مايك ماسي... "منّي الوحيد" كتعبير عن معضلة الشباب اللبناني

مايك ماسي... "منّي الوحيد" كتعبير عن معضلة الشباب اللبناني

12 ابريل 2021
يقدّم ماسي جرعات مرّة من الحقيقة مهما اشتدّت قسوتها (يوتيوب)
+ الخط -

عوضاً عن باقة الورود وعلبة الشوكولا أو البالونات الملوّنة التي قد تكون هدايا مناسبة لعيد الأم، قرّر الفنان اللبناني مايك ماسي أن يقدّم للأمهات في لبنان هديةً بطعم المرارة وبرائحة الموت والهجرة والدمار. أغنيته التي أصدرها في مارس/ آذار الماضي بعنوان "منّي الوحيد"، صدرت قبل أسبوع واحد من عيد الأم، وهي أغنية لحّنها ماسي بنفسه ووزعها موسيقياً، بينما قام صديقه الشاعر اللبناني-الكندي، نامي مخيبر، بكتابة كلماتها. 

وكما يشير عنوانها، تحاكي أغنية "منّي الوحيد" معضلة الشباب اللبناني الذي يتأرجح بين قرار البقاء أو الهجرة، بينما يواجه البلد سلسلة أزمات اقتصادية وأمنية وسياسية وصحية حادّة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. أمام هذه الإشكاليَّة، لا يجد ماسي نفسه قادراً على تجميل الواقع، ولا على تنميقه أو محاولة طمس المأساة الجماعية التي انفجرت بوجه اللبنانيين ودمّرت عاصمتهم وأحلامهم في الرابع من آب/ أغسطس 2020. وبدلاً من السكوت عن الجريمة أو الرضوخ للانهزامية يهرب بأغنيته المصوّرة إلى الأمام، ليسابق مشاعر الخيبة واليأس التي يرزح تحتها الشباب اللبناني الذي لم يعد يجد مخرجاً من نكبة أحلامه المكسورة سوى السعي لبناء مستقبل أكثر أماناً في بلدان الاغتراب. 

يبدو ماسي مصمماً في أغنيته على تقديم جرعات مرّة من الحقيقة مهما اشتدّت قسوتها. يحاكي مأساة قوافل من الأمهات كان قدرها أن تلبس الأسود حزناً على فراق ابنٍ سرقته الغربة أو حداداً على ضنىً صار تحت التراب. لا يوفّر ماسي دمعةً أو غصّة إلا ويسكبها في عمله الموسيقي الجديد. يبدو مصمماً على نكء جراح الأمهات التي ما زالت مفتوحة منذ انفجار الرابع من أغسطس. لا تردعه صور دمار أو حتى صوت انفجار. حتى الأنفاس السريعة المتقطعة التي تعكس الخوف والصدمة والرعب استعملها في شريطه الموسيقي كتأثيرات صوتية إضافية على النوتة واللحن. إذْ تبدأ بها الثواني الأولى من الأغنية المصوّرة التي أطلقها الفنان الشاب عبر مختلف المنصات الرقمية في التاسع من آذار/ مارس، وتولّى بنفسه مهمّة إخراجها تحت إشراف المخرجة والمنتجة اللبنانية تانيا نصر، وبالتعاون مع فريق The Film Atelier.  

وبعبارة صوتية معكوسة أخذها من كلمات الأغنية نفسها، يعلن مايك ماسي في بداية أغنيته المصوّرة عن انطلاق مسار العودة بالزمن ليستعيد ألبوماً كاملاً من الذكريات المؤلمة التي تناوب على تأليبها مع شريكته في الفيديو كليب، مصممة الرقص المعروفة نادرة عساف التي جسّدت دور الأم بقوّة ووقار من خلال مجموعة من الرقصات التعبيرية التي أكسبت الشريط بُعداً درامياً ومسرحياً مؤثّراً. المشاهد تدور في فلك مستودع مهجور يعكس بدوره مشاعر الوحشة وقدر الفراق الذي ينتظر الأم وابنها. بينهما طاولة مستطيلة أطباقها فارغة تحاكي جوّ الخواء السائد في العمل. أما الكؤوس، فيملأها الابن بالنبيذ، في إسقاط قوّي لدماء الضحايا الذين سقطوا في الانفجار، وهو اللون الموجود أيضاً في ثياب الأم والابن إلى جانب اللونين الأبيض والأسود، في استكمال لهذه الرمزية الثقيلة التي ينسجها الشريط من خلال سينوغرافيا مدروسة، استطاعت أن تعكس كل معاني الفراق والأسى. 

وبنغمات موسيقيّة ولقطات بصريّة متصاعدة، يتدرّج الشريط على سلّم قوّة المشاعر والاقتراب من اللحظة صفر، حيث يهزّ الانفجار جدران عالمهما ليطمس معالم كل شيء من حولهما ويلّف الأم وابنها بموجة من الغبار. إنه غبار المدينة وما تبقى من رماد طائر الفينيق البائس الذي قرر مايك ماسي هذه المرّة أن يطحنه بدلاً من أن يستنهضه! وبموازاة هذه الذروة المشهدية، ثمّة ذروة موسيقية، حيث ابتكر ماسي عقدة إيقاعية خاصة من خلال إعادة تدوير أصوات الانفجار وحطام الزجاج وصوت الصراخ لتترافق مع النغمات الأوبرالية التي أداها ببراعة.

المساهمون