صحّة المصريّين في "بير السلّم"

صحّة المصريّين في "بير السلّم"

20 يونيو 2014
أدوية مغشوشة تهدّد صحّة المصريّين (وكالة إنتر بريس سيرفس)
+ الخط -

"الدواء في مصر" عنوان لأزمة متعددة الجوانب..، أدوية منتهية الصلاحية تباع للمرضى، وأدوية أساسيّة تختفي من الأسواق، وأدوية متاحة لكن أسعارها مرتفعة، واستيراد خامات الدواء الذي يهدّد صناعته أصلاً.

تعدّ مصر الدولة الوحيدة التي تباع فيها الأدوية والمستحضرات الطبيّة على الأرصفة وفي الشوارع والميادين. وليس مستغرباً أن يصادف المرء رجلاً يرتدي جلابيّة ويبيع على الرصيف أدوية للإنفلونزا والصداع ومقويات جنسيّة، مكملات غذائيّة والعديد من الأدوية المهرّبة ومجهولة الإنتاج والمصدر، التي يتمّ تصنيعها في ورش يطلق عليها اسم مصانع "بير السلّم"، بعيداً عن أنظار وزارة الصحة. وهذه المصانع هي ورش تصنيع محليّة لا تلتزم بالمواصفات الصحيّة والعلميّة، ولا تتوفّر فيها أدنى معايير السلامة والمهنيّة.

وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالميّة، فإن سبعة في المئة من الأدوية المنتهية صلاحيتها حول العالم تُسجَّل في مصر، وهي النسبة الأعلى بين جميع دول العالم والتي تمثل كارثة كبرى. وتجدر الإشارة إلى أن في دولة مثل الهند، لا تتعدّى نسبة الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلاحيّة اثنَين في المئة.

وإذا كانت الإحصاءات تقدّر حجم سوق الدواء المصري بنحو 33 مليار جنيه، فإن مصر تعتمد على استيراد نحو تسعين في المئة من الخام المستخدم في صناعة الدواء، وهو ما يهدّد أمن مصر الدوائي. فقد أدّى ذلك إلى نقص كبير في عدد من الأصناف الدوائيّة، طال أكثر من ألف صنف دوائي، بحسب ما أعلنت نقابة الصيادلة المصريّين.

وفي جولة لـ"العربي الجديد" على عدد من الصيدليات، قال الدكتور محمد العدوي وهو صاحب إحداها "نعاني أزمة حقيقيّة. اختفى الإنسولين ومراهم العين وأدوية القلب. كذلك اختفت أدوية الضغط الرخيصة الثمن. وإن توفّرت بدائل لها، فأسعارها مرتفعة". أضاف "ولم يقتصر الأمر على الدواء، فقد اختفى أيضاً حليب الأطفال على الرغم من أهميته، فيما انتعشت صناعة منتجات التجميل والمنشّطات الجنسيّة".

ورأى الدكتور عبد الهادي يحيى وهو مدير صيدليّة أخرى، أن "الأزمة متعدّدة الجوانب ويأتي في مقدّمتها عدم توفّر سياسة دوائيّة واضحة في مصر، إلى جانب مشكلات استيراد المواد الخام اللازمة لتصنيع الدواء، وما يشهده السوق من نقص في الأدوية المستوردة نتيجة عدم توفّر العملة الصعبة ووقف استيراد بعض الأصناف".

وحذّر يحيى من ظاهرة انتشار مخازن الأدوية، قائلاً إن "الصيدليات بمعظمها تتعامل مع هذه المخازن لتوفير الأصناف الناقصة. فأصبحت المخازن باباً خلفياً للأدوية المغشوشة والمهرّبة من الخارج أو من المصانع". ودعا إلى إغلاق هذه المخازن لمنع التلاعب في الدواء.


