الاقتصاد يغيب عن قمم مناكفة تركيا

10 ديسمبر 2015
تساؤلات حول المشترك الاقتصادي بين مصر واليونان وقبرص (Getty)
+ الخط -
ما الذي يجمع بين مصر واليونان وقبرص حتى تجمع قادتها 3 قمم رئاسية في أقل من عام آخرها قمة أثينا التي اختتمت أعمالها أمس؟

قد تسارع وتقول إن ما يجمع بين الدول الثلاث هو العداء الشديد لتركيا، سواء تاريخياً بالنسبة لقبرص واليونان، أو حديثاً مثلما هو الحال مع مصر بعد 3 يوليو 2013.

بالطبع لا أقصد بسؤالي هذا الخوض في أمور السياسة وخلافاتها، فإعلان العداء المستمر لتركيا والكره الشديد لأردوغان، ليسا بحاجة لقمم رئاسية متواصلة، يحشد لها الإعلام كل طاقاته، ويتحدث فيها الساسة عن مشروعات عملاقة تم الاتفاق عليها ويقولون كلاما مستهلكا من عينة التعاون المشترك والمصير الواحد وتطوير الشراكة والانطلاق بمجالات التعاون نحو آفاق أرحب.

لكن ما يهمني هنا هو البحث في الأمور الاقتصادية التي يمكن أن تجمع بين قادة الدول الثلاث في أوقات متقاربة وتشكل أرضية لدخولها في تحالف اقتصادي ثلاثي أو تجمع مالي أو حتى مشروع تجاري لتبادل السلع والخدمات وإقامة مشروعات مشتركة.

اقرأ أيضاً: بوتين و"أسلمة" روسيا

ولنقترب أكثر من الإجابة على السؤال الذي طرحته في بداية مقالي بطرح أسئلة فرعية تبحث عن إجابة واضحة منها: هل ناقشت القمة الثلاثية الأخيرة التي عقدت في اليونان، أمس، وقبلها في القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وقبرص في أبريل/نيسان 2015 مثلا كيفية مواجهة العربدة الإسرائيلية في منطقة شرق البحر المتوسط ووضع خطة لاسترداد آبار الغاز والنفط التي سطا عليها الكيان الصهيوني ونهبها في غفلة من هذه الدول؟

وهل اتفقت الدول الثلاث على مشروع واحد مشترك للتنقيب عن النفط والغاز الموجود قبالة سواحلها ومياهها الإقليمية، ولماذا تأخرت هذه الدول في تنفيذ اتفاقات ترسيم الحدود البحرية الموقعة منذ أيام حسني مبارك وتم تجديد التوقيع عليها العام الجاري؟

الإجابة عن الأسئلة السابقة تحتاج لتشخيص واقع اقتصادات هذه الدول الثلاث والبحث في مدى امتلاكها الإمكانات المالية والبشرية التي تؤهلها للدخول فى تحالفات اقتصادية واستراتيجية مثل التعاون في مجال الطاقة والاكتشافات النفطية. 

وإذا أردنا أن نشخّص الواقع الاقتصادي في الدول الثلاث، فإننا نجد أمورا كثيرة تجمعها، لكن لا تؤهلها للدخول في شراكات اقتصادية، هناك مثلا أزمات اقتصادية ومعيشية طاحنة في هذه الدول، فمصر تواصل فرض الضرائب ورفع الأسعار، واليونان رضخت قبل أيام لمطالب الدائنين الدوليين وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي ومجموعة اليورو، ورفعت الضرائب ملياري يورو، ولا تخرج قبرص التي اقتربت في السابق من حافة الإفلاس عن هذا المشهد المعقد.

والدول الثلاث تلجأ للاقتراض الخارجي لسداد التزامات مستحقة عليها، وفجوات تمويلية ضخمة بموازناتها العامة، ولولا حزمة الإنقاذ التي أقرتها المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها، البنك المركزي الأوروبي، لليونان بقيمة 86 مليار يورو مقابل خطة تقشف لانهارت الدولة الأوروبية المتعثرة.

اقرأ أيضاً: مصر وإسرائيل وصفقة الغاز اللقيطة

وتعاني الدول الثلاث أيضا من أرقام بطالة عالية وصلت بين شباب مصر إلى نحو 25% باعتراف وزير المالية المصري هاني قدري، في حين تجاوزت في قبرص 16%.

وإذا كانت اليونان قد استقطعت قبل أيام 1.8 مليار يورو من أموال المعاشات في إطار تنفيذها مطالب الدائنين بخفض الإنفاق العام 5 مليارات يورو لعام 2016، فإن أصحاب المعاشات في مصر لا يزالون يبحثون عن أموالهم التي ضارب بها نظام مبارك ووزير ماليته يوسف بطرس غالي واستثماره محمود محي الدين في البورصة، بل إن وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية غادة والي صرحت أخيراً بعدم قدرة الحكومة على تحمل صرف المعاشات والتي تقدر بمبلغ 55 مليار جنيه سنوياً.

وما يجمع مصر وقبرص واليونان كذلك أن الدول الثلاث تشهد زيادة متواصلة في أسعار السلع والخدمات والطاقة رغم تراجع أسعار النفط والغذاء عالميا، ولا يوجد نقد أجنبي كافٍ لديها، صحيح أن ديون اليونان تقترب من 400 مليار دولار، وهو رقم يعادل نحو 11 ضعفاً الدين الخارجي لمصر البالغ 46.1 مليار دولار، بحسب أحدث أرقام للبنك المركزي المصري، لكن هناك اضطرابات في سوق الصرف وصعوبة في تدبير احتياجات التجار والبنوك الدولارية في الدول الثلاث.

إذن الحديث عن تحالف اقتصادي بين الدول الثلاث ودخولها في شراكات اقتصادية ومشروعات مشتركة يصبح حبراً على ورق، ومن الأفضل لكل دولة أن تبحث عمّن يساندها اقتصاديا لا عن دول تحتاج أصلا لمساعدة.

وما جاء في إعلان أثينا الصادر أمس عن القمة الثلاثية، والذي أكد نصاً "أهمية تعزيز أطر التعاون الثلاثي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، والبناء على ما يجمع بين مصر واليونان وقبرص من قيم مشتركة"، لا يطعم جائعاً ولا يغطي عارياً ولا يوفر فرص عمل لملايين الشباب العاطل في هذه الدول.

اقرأ أيضاً: مصر وإسرائيل والغاز.. تطبيع وخراب ديار

المساهمون