جيش الاحتلال يستهدف المطابع في الضفة الغربية

جيش الاحتلال يستهدف المطابع في الضفة الغربية

09 مارس 2024
في البلدة القديمة لمدينة نابلس (زين جعفر/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم أن استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمطابع في الضفة الغربية ليس جديداً، لكنه تصاعد بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في سياسة يؤكد أصحاب المطابع المستهدفة أنها في سياق الانتقام، لكنهم يشيرون إلى أنهم يواجهون مصيرهم وحدهم.

"هذا عدونا، لذلك لا نستغرب أفعاله. هو يريد الانتقام من كل ما هو فلسطيني، وخاصة أصحاب المشاريع الناجحة، فتراه يبرر ذلك بذرائع لا يملك عليها أي دليل". هذا ما قاله بلال عورتاني (55 عاماً) صاحب مطبعة "نابلس الفنية"، وهو يتفقد الدمار الذي حل بمؤسسته التي داهمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، على أطراف البلدة القديمة في نابلس شمال الضفة الغربية، وخربت محتوياتها وعاثت بها فساداً، قبل أن يعلق الجنود يافطة على بابها تحمل عبارة "حماس تساوي داعش".

يقول عورتاني في حديث إلى "العربي الجديد": "هذه كذبة لا تنطلي على أحد. السبب معروف، الاحتلال يريد الانتقام من الشعب الفلسطيني وتدمير مقدراته".

لم يكد معاذ ذوقان (38 عاما) يقف على قدميه ويعيد تشغيل مطبعة "الأوائل" التي يملكها في مدينة نابلس، حتى داهمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من جديد، وأتلفت كل الطابعات الرئيسية وصادرت ذات الحجم الصغير، وتركت يافطة معلقة على بابها شبيهة بتلك التي تعلقها على مدخل كل المؤسسات والمطابع التي تعتدي عليها: "حماس تساوي داعش".

وكان اقتحام مطبعة ذوقان في ليلة السادس من يناير/كانون الثاني الماضي. يقول ذوقان لـ"العربي الجديد": "تلقينا في 2018 ضربة مؤلمة جداً، حينما صودرت كل الأجهزة والمعدات، ولم يبق غرض واحد في المقر، إذ قدرت قيمة الخسائر آنذاك بأكثر من مليون شيكل، فقد أحضروا معهم شاحنات ضخمة ونقلوا كل الطابعات الكبيرة والصغيرة، وكافة المعدات الأخرى".

لم يستسلم ذوقان رغم أنه كان وقت المداهمة معتقلاً في سجون الاحتلال برفقة والده، غسان ذوقان، المحاضر في كلية العلوم التربوية في جامعة النجاح في نابلس. وفور الإفراج عنه، خاض معارك قضائية استمرت ثلاث سنوات، لاسترداد ما صادره جيش الاحتلال. وعندما حصل على قرار بالاسترجاع، تبين له أنها لا تصلح للعمل، بعد أن تلفت جراء التخريب المقصود. يقول ذوقان: "أعادونا إلى نقطة الصفر. ترتب علينا التزامات مالية وشراء معدات وماكينات واستئجار مقر جديد".

كان التحدي أمام ذوقان كبيراً، ليتمكن بعد نحو خمس سنوات من استعادة عافيته قبل أشهر قليلة ماضية فقط. يقول: "هذا ما أغاظ الاحتلال، الذي استغل أحداث 7 أكتوبر لينفذ حملة على كثير من المؤسسات والشركات الخاصة في الضفة الغربية، مثل محلات الصرافة والشركات الاقتصادية والمطابع. وكان نصيبنا أن تعرضت مطبعتنا لاقتحامين، الأول في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إذ داهموها وأجروا عملية تفتيش دقيقة، وفحصوا الحواسيب وتأكدوا أنه لا يوجد أي شبهة لعمل مخالف كما يدعون".

"لكن في السادس من الشهر الماضي، كانت الضربة القاضية الثانية، فالاقتحام كان همجياً، وتابعته عبر كاميرات المراقبة، إذ تعمد الجنود إتلاف الماكينات والطابعات، فلا يمكن إصلاحها وصادروا كافة الحواسيب. وهذا أعادنا إلى الصفر من جديد"، يوضح ذوقان. يضيف: "في الليلة ذاتها، اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا وصادروا مركبتي، وأجبروني على قيادتها حتى أقرب مركز لجيش الاحتلال منتصف الليل. وعندما سألت الضابط عن أسباب اقتحام وتخريب المطبعة ومصادرة مركبتي، كان رده واضحاً: إنت شايف شو بيصير بغزة".

علّق الجيش على أبواب المطبعة التي لم يصدر أي قرار من الاحتلال بإغلاقها ومنعها من العمل، عبارة تشير إلى أنها تدعم الإرهاب، "وهذا قد يدفع بعضهم إلى الخشية من العمل معنا خوفاً على مصالحهم"، وفق ذوقان.

التجربة ذاتها ذاق مرارتها شادي السايس، صاحب مطبعة سومر في رام الله، يوم الخامس عشر من فبراير/شباط الماضي. يقول السايس: "الضربة كانت مؤلمة جداً وقاضية، وخسائرنا فاقت مائة ألف دولار، لا سيما أننا منذ مدة وجيزة عملنا على شراء ماكينات طباعة حديثة جداً". يضيف: "لا نعمل مطلقا بأي مجال سياسي، وهذا يفند ادعاءات الاحتلال وأكاذيبه، ما يؤكد أنه فقط يهدف إلى القضاء على أي إنجاز فلسطيني، خاصة ممن خاضوا تجربة النضال، فأنا أسير أمضيت سنوات طويلة في سجون الاحتلال، وأسوة بغيري نتعرض لانتقام على ما قدمناه من واجب تجاه وطننا وقضيتنا".

وعلق ضباط الاحتلال ورقة على باب مطبعة سومر، بالتحفظ على أملاكها ومنعها من العمل، بذريعة دعم الإرهاب.

يؤكد أصحاب المطابع التي تعرضت إلى التخريب الإسرائيلي أنه لا توجد أي جهة فلسطينية رسمية تواصلت معهم أو تكلفت بمتابعة ملفاتهم. ويقولون: "نحن لا نريد تعويضاً من أحد، لكن لا يجوز الصمت على هذه الانتهاكات، التي تضرب الاقتصاد المحلي في مقتل". ويشيرون إلى أنهم سيلاحقون الاحتلال على جريمته، من خلال اللجوء إلى القضاء، لكنهم يؤكدون أنه في ظل الظروف الراهنة فكل الأبواب مغلقة في وجوههم.

المساهمون