مغربيات يُعِلنَ أسرهن.. مرغمات

مغربيات يُعِلنَ أسرهن.. مرغمات

19 اغسطس 2015
همهمن تأمين عيشة كريمة لأطفالهن (دايفيد راموس/Getty)
+ الخط -

تغادر المغربية فوزية منزلها في الصباح الباكر يومياً. تذهب إلى المصنع الذي تعمل فيه، والواقع في ضواحي العاصمة الرباط. تعمل طيلة النهار، وحتى وقت متأخر أحياناً. همها الوحيد تأمين راتب شهري بالكاد يجعلها قادرة على تسديد بدل إيجار البيت الذي تسكنه، بالإضافة إلى إعالة أبنائها الثلاثة.
فوزية هي واحدة من بين أكثر من 1.2 مليون أسرة تعيلها نساء، من أصل 6.8 ملايين أسرة في المغرب، أي ما يعادل 17.7 في المائة من الأسر. وتمثل هؤلاء النساء نسبة مرتفعة في المدن (19.6 في المائة)، في مقابل 14.1 في المائة في القرى.
وتبعا لأرقام المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية، فإن ما يزيد على نصف النساء اللواتي يعلن أسرهن، وتحديداً 55.1 في المائة منهن، هن أرامل، فيما 26.6 في المائة منهن متزوجات، و11.1 في المائة مطلقات، و6.8 في المائة عازبات.

تحكي فوزية قصتها لـ "العربي الجديد". تقول إنها في البداية، لم تكن تعمل. كان زوجها يتكفل بتوفير جميع مستلزمات البيت الأساسية، ويرفض بشدة عملها خارج المنزل لأي سبب كان. بالنسبة إليه، لا حاجة لذلك طالما هو قادر على تأمين جميع الاحتياجات. تضيف أنه قبل أربع سنوات، تعرّض زوجها، الذي كان يعمل سائقاً لشاحنة، ويتنقل بين المدن لبيع بضاعته، إلى حادث سير مميت. في ذلك الوقت، لم تعد تدري ماذا تفعل، وقد اسودّت الدنيا في عينيها، علماً أنه لم يكن لدى زوجها راتب، لأن مهنته حرة. في البداية، لم يكن الأمر سهلاً عليها على الإطلاق، وكان عليها التفكير في كيفية تدبر أمورها.

تضيف أنه بعد مرور أشهر على حدادها على زوجها، وهو ما يسميه المغاربة "حق الله"، خرجت للبحث عن عمل بهدف إعالة أطفالها، وتأمين مستلزماتهم الأساسية، علماً أنها تحمل شهادة ثانوية فقط. في البداية، لم تعثر على أي عمل، مضيفة أنه "بعد خيبات أمل متتالية، وجدت عملاً في شركة للنسيج، لتبدأ معاناة من نوع آخر، بعدما وجدت نفسها مضطرة لتحمل ساعات العمل الطويلة والمرهقة من الناحيتين النفسية والجسدية".

تتابع فوزية أن إعالة أسرة ليست بالأمر السهل، وخصوصاً إذا لم تعتد المرأة العمل في وقت باكر، وكان أهلها ثم زوجها يتولون جميع هذه المهام. لكن حدث ما لم تكن تتوقعه، وتوفي زوجها. تضيف أن أكثر ما يضايقها هو المهام الكثيرة التي تلقى على كاهلها، بالإضافة إلى التفكير بمن سيعيل أبناءها لو حدث لها مكروه".
حالة منى، وهي ثلاثينية، تختلف عن فوزية. لم تتزوج بعد، لكنها وجدت نفسها مضطرة إلى رعاية شقيقيها الصغيرين، وأمها المريضة، بعدما تخلى والدها عن مسؤوليته حيال الأسرة. كان عليها أن تحل مكانه، وتنقذ أسرتها من الضياع. ولحسن حظها، عملت في إحدى المؤسسات الحكومية بفضل شهادتها.

تقول منى لـ "العربي الجديد" إنها مجبرة على إعالة أسرتها. ليست بطلة لأنها ضحت بمستقبلها ولم تتزوج على الرغم من العروض الكثيرة. فقد أصرت على إعالة أسرتها الصغيرة، وخصوصاً أن شقيقيها ما زالا بحاجة إلى رعاية ودعم مالي لمتابعة دراستهما، بالإضافة إلى تأمين الأدوية لوالدتها التي تعاني من مرض السكري.

إلى ذلك، تقول الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير لـ "العربي الجديد" إن النساء اللواتي يُعلن أسرهن غالباً ما تدفعهن ظروف اجتماعية قاهرة، أو ظروف شخصية إلى ذلك. في الوقت نفسه، هناك مغربيات متزوجات تكفلن أيضاً بمسؤولية إعالة عائلاتهن، لأن أزواجهن هاجروا إلى خارج البلاد للعمل، علهم يساهمون في زيادة دخل أسرهن.

أيضاً، تشير إلى بعض المطلقات والأمهات العازبات اللواتي يتولين إعالة أطفالهن، بسبب عدم اعتراف آباء أطفالهن بهم. تضيف أن هناك حالات كثيرة لنساء يعلن أطفالهن، بالإضافة إلى آبائهن أو أمهاتهن، علماً أن بعض الأزواج لا يعملون ويمضون أيامهم في البيت. تضيف أن هؤلاء المغربيات اللواتي يقدن عائلاتهن مادياً ومعنوياً أيضاً، ويتولين دور الأب والأم في آن، غالباً ما لا يجدن أي مساعدة من أحد، وذلك بسبب الظروف الحياتية والاجتماعية التي تفرض عليهن لعب دور ربان العائلة في التربية وتأمين المال وغيرها.

وتلفت إلى أن بعض النساء اللواتي يعلن أسرهن، غالباً ما يضحين بأحلامهن. فهمهم الأساسي هو تأمين عيشة كريمة لأسرهن، مضيفة أن هناك نساء تفرغن لإعالة أبنائهن، وخصوصاً اللواتي لديهن أطفالاً، ورفضن الزواج مجدداً إلى أن يكبر أطفالهن، ليفوتهن قطار الزواج. تضيف أن هذا الأمر ليس قاعدة عامة تنطبق على جميع النساء اللواتي يعلن أسرهن، بل هناك مغربيات اخترن هذا المسار عن وعي، مشيرة إلى أن امرأة تنتمي إلى طبقة ميسورة طلبت الطلاق من زوجها لأنه مستهتر، وعملت على تربية أبنائها والسعي لتأمين حياة لائقة لهم. واللافت أنها تفعل ذلك بكل سعادة.

وتعزو تنامي عدد الأسر المغربية التي تعيلها نساء إلى دخول المرأة سوق العمل، وخصوصاً خلال السنوات الأخيرة التي عرفت طفرة هائلة في توجه النساء إلى العمل خارج البيت في مختلف المجالات، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، أو غيرها من المهن البسيطة التي يلجأن إليها لإعالة أسرهن الصغيرة.

اقرأ أيضاً: نساء المغرب يطالبن بالمساواة وحفظ المكتسبات

المساهمون