قصر العطشان... معلم مُهمَل وسط كربلاء

قصر العطشان... معلم مُهمَل وسط كربلاء

26 ديسمبر 2021
كلّ ركن من أركانه الأربعة يستند إلى ثلاثة أبراج كبيرة الحجم (ويكيميديا)
+ الخط -

ما بين مدينة الكوفة التاريخية وقصر الأخيضر، تتوسط صحراء جنوبي العراق آثار قصر موغل في القدم يُدعى قصر العطشان، والذي لم يُعرف بعد على وجه الدقّة تاريخ بنائه، بين كونه معلماً عثمانياً، وبين آخرين يرجعونه إلى الحقبة الأموية الأولى، بل يذهب البعض إلى أنه أثر تاريخي أقدم من ذلك.

لكن المرجّح، كما يقول المختصّون، أنه شُيّد في القرون الأولى للإسلام، ليكون مأوى الزوّار ودار استراحةٍ في الصحراء. وسُمّي بالعطشان لأنه كان المكان الوحيد الذي تتوفّر فيه المياه للقوافل المارة.

يشبه قصر العطشان، إلى حد كبير، الأبنية الأخرى التي شيدت منذ عشرات القرون في العراق، على غرار قصر الأخيضر الذي يقع على مقربة منه إلى الغرب من مدينة كربلاء أيضاً، والمشيد في العهد الأموي، وهو على شكل مربع ما تزال معالمه وجدرانه الخارجية وبعض الأبنية الداخلية ظاهرة للعيان فيه، ومحافظة على طريقة بنائها الأولى.

يقع قصر العطشان وسط بادية واسعة ومرتفعة قليلاً، وفي منطقة تكاد تخلو من السكان، وشُيد إلى الغرب منه طريق يربط كربلاء بالنجف، وهي منطقة زاخرة بالأحداث التاريخية، لكنه يواجه الآن خطر تلاشي ما تبقّى منه من معالم بسبب الإهمال.

ويقول خبير الآثار ومدير دائرة آثار كربلاء السابق، حسين ياسر، إن الباحثة ألمس بيل ذكرت القصر في وصف دقيق في كتابها "القصر والمسجد في الأخيضر"، واهتمَّتْ بتخطيط البناء وتصوير بقاياه. كما ذكره المستشرق الإنكليزي والباحث في الآثار، كريزول، معتقداً أن قصر العطشان كان دار استراحة أيام الجُمع والأعياد، ويعتقد أن تأريخ بنائه يعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري.

ويشير ياسر إلى أن تسمية قصر العطشان كانت بسبب وقوعه في منطقة صحراوية قاحلة وهضبه عالية يندر وجود المياه فيها. وفي هذا البناء، حفر مؤسّسوه بئراً داخله يستخرج منها المياه الجوفية الصالحة للشرب، ولهذا ظلّ يسقي البدو والمسافرين الرحل. ويبيّن أنه من خلال الدراسات الأخيرة، يعتقد أنه أحد منازل الطريق القديم الذي كان يربط بين بلاد الشام والكوفة، وأحد تفرّعات طريق الحج القديم من الكوفة إلى مكة.

طريقة بناء القصر والجدران الضخمة والمساحة الكبيرة التي شيدت على مرتفع وسط الصحراء، تؤكد أنه احتلّ مكانة مهمة في حقبةٍ اتُخذ فيها في هذه الصحراء القاحلة والموحشة كمقرٍ مهم. ويدعو ياسر إلى أهمية تنقيب المنطقة المحيطة بالقصر، لمعرفة إن كان هناك أي دلائل للحياة القديمة، ومن ثم كشف أسس وجدران القصر لمعرفة قياساته بدقة، لتبدأ أعمال صيانته وترميمه بنفس مواد البناء المستخدمة سابقاً، علماً أنَّ سبب تهدّم بعض أجزائه هو قدم البناء والعوامل الجوية، كونه يقع منفرداً في منطقة صحراوية قاحلة خالية من الأشجار والبناء.

خبير الآثار العراقي الأكاديمي عدنان المسعودي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن القصر "كان يمثّل موقعاً استراتيجياً آنذاك؛ إذْ يقع في منتصف المسافة بين الكوفة في الشمال الشرقي، وبين قصر الأخيضر في الجنوب الغربي. وكلّ ركن من أركانه الأربعة يستند إلى ثلاثة أبراج كبيرة الحجم، يقع قُطر كل برج منها في أكثر من ستة أمتار، ومدخله الرئيسي يتألف من تعاضد برجين وسطيين، يفسحان بينهما مدخلاً بعرض مترين ونصف المتر، وبارتفاع يتجاوز الثلاثة أمتار، تسمح بولوج جملٍ براكبه".

وعمّا يضمه القصر، يقول المسعودي إنه يتألف من الداخل من دورين منتظمين في فناء واحد، وسلّم يوصل للدور الثاني لا تزال آثاره حتى اليوم. ويؤكد أن القصر لحقته هذه التسميّة "قصر العطشان" في مرحلة متأخّرة جداً، بعد أن جفّت قناة الماء التي كانت تتدفّق إليه عبر الصحراء. ويشير إلى أنّ القصر كان مكانًا للاصطياف والاستجمام لأمراء وولاة أمر الكوفة، خلال الفترة العباسية، مطالباً بالالتفات إليه والعمل على تأهيله، قبل أن ينهار ما تبقى منه.

المساهمون