نحبّ الأرض

نحبّ الأرض

21 أكتوبر 2015
من أجل الحياة... (فرانس برس)
+ الخط -

"نحن نحبّ الحياة، إنها الحقيقة. ليس لأنّنا تعوّدنا الحياة، بل لأنّنا تعوّدنا الحبّ. ثمّة جنون ما في الحبّ دائماً، غير أنّ ثمّة منطقاً ما في الجنون دائماً". (فريدريتش نيتشيه)
كلمات تبدو وكأنها تختصر حال هؤلاء الفلسطينيّين والفلسطينيات المنتفضين اليوم. كأنما كلمات الفيلسوف الألمانيّ هذه، لسان حالهم.
هذه حالهم، وإن أُلصِقت بهم صفات مناهضة للحياة وللحبّ. مطلقو تلك الصفات، فاتهم أنّ غضب أهل الأرض ليس ببغضاء عمياء وفعل مقاومتهم ليس ببحث عن موت مجانيّ.
غاضبون هم، لا شكّ في ذلك. هم تربّوا على حبّ أرض لهم، محرّمة عليهم. هذه الأرض المنتهكة التي لا مفرّ من "جريمة شرف" لغسل العار و"آثار القدم الهمجيّة". هنا فقط، يجوز الافتخار بذلك الاقتراف.
مقاومون منتفضون هم، من أجل الحياة. الهلاك ليس هدفهم، إلا في حال كانت دماؤهم ضريبة لا مفرّ منها لتتحرّر أرضهم ويحيا قومهم.. أبناء الأرض.
ويستلّون سكاكينهم، في فعل حبّ. "ثمّة جنون في الحبّ"، هذا ما قاله نيتشيه. هم لم يملّوا ولم يُنهَكوا من ارتكاب أيّ فعل جنون تمكّنوا منه، ليثبتوا ولعهم بالوطن - الحلم ونيّتهم بإرسائه على كامل ترابه.
ويحملون حجارتهم. منذ انتفاضة أبناء الأرض الأولى، أصبحت تلك دليلاً على فعل الحبّ.. فكان أطفال الحجارة. وُصفوا بالمجانين. هم راحوا يتحدّون الحديد والنار بحجارتهم، غير أنّ مَن وصفهم لم يدرك أنّ هؤلاء يمارسون أسمى أشكال الحبّ والجنون. هم وبحجارة أرضهم المغتصبة، راحوا يواجهون منتهكيها. الأرض تقاوم بحجرها وبشرها، وتمنح الحياة لأجيال جديدة من أطفال الحجارة.
ما زال البعض، بعضنا، يتساءل عن سرّ ابتسامة هؤلاء الشبان والشابات الفلسطينيّين. ابتساماتهم وهم يَرشقون المحتلّ بالحجارة.. ابتساماتهم وهم يُرمَون بقنابل الغاز وبالرصاص الحيّ.. ابتساماتهم وهم يُطرَحون أرضاً تحت الأقدام الهمجيّة.. ابتساماتهم وهم يُكبّلون ويُقتادون إلى الزنازين المظلمة.
سرّهم ليس بسرّ. هم لا يفعلون سوى الابتسام لهذه الأرض التي يحبّون، هذه الأرض التي تعوّدوا حبّها. ما من حيّ إلا ويبتسم لمحبوب غالٍ. هم يبتسمون لوطن في خيالهم، يمتدّ على مساحة هذه الأرض الولّادة التي منحتهم الحياة، ويحبّون الحياة لأنها باعثتها. هم يبتسمون لوطن محرّم عليهم، لوطن يسعى المحتلّ إلى سلبه حتى من خيالهم. لكنه يبقى وطنهم. يقينٌ لن يتمكّن جبروت الحديد والنار ولا عتوّ السياسة من اقتلاعه من أعماق ذواتهم.
ويبتسم هؤلاء. بفخر، يبتسمون. نعم، هم يحبّون الحياة رغماً عن كلّ الموت الذي يُزَجّون فيه.. رغماً عن كلّ الموت الذي يجرفهم.

اقرأ أيضاً: فلسطينيات جميلات

المساهمون