أخذ وعطاء

أخذ وعطاء

25 فبراير 2018
جفاف (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس من قبيل الجدال أن نظل نردد أن السبب في تدهور التربة والتصحر على نطاق واسع في أفريقيا، هو سوء استخدام موارد الأرض، وأن تأثير تقلبات المناخ قد فاقم الأمر.
اجتاحت السودان ــ على سبيل المثال ــ موجتان قاسيتان من الجفاف. جاءت الأولى (1967 – 1973)، لتنبّه بما قد يعقبها. وما هو إلا عقد واحد، فإذا بأخرى أكثر قساوة تضرب مجدداً. وكانت السنوات العشر كافية لتهديد حياة السكان، والحد من التقدم الاقتصادي في مساحة قدّرها الخبراء بـ51 في المائة من مساحة البلاد.

وتؤكّد الوثائق أنّ الحديث عن التصحّر في السودان بدأ منذ أربعينيات القرن الماضي، فقد أصدر "أ. ب. استبنق" كتاباً حول زحف الصحراء في السودان (1952)، متوجاً به دراسته الميدانية حول تدهور الغطاء النباتي. وكان وقتها تقرير لجنة صيانة التربة (1944)، قد تحدّث عما قد تنجم عنه الأيام، إن لم يتم تدارك الأمر. ومنذ ذلك الوقت، واللجان والمفوضيات والمكاتب تنعقد وتنفض، والبرامج والمشروعات الكبيرة تحظى بالتمويل الأجنبي. وعلى الرغم من ذلك، كان هناك تلكؤ في إعداد وتسليم خطة العمل القومية لمكافحة التصحر، ما يؤكد الأثر السلبي لطغيان القرار السياسي على الفني.

تواصل قضم الصحراء لمساحات مقدرة في كل عام من المراعي، والأراضي الزراعية، ومساحات كانت غابات، بل حتى مجاري الأنهار والبحيرات الموسمية. إذاً، هو التدخل السالب للبشر في بيئاتهم. حتى البرامج والمشاريع الكبيرة الممولة من المنظمات الدولية - كما يورد الخبير من معهد دراسات التصحر واستزراع الصحراء د. التيجاني محمد صالح، "لم تخاطب أولويات المجتمعات المحلية المتأثرة بالتصحر، وبالتالي فقدت المشاركة الشعبية".



نعم. نفذ عدد من المشاريع الضخمة، وحققت ما حققت من نجاحات، إلا أنها لم تصل إلى غاياتها المرجوة. ويبرر البعض الفشل بعدم التزام الدولة معظم الأحيان بدفع حصتها في ظل ضعف الميزانيات الوطنية، بينما يعزو البعض الأمر إلى ضعف البحث العلمي في هذا المجال. ويتحدث التيجاني عن "ضعف الخدمات الاجتماعية في مناطق المشاريع"، مع عدم وجود آلية فاعلة للتوعية. إذ كيف يمكنك تحقيق مستوى عالٍ من المشاركة وأنت لا تنشر الوعي بما يكفي، ولا تدعم هذا الوعي بأنشطة وإنشاءات تقنع المواطن بمدى اهتمامك به كأساس للفعل.

وفي زيارة تقييميّة لأحد مشاريع مكافحة التصحر في مناطق ريفية بعيدة، خاطبنا المواطنين بـ"أشجاركم، مشتلكم، مشروعكم". أدركت يومها أن سبب فشل المشروع هو أن العاملين لم يصلوا إلى قناعة بأن هذا الفعل إنما يخصهم هم، وأن علاقتهم بالمشروع علاقة أخذ وعطاء مستمرين.

(متخصص في شؤون البيئة)

دلالات

المساهمون