النيل يبتلع مواسم السودانيين

النيل يبتلع مواسم السودانيين

26 اغسطس 2016
أنقذ أبقاره لكنّ أرضه اختفت (إبراهيم حميد/ فرانس برس)
+ الخط -
شهد نهر النيل هذا العام ارتفاعاً كبيراً في منسوب مياهه، ما أدى إلى فيضانه واجتياحه الأراضي الزراعية المحيطة

بعيون تملؤها الحسرة، يعلّق الحاج أحمد (60 عاماً)، نظره في اتجاه مساحات زراعية شاسعة غمرتها مياه النيل في جزيرة توتي، في قلب العاصمة السودانية الخرطوم. تلك الأرض أنفق كلّ أمواله في استثمارها، فلم يبقَ له سوى الاقتراض.

كثير من السودانيين حالهم كحاله. فنهر النيل فاض خلسة، وأفقدهم المال والبنين. وبالرغم من انخفاض منسوب النهر في مركزه الرئيسي وتراجع حدة الأمطار، ما زال الخطر ماثلاً ويهددهم، خصوصاً مع توقعات هيئة الأرصاد الجوية بهطول مزيد من الأمطار في البلاد خلال الأسبوع المقبل.

يقول الحاج أحمد لـ"العربي الجديد"، إنّه بات في وضع صعب بعدما أخذ الكثير من الوقت والجهد في حراثة الأرض وزرعها، قبل اقتلاع الفيضان موسم رزقه. يؤكد أنه بذلك لن يستطيع أن يلحق الموسم الحالي، وعليه الانتظار في المنزل نحو شهرين لتساعده الشمس في تجفيف أرضه، والعودة إلى زرعها مجدداً. فعملية التجفيف الحديث تتطلب الكثير من الإمكانيات التي لا يملكها.

يقول: "من اليوم حتى ذلك الوقت لا أدري كيف سأعيل عائلتي، خصوصاً أنّني أنفقت كلّ أموالي على الزرع ولم يعد أمامي باب أطرقه سواء الاستدانة. كلّ أملي أن أنجح الموسم المقبل في السداد". ينفي تماماً وجود أيّ نيّة حكومية لتعويضهم عن الخسائر، ويعلق: "العوض على الله".

قدّرت وزارة الري السودانية زيادة منسوب النيل خلال العام الحالي بنحو 88 في المائة عن العام الماضي. وأكدت أنّ البلاد تشهد منسوباً مرتفعاً لم تشهده منذ 100 عام.

وكانت غرفة طوارئ الخريف التابعة لوزارة الداخلية، قدّرت عدد المتوفين تأثراً بالفيضانات والأمطار والسيول بنحو 152 شخصاً، من بينهم 14 في الخرطوم. وبحسب النشرة الأسبوعية لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا)، فإنّ الأمطار والسيول والفيضانات أدت إلى تضرر نحو 161 ألفاً و700 شخص، وأسهمت في انهيار أكثر من 24 ألف منزل، منها 14 ألفاً و700 منزل دمرت بالكامل. وحدد المكتب سبع ولايات سودانية باعتبارها الأكثر تضرراً، من بينها ولايتا شمال وجنوب درافور، فضلاً عن ولاية كسلا التي هددها فيضان نهر القاش.

يؤكد المعنيون في غرفة طوارئ ولاية الخرطوم وضع الترتيبات والاحتياطات اللازمة لمواجهة فيضان النيل، مشيرين إلى أنّ "الأمر لم يصل بعد إلى مرحلة الخطر بالرغم من ارتفاع منسوب المياه 17 متراً، فمرحلة الخطر هي مع الوصول إلى 20 متراً". ويشيرون إلى جهود الدفاع المدني التي نشرت نحو 25 نقطة ارتكاز بكامل معداتها وآلياتها لتراقب النيل وتتدخل فوراً عند الضرورة. ويتابعون أنّ "التحضيرات في مواجهة موسم الأمطار بدأت منذ وقت مبكر، فالغرفة أنشأت سدوداً تقليدية ترابية للحدّ من تمدد النيل، كما خصصت رقم طوارئ للمواطنين"، لافتين إلى أنّ هناك مجموعة من المنازل داخل التروس الواقية طلب من سكانها المغادرة، كما جرى ترحيل بعضهم إلى مناطق آمنة بسبب الخطر عليهم.

للسودانيين قصة تتكرر مع الفيضانات والأمطار والسيول. وهي قصص تحمل دائماً خسائر لهم على الصعيد البشري والاقتصادي. تقول فاطمة، وهي تلملم ما تبقى من حاجيات صغيرة في منزلها المنهار بسبب الأمطار والسيول بالخرطوم: "صحيح أنّني حزينة جداً لفقدان منزلي، لكنّني سعيدة في الوقت عينه لأنّنا استطعنا أن ننجو أنا وصغاري قبل أن ينهار على رؤوسنا". تؤكد أنّها ستقيم في منزل أقاربها في منطقة آمنة، إلى أن ينجح زوجها في إعادة بناء المنزل الذي رأت أنه سيستغرق سنوات نظراً لضيق الحال.

سودانيون كثيرون فقدوا أرواحهم بسبب فيضان النيل وغزارة الأمطار. معظمهم، بحسب وزارة الداخلية السودانية، سقطت سقوف منازلهم على رؤوسهم. كذلك، مات بعضهم بصعق كهربائي أو غرقاً.

إلى ذلك، تواجه الحكومة السودانية انتقادات واسعة في الأوساط الشعبية لتكرر مأساة الخريف سنوياً، فالمياه تغمر الأحياء والطرقات وتبقى على هذه الحال أياماً حتى تجففها الشمس، ما يؤدي إلى مشاكل بيئية وصحية، منها ازدياد أعداد الناموس والذباب. ففصل الخريف معروف بأمراضه، إذ تزيد معدلات الإصابة بالملاريا والإسهال المائي خلاله عادة.

في المقابل، تؤكد الجهات الحكومية أكثر من مرة على اتخاذها الاحتياطات اللازمة، لكنّها تشكو من ضعف الميزانيات المصدّقة من وزارة المالية. وفي هذا الإطار، أرسلت دول خليجية مساعدات إنسانية عاجلة إلى السودان. كذلك، نشط شبان متطوعون في إنشاء العديد من المبادرات التي جمعوا فيها تبرعات لصالح المتضررين.