فيلمان وثائقيان: تساؤلات وجودية وحكاية أبٍ وثورة وخيبات

فيلمان وثائقيان: تساؤلات وجودية وحكاية أبٍ وثورة وخيبات

17 نوفمبر 2023
بكاه أهنكراني: حكاية أبٍ وثورة وأحلام خيبات (أمين محمد جمالي/Getty)
+ الخط -

 

15 عملاً مُشاركاً في مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة، في الدورة الـ36 (8 ـ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (إدفا)". مواضيع تمتدّ من ذاكرتين، جماعية وفردية، إلى راهنٍ مرتبطٍ بأزماتٍ عدّة، أبرزها الهجرة إلى أوروبا. ذاكرة يمتزج فيها الأسطوريّ بالواقعي، إنْ تكن جماعية، وينكشف الذاتيّ الحميم بين صُورها وأرشيفها، فيظهر مُخبّأ، وتُطرح أسئلة، وتُستعاد ذكريات. أفلامٌ ترتكز على أرشيفٍ قديم كهذا، معظمه مُسجّل على أشرطةٍ قديمة، مع كاميرات، منها تلك المستخدمة في المنازل (أفلام عائلية). أفلامٌ أخرى تُصوَّر لحظةَ الفعل ـ الحدث، فيبدو النصّ حكاية قصيرة (أكاد أقول فيلماً روائياً قصيراً)، "توثِّق" لحظات شخصية، في تفاصيل هامشية، ومتنٍ يروي تلك الحكاية بكلام أقلّ من صُور شفّافة.

الكاميرا المنزلية، إذْ تُسجِّل يوميات عائلية مختلفة، تتحوّل بين يديّ صبيّ صغير إلى مساحةٍ يتحرّر فيها (ربما من دون إدراك) من كلّ ضغط، فيطرح على نفسه أسئلةً تمسّ الحياة والموت، وما بينهما، وما بعد الأولى، وما الحاصل في الثاني. حميمية اللقطات المُصوّرة (أب، شقيقة، كلب، أغراض منزلية، خلفية منزل، أزقة ودرّاجات هوائية، إلخ) متمثّلة بلقطات مقرّبة تغلب على السياق، كغلبة صوت الصبيّ في تصويره والده وشقيقته وكلبه، وأشياء المنزل، ذاك الصوت الذي يخفت عند طرحه تساؤلات الموت والحياة.

"في تلك اللحظة بالذات" (2023، الأرجنتين ـ ألمانيا، 12 دقيقة)، لريتا بولز وفديريكو لويس تاكيلّا، الفائز بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير (5000 يورو)، يُشكِّل فسحة تأمّل غير مدّعٍ، فالبساطة غالبة، والحميميّ أقوى، وهذان كافيان لجعله مُثيراً لمتعة مشاهدة. هذا حاصلٌ أيضاً مع "والدي" (2023، إيران ـ جمهورية التشيك، 19 دقيقة) لبكاه أهنكراني، لحميميّته وذاتيّته في سرد حكاية ابنة (المخرجة نفسها)، تنشأ في منزلٍ يعيش فرح الثورة الإسلامية (7 يناير/ كانون الثاني 1978 ـ 11 فبراير/شباط 1979)، وصورة الخميني حاضرةٌ فيه، والأب جنديّ يُدافع عن بلده في حربه مع العراق. الأب سينمائيّ، وصديقه الممثل يُعرّفه على من تُصبح زوجته، والدة المخرجة.

بصوتٍ ذي نبرة هادئة، رغم ما تشي به من انفعال وغليانٍ في استعادة ذاكرة حميمة، تروي أهنكراني حكايةً، يتبدّل مسارها مع اكتشاف والدها قبراً جماعياً، سيعرف أنّه لجنود إيرانيين، يُقتلون بأمر من الخميني لرفضهم الحرب. سيتبدّل كلّ شيءٍ في المنزل، وستُزال صورة الخميني، وسيغرق الأب في حزنٍ عميق وقاس، فصديقه الممثل أحد أولئك المقتولين.

بصرياً، تختار أهنكراني تسجيلات مُصوّرة لجنود يُقاتلون على الجبهة العراقية، في مواضع عدّة، وفي حالات لهم مختلفة. كما تختار صوراً فوتوغرافية عائلية، وبعضها لوالدها في الحرب. مزيج صور فوتوغرافية بتسجيلات مُصوّرة (توليف أراش أشتياني)، والصُور والتسجيلات قديمة، يُنتِج فيلماً للراويةِ فيه دورٌ أساسيّ في إكمال المشهد المطلوب: ذاكرة فردية عن واقع جماعي.

"والدي" (تنويه خاص) فعلُ بصريّ يقول شيئاً من تاريخ بلدٍ، عبر التوغّل في الذاتيّ، المتأثّر بالجماعي، في ذاك البلد الخارج من سلطة الشاه إلى ثورة الخميني، التي (الثورة) يتبدّل حالها كلّياً بعد وقتٍ قليل على استلامها السلطة. العائلة وفضاؤها الحميم مرويان بسلاسةٍ، والصوت، رغم نبرته الهادئة، ثابتٌ في إيقاعه وآلية تعبيره، وهذا كافٍ لنقله مناخاً وانفعالاً وأحلاماً وخيباتٍ وآلاماً.

المساهمون