"يا آخر السرداب"

"يا آخر السرداب"

02 يونيو 2018
هل تذكر؟ لا بدّ من أنّك تفعل (عاميّة الحريّات)
+ الخط -

"شو بكرهك يا ليل.. شو لونك؟ متل كحل العين؟ مركّب بلونَين.. وألوان ورا بابك.. وميشال يبكي صمتها قبالك (...) ونجمة تغار من نجمة.. وميشال يغلغل بأحلامها.. تَـ يوعا الصبح وتسير الأبجديّة كلمي ورا كلمي. يا ليل أنا متلك سهران.. وخمرة سوادك عبّت عروقي (...) يا ليل هات المسبحة تَـ نصلّي.. وندور حول الهمس والسرساب.. تـ يزهؤو منّي.. ونمسك أنا وميشال والأصحاب أنين الفضا عنّي ورا عنّي.. ونهجر أنا ويّاك والنساك ما يسألو عنّي.. يا ليل يا آخر السرداب.. ولك في آخرة؟ بس طمّني".

واستعجلتَ يا وسام ملاقاة ميشال... خلف ذاك الفضاء. عام وشهران تقريباً. هو زمن كافٍ. كأنّك أقسمتَ إلا أن تلحق به وتهجر هذا العالم. تلك كلماتك يا وسام، هل تذكرها؟ لا بدّ من أنّك تفعل. كتبتَها في اللحظة الأخيرة، عشيّة الذكرى الأربعين لرفيقكَ ميشال. في تلك الذكرى، التقينا للمرّة الأخيرة. دعوتني إلى زيارتكَ هناك في القريّة، ضيعتكَ، بيد أنّني لم أفعل، والوقت الآن غير مناسب لتقديم الأعذار.

قبل سنين، حسمتَ أمركَ، فتركتَ بيروت وانتقلتَ إلى ضيعتكَ الجنوبيّة. ربّما أثقلكَ ذلك السباق الدائم مع الزمن في المدينة، فكانت الضيعة ملاذاً لكَ، لعلّكَ تفلح هناك في التخفّف من أعباء أنهكتكَ. تلك الضيعة التي تركتَها صبيّاً صغيراً، عدتَ إليها مربيّاً - كما ميشال - لا يحمل شهادة جامعيّة وخبرة عمليّة فحسب، إنّما فكراً متحرّراً من الأطر التي اعتادها مجتمعنا ومعطاءً مثل تلك الأرض التي اخترتَها لقضاء ما تبقّى لك من سنين. قليلة كانت تلك السنين، غير أنّكَ أكملتَ خلالها ذلك المسار الطويل الذي كنتَ قد بدأته في النشاط الاجتماعيّ والمدنيّ، في المدينة. بيروت وضواحيها لم تكن مجرّد عبء عليكَ، هي احتضنتْ ابن الضيعة الطيّب وعرّفته إلى أمثال المطران غريغوار حدّاد، فكنتَ من مؤسّسي "تيّار المجتمع المدنيّ" إلى جانبه. في وداعكَ الأخير، رثاكَ ذلك التيّار "مناضلاً حتى النفس الأخير من أجل قيام الدولة المدنيّة العلمانيّة" و"جميلاً بروحكَ" و"راقياً بفكركَ" و"حالماً بوطن يليق بأمثالكَ".

لطالما حلمتَ بوطن حقيقيّ. في عام 1996، في "دار مختارات" للنشر، شرقيّ بيروت، التقينا تحت عنوان "عاميّة الحريّات"، وكان تنديد بتعدّيات متمادية أتت بها السلطات حينها في أكثر من نطاق، تعدّيات تقوّض الوطن. وصرنا مع ميشال من أبناء "العاميّة". هل تذكر؟ لا بدّ من أنّك تفعل. في الدار نفسها وخارجها، بقينا نلتقي تحت أكثر من عنوان، أمّا الهدف فواحد: وطن حقيقيّ.




قبل أيّام، رحلتَ مستعجلاً. خلف ذاك الفضاء، ميشال حدّاد والمطران غريغوار حدّاد. لروحكَ وسام ديب، ولروح ميشال والمطران الأحمر... سلام.

المساهمون