الجحيم... هنا

الجحيم... هنا

05 يوليو 2016
مجرّد واقعة أخرى... (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

تعكس مياه البحيرة توهّج شمس بدايات فصل الصيف، فيما تنتصب الأشجار المعمّرة حول تلك البقعة الممتدّة في مشهد أقلّ ما يُقال فيه إنّه بديع. أمّا في التعليق المرفق بالصورة، فنقرأ: "هنا الجنّة!".

في مجموعة صور أخرى نشرتها الصديقة الافتراضيّة قبل أيّام، طبيعة لا يمكن إيجاد تعابير مناسبة لوصفها. مياه وصخور وخضرة وطيور وسكينة... كأنّما هي بقعة من هذه المعمورة لم تطأها قدم بشر، كأنّما هي بقعة لم تدنّس. "الجنّة" هي عنوان الألبوم.

قبل أشهر، كانت صور أخرى تملأ صفحة تلك الصديقة الافتراضيّة، مرفقة بتعليقات مؤلمة. بعضها راح يُظهر حقائب سفر عملاقة وتأشيرات دخول إلى "بلاد الغربة"، فيما تظهر شمس تغيب من خلف قضبان شبّاك منزلها في المدينة الأمّ. لقطات أخرى راحت توثّق لحظات أخيرة ومختلفة مع أحبّاء كثيرين، قبل وداع قريب.

نبرة اليأس والأسى كانت واضحة في تعليقات الصديقة الافتراضيّة وأصدقائها، كأنمّا هي ذاهبة إلى حتفها، لا قدّر الله! كان من الممكن استشعار تلك الغصّة الخانقة التي تنتقل عدواها سريعاً، فتغصّ بدورك.

مع زوجها وأولادهما الأربعة، التقطت صورة أخيرة في مطار "الوطن". ظهرت عيونهم دامعة في تلك اللقطة الوداعيّة، قبل أن ينطلقوا في رحلتهم صوب تلك البلاد التي أصبحت سريعاً "الجنّة".. صوب تلك البلاد التي أصبحت سريعاً جنّتهم.

***

"الجحيم هنا!" هذا ما تشير إليه، لا بل ما تبرهنه صور - وإن قليلة - تداولها بعض أصدقاء افتراضيّون منذ صباح يوم الأحد، الأوّل من أمس. تلك الصور انتشرت بخجل استغربه البعض وقد رأوا فيه ما يشبه تبلّداً في الإحساس أو خدراً أو حتى فقداناً للإحساس. هي صور من موقع التفجير الإرهابي الذي استهدف قلب حيّ الكرادة في بغداد، فأدماه.. مئات العراقيّين ما بين قتيل وجريح.

صور قليلة ويمرّ الخبر. حسابات كثيرة تحكم البكاء على هؤلاء الذين سقطوا. حسابات كثيرة تحكم استنكار الواقعة. وفي حال أهملنا تلك الحسابات، ما حصل ليس إلا مجرّد واقعة أخرى. أمر مسلّم به. هل يزداد الجحيمُ جحيماً؟ "الجنّة" قد تتحوّل "جحيماً"، إذا ما وقع اعتداء - أيّ اعتداء كان - في أيّ من أرجائها. لكنّ الجحيمَ جحيمٌ. نقطة.

***

في ظلّ واحدة من تلك الأشجار المعمّرة التي تنتصب حول البحيرة التي تعكس مياهها توهّج شمس بدايات فصل الصيف في مشهد أقلّ ما يُقال فيه إنّه بديع، تكاد عائلة الصديقة الافتراضيّة تطير فرحاً. كأنّما تبرهن أنّ "هنا الجنّة".. كأنّما تبرهن أنّها عثرت على جنّتها، بعيداً عن "جحيم" عاشته طويلاً.

لغاية الساعة، لم تنشر الصديقة الافتراضيّة أيّ صورة عن آخر فصول الجحيم العراقيّ. ما يحصل في "الوطن" لم يعد يعنيها. هي وجدت جنّتها، حيث تحتفل غداً مع عائلتها بالعيد.


المساهمون