الحياة أعطته ثلاث بنات إحداهنّ كانت ماري- لور. أرادت أن تُثبت لوالدها ألّا فرق بين ذكر وأنثى، فبدأت بشقّ طريقها بنفسها.

عملت في مكتبة لبيع الكتب وأحبّت رائحة الورق، ولكن عندما صار لا بُدّ من كسب المال انتقلت إلى عرض الأزياء. تعرّفت في هذه المرحلة من حياتها على رولاند تابور، رسام وكاتب وممثل فرنسي. في العاصمة باريس جمعتهما علاقة حب ملأها الشغف بعالم التصوير.

تقول ماري في إحدى المقابلات: "بدأنا بالتقاط صور لنا عبر فوتوماتون (آلة تصوير من دون مصوّر)"، قبل أن يهديها تابور آلة تصوير. بدأت من خلالها بالتقاط صور لشخصيات ثقافية معروفة، لكنها لم تجرؤ في تلك المرحلة على تقديم نفسها كمصوّرة. كانت رغبتها شديدة في الانضمام إلى وكالة التصوير الفرنسية "غاما"، وهذا ما دفعها إلى الخروج من منطقة الأمان تلك: كان يجب عليّ القيام بشيء ما مختلف، شيء يقوم به الذكور عادةً. ذهبت إلى فيتنام".

كان امرأة وحيدة في بلد لا تعرف فيه أحداً، عمرها 22 سنة، تُحاول شقّ طريقها في مهنة شبه محصورة بالرجال، وفي أجواء عنيفة يتقاتل فيها مجموعات من الرجال أيضاً. التقت هناك بمدير مكتب المجلة الأميركية نيوزويك، وشاءت الصدف أن يُقتل في تلك الفترة المصور الصحافي الخاص بالمطبوعة. تمّ تكليفها بالتقاط صور لصالح المجلة، وذلك مقابل مائة دولار في اليوم.

كان المبلغ "ثروة هائلة" بالنسبة للشابة، وانطلاقة في ميدان تغطية الحروب كمصورة صحافية. تقول في إحدى المقابلات إنها بدأت بالشعور بالملل بعد سنة من عملها مع "نيوزويك"، كان المطلوب منها تصوير الأميركيين في حين كانت ترغب بتصوير سكان البلد؛ الفيتناميين. لهذا عادت إلى فرنسا، وفي بالها أمر واحد: الانضمام إلى وكالة غاما. أوّل ما فعلته كان حلق شعر رأسها لكي تتمكّن من التسلّل بين الجنود والعساكر.

بدأت محاولاتها بالانضمام إلى وكالة التصوير الفرنسية، ولكن كيف نجحت في هذا الأمر؟ تردّ على سؤال إحدى الصحافيات الفرنسيات ممازحة: "بكيت!". لم يكن الأمر بتلك السهولة، مع ذلك طلبت منهم إيكالها أي مهمة صغيرة لا أحد يريد القيام بها.

صورها التي التقطتها على مدار عام لصالح "نيوزويك" لم تُثر اهتمام القائمين على وكالة "غاما". برأيها "لم تحمل الصور ما يكفي من دماء". لكن خيارها وقواعدها في المهنة كانت واضحة منذ البداية: "لا صور لنساء عاريات ولا صور لأناس موتى أو يحتضرون. أرفض كسب دولار واحد من طريق تصوير الموت المباشر لشخص ما". نجحت في مهمتها، وصارت جزءاً من فريق "غاما"، في وقت لم يكن الحضور النسائي في هذه المهنة متعارفاً عليه.

سينما ودراما
التحديثات الحية

في حسابها الشخصي على "يوتيوب"، نجد مقطعاً من حوالي الثماني دقائق هو عبارة عن صور التقطتها في جمهورية تشيلي. فيديو واحد يحمل تجميعة صور من عام 1983. لم تكن تحبّ العودة إلى أرشيفها. هي ليست معجبة بصورها، فالصورة تنتهي في لحظتها. ولكن هذا لم يمنعها من المطالبة بصورها بعد قرار إغلاق وكالة غاما. لم تتمكّن من الحصول عليها كلها، كان لها فقط الحقّ بصور الأبيض والأسود.

رحلة المصورة الطويلة في عالم الحروب والنزاعات لم تمنعها من فتح الأبواب على عوالم أخرى في المهنة، فهي كانت حاضرة بعدستها في السينما وفي عالم الموضة أيضاً.

المساهمون