نقاشٌ مُعطّل عن "صالون هدى": السينما حياة ومرآة كما المرأة تماماً

نقاشٌ مُعطّل عن "صالون هدى": السينما حياة ومرآة كما المرأة تماماً

16 مارس 2022
هاني أبو أسعد: تفكيك اجتماع وثقافة وتربية (روي راكْلِن/Getty)
+ الخط -

مُجدّداً، يُصادَر حقّ النقاش السويّ إزاء فيلمٍ فلسطيني، بسبب تشدّدٍ قاسٍ لأناسٍ يهاجمون ويشتمون من دون مُشاهدة، وبعضهم يُهدِّد بالقتل بعد التخوين. هؤلاء يرفضون كلّ تنبيهٍ إلى مآزق وارتباكات يُعانيها الاجتماع الفلسطيني المحتلّ، ومنابع المأزق والارتباكات يجتمع فيها احتلالٌ إسرائيلي وثقافة فلسطينية موغلة في موروثٍ محافظ ومنغلق، يُشكِّل منفذاً إضافياً للمحتلّ، يُتيح له اختراقاتٍ مختلفة، لن يتوفّق في تحقيقها كلّها، فرغم كلّ شيءٍ، هناك مواجهة فلسطينية ناجعةٌ، بجوانب عدّة للمواجهة.

قولٌ شفهي واحد عن مشهدٍ أو لقطة، أو تفسيرٌ منبثقٌ من تداول كلامٍ لأناسٍ غير مُشاهدين هذا الفيلم أو غيره، كافيان (القول والتفسير) لإشعال حربٍ، تستخدم المفردات نفسها في مقارعة كلّ من يرغب في تفكيك شيءٍ أو أكثر في الاجتماع الفلسطيني. الفيسبوك أداة أقوى في هذا، وأسرع في ترويج مغالطاتٍ، وأقسى في اتّهام وتخوين، وأسهل في إقناع جهلةٍ ومحرّضين. بيانات مندّدة تستعير لغة تقليدية في رصّ كلمات مهترئة، تصدر من هنا وهناك، وتُطالِب بمنعٍ وقمع (في حدّ أدنى)، أو بقتلٍ، وإنْ بشكلٍ غير مباشر (في حدّ أخطر)، فالتخوين والاتهام بالعمالة للإسرائيلي والخضوع لرغبات "الرجل الأبيض" يُمكنها أنْ تؤدّي، بطريقة ما، إلى قتل فعليّ، بعد ممارسة قتلٍ معنويّ أقسى وأعنف.

بعد أشهر على حملاتٍ مُغرضة ضد "أميرة" للمصري محمد دياب، تُشنّ حملات أبغض على هاني أبو أسعد (أحد منتجي "أميرة")، بسبب مشهد عري للممثلة ميساء عبد الهادي في لقطةٍ قصيرة للغاية (ثوانٍ قليلة)، في "صالون هدى" (2021)، رفقة شابٍ (سامر بشارات) يتعرّى كلّياً، هو أيضاً، لكنّ الحملات الذكورية على الفيلم تُحيّده. ثوانٍ قليلة في فيلمٍ تبلغ مدّته 90 دقيقة، يطرح تساؤلات تتعلّق بمسائل حسّاسة في الاجتماع والعيش والعلاقات، تُقدَّم كلّها بشكلٍ سينمائي يحتاج، كما التساؤلات، إلى نقاشٍ فعليّ؛ هذه الثواني القليلة تُربِك اجتماعاً فلسطينياً مضطرباً أصلاً، ومُفكّكاً ومُتعَباً ومُثقلاً بألف أزمة ومُصيبة وخرابٍ، رغم ما فيه من قدرة على مقاومةِ مُحتلّ، وعلى إخافته غالباً. ثوانٍ قليلة تُربك أناساً، يبدو أنّهم يُفضّلون التلصّص على الجسد العاري للمرأة، لكنْ عندما تظهر المرأة عارية في فيلمٍ، ترتعد فرائصهم، وتُستَفَزّ مشاعرهم الحريصة على أخلاقٍ وسلوكٍ حسن، علماً أنّ أخلاقاً وسلوكاً حسناً بمفهوم هؤلاء تعني، ببساطة، خضوعاً تامّاً لرغبات الرجل، ولتقاليده وموروثاته الذكورية المتأصّلة في الانغلاق والعزلة والتقوقع والجهل والتسلّط.

 

 

عام 1987، يُثير ميشال خليفي غضباً فلسطينياً وعربياً، لقوله ـ في "عرس الجليل" ـ إنّ أحد أسباب عقم الرجال، وعدم قدرتهم على ممارسة الجنس مع زوجاتهم، كامنٌ في ثقل الثقافة الذكورية، والقمع التربوي، والضغط الاجتماعي. خليفي غير ناكرٍ الدور السلبي للمحتلّ الإسرائيلي، لكنّه مهموم ببحثٍ سينمائي (كلّ فيلمٍ قابل لنقاش نقدي هادئ) في مسائل فلسطينية، غير مختلفة كثيراً عن شبيهها العربي. يُعرّي، فنياً وثقافياً، مجتمعاً موغلاً في ذكوريته، ويجعل المرأة أجملَ حمايةٍ للرجل وأهمّها، إذْ تفضّ العروس بكارتها "ليلة الدُخلة" بيدها، كي يؤكّد الدم على فراشٍ أبيض أنّ رجلها سيكون سيّدها.

هذا كلّه مرفوض. تفكيك الاجتماع الفلسطيني ممنوع. جسد المرأة ملكٌ للرجل، وهذا فقط مقبول. إيليا سليمان يُنجز أفلاماً روائية عدّة عن مآزق البيئة الفلسطينية، مستخدماً الكوميديا الساخرة والمريرة في تفكيك مجتمعٍ مُصاب بأعطابٍ، وكلّ مجتمع مُصاب بأعطابٍ، شرقاً وغرباً، وفي الجهات كلّها. هاني أبو أسعد يطرح، في "الجنّة الآن" (2005) و"عمر" (2013) على الأقلّ، أكثر من سؤال جوهري، يمسّ عمق الحياة اليومية في البيئة نفسها. آخرون يفعلون هذا بأساليب مختلفة.

لكنّ المأزق الفعلي كامنٌ في مكانٍ آخر: هناك من يكره السينما، لا المرأة فقط. هناك من يخشى التعرية، لا عري المرأة فقط. هناك من يجهل نفسه، لا المرأة فقط.

المساهمون