وزارة الصحة متّهمة

وقد وجّه رئيس تحالف العاملين في قطاع الدواء محمود المليجي إصبع الاتهام إلى وزارة الصحة والأجهزة الرقابيّة، ورأى أن الوزارة غائبة في ما يخصّ إدارة ملف الدواء، إذ إن دورها الأول هو مراقبة صناعة الدواء، بدءاً باستيراد المواد الخام حتى تصنيعها وخروجها بشكلها النهائي، بعد اختبار فعاليّة الدواء وجودته. أضاف أن دورها لا يقتصر على صناعة الدواء فقط، بل يمتد إلى متابعة سوق الدواء بصورة دوريّة عبر أجهزتها الرقابيّة، عن طريق دوريات على الصيدليات لمراقبة صلاحية الأدوية وضبط تلك المغشوشة والمهرّبة ومجهولة المصدر التي تم تصنيعها بعيداً عن أنظار وزارة الصحة في مصانع "بير السلّم".

ورأى المليجي أن "القانون يتعامل مع الصيدليات التي يتمّ فيها ضبط هذا النوع من المخالفات، باعتبارها تجارة في مواد مجهولة المصدر فقط. وهذا غير كاف لمواجهة بيع الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلاحية". وشدّد على "وجوب تشديد العقوبة على مثل هذه الجرائم التي تهدّد حياة المصريّين وصحّتهم".

أما الحل كما يراه الخبير في صناعة الدواء الدكتور طارق السيد، فهو "ضرورة إنشاء مجلس أعلى للدواء في مصر، يتشكّل من الكفاءات التي تتمتّع بالخبرة في مجال الدواء. وتكون مهمّته تطوير سياسات إنتاج الدواء ودراسة أزماته وتوفير المواد الخام اللازمة للصناعة، وإنشاء وحدات صيدلانيّة خاصة للفقراء تتبع وزارة الصحة. فيحصلون من خلالها على العلاجات الأساسيّة للأمراض الأكثر شيوعاً، كأمراض ضغط الدم والسكري والكوليسترول، إلى جانب أدوية القلب والسرطان وغيرها، على أن يتمّ صرفها لهم بأسعار مناسبة في حين تتحمّل الدولة فارق السعر". وأكّد على "أهميّة السعي إلى تصنيع حليب الأطفال بما يغطي احتياجات السوق المصري، فضلاً عن التوسّع في صناعة المواد الخام اللازمة لإنتاج الدواء، حتى لا تقع الشركات والمصانع المصريّة تحت رحمة الاستيراد من الخارج".


لمساءلة وزير الصحّة!

من جهة أخرى، كلّف النائب العام المصري المستشار هشام بركات مكتبه الفني برئاسة النائب العام المساعد المستشار عادل السعيد، بالتحقيق والتأكد من البلاغ المقدّم من وكيل مؤسّسي حزب الحريّة طارق إمام علام ضدّ وزير الصحة الدكتور عادل العدوي، الذي يتهمه فيه بالتسبب في إخفاء بعض الأدوية الأساسيّة من السوق المصري، في مجاملة لأصحاب شركات الأدوية الخاصة بهدف زيادة أرباحهم.

وكان مقدّم البلاغ قد أكد على أن وزير الصحة يستغل الفقراء من الشعب الذين يحتاجون إلى مساعدة الدولة والأدوية العلاجيّة اللازمة، فيضعها في يد حفنة من المنتفعين الذين يرفعون أسعارها، مستغلاً في ذلك منصبه.

وطالب مقدّم البلاغ النائب العام بالتحقيق العاجل في قضيّة اختفاء بعض الأدوية من السوق والاستماع إلى ما لديه من أقوال، والاطلاع على المستندات التي تكشف مدى تورّط الوزير في تعمّد إخفاء هذه الأدوية من السوق المصري، بالإضافة إلى تقديم قائمة بأسماء هذه الأدوية والمتربّحين جرّاء هذه العمليّة.

دلالات

المساهمون